رداء الشكوى وهوس السبق

10 مارس 2024
10 مارس 2024

يترقب الناس بشرى المطر وغيث السماء مع ترقبهم هلال شهر مبارك، ومع تطور علم الأرصاد وأدواته يبقى يقين التحقق في علم الغيب إذ يحتكم اليقين إلى عوامل لا يمكن الجزم بها تماما مهما بلغت مراكز الأرصاد من دقة في أي دولة معرضة لأنواء مناخية، ثم يأتي المطر بعد طول ترقب وبشرى تحقق ويأتي معه تقليد تعوّده البعض وهو «الشكوى» فهو الشاكي إن استبقت الأرصاد التحقق بتنبيهات ومحاذير مبكرة بدعوى بث الرعب والتطيّر من الخير المُرجّى مطرا قادما، وهو الشاكي إن لم تفعل إذ لم يتهيأ لحماية نفسه وعائلته من أخطار التغيرات المناخية المفاجئة، هو الشاكي إن لم يصدر قرار تعليق الدراسة أو العمل ففي ذلك مخاطرة بالأنفس ومغامرة بالأرواح، وهو الشاكي إن صدر قرار التعليق إذ فيه تعطيل للمنهج التعليمي وعرقلة للنسق الوظيفي.

وبقدر ما يعكس الاختلاف حالة صحية من تبادل الآراء واتساع الفضاء للتنوع والمشاركة فإنه يكشف بعض الترسبات التقليدية في التفكير الشعبي الإيجابي غالبا، إلا حين يفضي بصاحبه إلى مزالق الخطر أو تلبس حالة الشكوى أبدا، أما الأولى فجلية أوان احتفاء الفرد المتعطش للمطر والرواء بعد طول ترقب وانتظار، حتى أنه في تلبس حالة الفرح يتناسى كل محاذير مراكز الأرصاد حول خطورة الوضع وضرورة التأني حتى انتهاء الحالة المدارية تماما ليجازف بنفسه وربما بأهله تعبيرا عن حالة الفرح المنشودة بغيث طال انتظاره، أو تحقيقا لسبق إعلامي موثق بالصوت والصورة لتحمل لنا الوسائط مشهد مواطن يحمل هاتفه وسط خضم من أمواج الوديان المتلاطمة واهما بأنه البطل المغوار وسط أوار المعركة! ولو أن الأمر لم يتجاوز ذلك المغوار السبّاق المحتفي لكان في الأمر ما فيه من الخطر وربما الأسى (لا سمح الله) لكنه يتجاوز صاحب المغامرة إلى مخاطرة قد يتحملها أفراد يحملهم حسهم الإنساني للمساعدة بالمجازفة الفورية، أو غيرهم ممن تنهض بهم مسؤولياتهم المجتمعية والوظيفية سعيا لإنقاذ الأرواح والحفاظ على الممتلكات لتكبر رقعة المخاطرة التي لا يتسع لها وقت المتغير المناخي الآني غير الآمن مما قد يودي بأرواح، أو يعطل طاقات كان يمكن توظيفها في مواضع أكثر إلحاحا، ورغم تكرار الحدث -مع كثرة المحاذير والإجراءات التي لا نملك إلا تقديرها، والجزاءات التي نحسبها تقيد تلك المغامرات وسباق التوثيق والتصوير- إلا أنها تتكرر وتعاد مع كل مستجدات مناخية كأن لا خبر ولا عيان ولا عِبَر.

ثم نأتي إلى منطلق شكوى تعليق الدراسة أو العمل بحجة الخوف على ضياع المنهج أو فوات الخدمة المؤسساتية متناسين مبدأ «السلامة أولا» فعن أي منهج نتكلم وقد تجاوز العالم التعليم الكمي إلى الكيفي، والعدد إلى المحتوى، وهل يمكن أن نقارن اختبارا نهائيا سقط منه درسان أو ثلاثة (مثلا) بشعب غاب عنه فرد واحد أو حتى تأذى في معرض المخاطرة لإدراك المنهج!، ثم إن انقضى الوقت ولم يبد خطر تلاوم الشكاة بينهم أن ها قد عبرت الأنواء دون خسائر وضاع الدرس وكأنهم كانوا يتمنون العكس في استغراق الحالة وتحقق الخطر لإثبات حالة الخطر المتوقع وفق مبدأ يخالف منطق العقل وحتى الإنسانية التي تأخذ بأسباب السلامة خشية وقوع المحذور!

الوعي بإدارة المخاطر يحتاج وعيا عميقا بدراسة الممكنات واستشراف النتائج حتى في احتمالاتها البعيدة والحول دون وقوع الأسوأ منها، لكن بعض الآراء غير الواعية تعمل على تشتيت الجهات المعنية، وتوجيه التركيز خارج دائرة الأولويات من متابعة المتغير الطارئ ودراسة معطياته، وتحليل نتائجه سعيا لمعالجة واقعية للمتحقق منها، ووضع تصورات مثلى للقادم وفقا للممكنات، وتحضيرا للأفضل من احترازات تحضيرية وإجراءات استباقية.

ختاما: حريٌّ بالجميع البعد عن تلبس السلبية المطلقة متمثلة في رداء «الشاكي المخالف» الذي قد لا تتجاوز آراؤه البحث عن شهرة عبر قاعدة «خالف تعرف» والسعي لتمثل مواطنة حقيقية تتلبس مشاركة فعلية نشرا للوعي ومساهمة في تأكيد جهود التحذير، وتعزيز إيجابيات التكامل المجتمعي، والنهوض بمسؤوليات الفرد والمؤسسة خدمة للمجتمع وإنسانه الأغلى من كل التنظير وكل جسور الشهرة.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية