رأس المال الجريء والخيارات الاستثمارية

15 يناير 2024
15 يناير 2024

عرف رأس المال الجريء بأنه «شكل من أشكال التمويل الذي يوفر الأموال للشركات الناشئة التي لديها إمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة، مقابل الحصول على حصة من الملكية»، ويطلق على هذا النوع من التمويل مصطلح الاستثمار المغامر أو رأس المال المجازف وذلك لتقديم تمويل على نتائج متوقّع حدوثها مستقبلا، ويعد رأس المال الجريء مصدرا مهما لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سواء عبر التمويل النقدي أو الاستفادة من خبرات فنية أو إدارية بهدف دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للنمو والتوسع وزيادة معدل الابتكار داخل الشركات الناشئة، وتعزيز جودة عمل الشركات، أو تسجيل نمو استثنائي باستمرار ومتوقّع ومواصلة النمو لتحقيق معدلات نمو كبيرة مستقبلا.

وما يميّز هذا النوع من رأس المال أنه قادر على تحمل الخسارة، إذا تعرضت لها إحدى المؤسسات الممولة نتيجة صدمات اقتصادية غير متوقّعة، مثل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، مما تسبّب في تراجع تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب عدم اليقين الاقتصادي والتقلبات الحادة في الأسواق المالية حينها، إلا أن ظهور بعض الأفكار الابتكارية والداعمة لريادة الأعمال لمساعدتها على الصمود والاستدامة المالية والإدارية خلال فترة الوباء زاد من استقطاب عدد الاستثمارات ونوعيتها، خاصة تلك الشركات غير القادرة على التمويل الذاتي على المدى الطويل، وبطبيعة الحال فإن غالبية مؤسسي الشركات الصغيرة يبحثون عن تمويل لتأسيس شركاتهم سواء التمويل النقدي أو البشري أو الاستثماري. هناك عدد من الآراء بين الاقتصاديين حول رأس المال الجريء، تتمثل في أن هذا النوع من الاستثمار ربما يؤدي إلى عدم توافق بين الشركاء والمستثمرين، مما يؤدي إلى نتائج سلبية على مستقبل الشركة، بسبب توجّس الشركاء من فقدان جزء من حصصهم في الشركة لصالح المستثمرين الجدد. ووفقا للكاتب آدم هيز -في تقرير لموقع «إنفستوبيديا» (Investopedia)- عن أهمية الاستثمار الجريء للشركات الناشئة: «يجب أن يفهم رواد الأعمال آلية عمل صناديق الاستثمار المغامر، من حيث كيفية صنع القرارات ومدة العملية الاستثمارية وشروطها، حيث تعدّ كل هذه التفاصيل أمرا بالغ الأهمية لكل رائد أعمال ومؤسس شركة ناشئة»، ورغم أن رأس المال الجريء يعد أحد أنواع الاستثمارات عالية المخاطر، إلا أن المقدمين على هذا النوع من الاستثمار يأملون أن يحققوا منافع مادية كبيرة عبر دراسة واقع الاستثمار، من حيث الإدارة المالية الصلبة وقوة الفريق الذي يدير الشركة، إضافة إلى القيمة المضافة التي تقدمها منتجات الشركة ومدى وجود الميزة التنافسية في المنتج أو السلعة المراد تسويقها وبيعها. كذلك نظرا لخطوة الاستثمار المترتبة على رأس المال الجريء ولكونه أحد استثمارات رأس المال المجازف أو المغامر به، فإن المستثمر غالبا ما يطلب الحصول على ضمانات تحميه في حال فشل العملية الاستثمارية، وإن كان يملك حصة من الشركة. ولكن في المجمل، فإن اتخاذ القرار في الشركة أو تعديله لن يتم إلا بدعم من الشريك الاستثماري. ومن الأمثلة على ذلك البرنامج الاستثماري «مسرعة الوادي»، أحد برامج الصندوق العماني للتكنولوجيا، الذي يهدف إلى عملية تسريع نمو المشاريع الناشئة والاستثمار فيها لتحقيق الاستدامة من خلال مواءمة نموذج العمل مع السوق وربطها بشبكة من الخبراء والمستثمرين الأفراد ورأس المال المغامر، مما تحظى الشركات الناشئة بدعم كبير وحوافز عديدة في المجال التقني لتعزيز التحول الرقمي ولبناء اقتصاد وطني متنوع تنافسي يتميّز بالابتكار عبر تشجيع المواهب على تأسيس شركات بمنتجات مبتكرة قادرة على معالجة التحديات، التي تواجه بعض المجالات، وداعمة للتوجه الوطني نحو التنويع الاقتصادي، خصوصا بعد إطلاق صندوق الاستثمار الجريء للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة؛ فتنوّع الخيارات الاستثمارية التي يقدمها رأس المال الجريء لا تقتصر على تقديم التمويل النقدي فقط للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل تتعدى أكثر من ذلك عبر توظيف أحدث التقنيات والابتكارات لتطوير الأنظمة الإدارية والمالية وتأهيل الكوادر البشرية من خلال الاستعانة ببيوت خبرة لإيجاد ميزة تنافسية وقيمة مضافة للمؤسسة أو الشركة الناشئة، إضافة إلى دور رأس المال الجريء في توطين بعض الصناعات وتطوير منظومة العمل والابتكار والإبداع للمؤسسات والشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة.

إن الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان لتحفيز رأس المال الجريء كان لها دور في حصول سلطنة عمان وفقا للتقرير الصادر عن مؤسسة «ستارت أب جينوم» لعام 2023م على تصنيف متقدم ضمن أفضل 10 دول على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال الأسواق الجاذبة للمواهب والداعمة لها بتكلفة تتناسب مع قدرة الشركات الناشئة المالية. ويقيس المؤشر كذلك وفرة تمويل رأس المال الجريء الذي حققت من خلاله سلطنة عمان نتائج إيجابية وضعتها ضمن 10 دول على الإقليم، هذه النتائج التي حققتها سلطنة عمان تعكس الجهود الكبيرة المبذولة من قبل الجهات المعنية لإيجاد بيئة تنافسية وخصبة للمبتكرين لتأسيس شركات قائمة على الابتكار والإبداع في قطاعات مختلفة.

أخيرا، يمثّل رأس المال الجريء أحد الحلول السريعة والفاعلة لإنقاذ الشركات والمؤسسات الناشئة من التحديات التي تعترضها خاصة عند تعذّر الحلول لدى المؤسسين والشركاء، وكذلك توظيف التقنيات الحديثة والحلول الابتكارية لتطوير الأداء المالي والإداري للشركة وتسريع نموها وتحسن أدائها وتطويرها، إلا أنه من المهم فهم دور هذا النوع من الاستثمار جيدا تفاديا لأي مخاطر محتملة ربما تنشأ بين المستثمرين والمؤسسين.

الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان لتحفيز رأس المال الجريء، كان لها دور في حصولها على تصنيف متقدم ضمن أفضل 10 دول على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال الأسواق الجاذبة للمواهب والداعمة لها.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي