دور المشاركة المجتمعية في صنع القرار

31 أغسطس 2021
31 أغسطس 2021

بدر بن عبدالله الهنائي

يُنسَب إلى هنري فورد - وهو مؤسس صناعة السيارات الحديثة - قول مثير للجدل بأنه لو سأل الناس قبل ظهور السيارات عما يريدون في سبيل تعزيز التنقل لقالوا له بأنهم يحتاجون أحصنة أسرع، بينما أبدى ستيف جوبز صراحته المعهودة حول مدى إمكانية الأخذ بآراء الجمهور من أجل تطوير منتجات شركته قائلا: «إن من الصعب الإتيان بمنتجات جديدة بناء على ما يريده الجمهور؛ لأن الجمهور في معظم الأحيان لا يعرف ما يريد حتى تريه إياه». فإذا كان اثنان من أبرز مؤسسي مشهد الأعمال كما نعرفه اليوم لا يؤمنان بمشاركة الجمهور، إذن ما مدى أهمية إشراكه في صنع القرار أصلا؟ وما هي القيمة التي تتحقق من ذلك؟ وهل هي كلمة براقة أو أداة سحرية يوظفها السياسيون بشكل صوري من أجل تمرير أجنداتهم؟

يشكل مفهوم المشاركة المجتمعية موضوعا ثريا بالنسبة للباحثين والمختصين، وعلى ضوء تلك الأبحاث فقد حاول العديد منهم الوصول إلى تعريف يعبر عن هذه الممارسة ويؤطرها بما يضمن تطبيقها لتحقيق الأهداف الإيجابية منها. ويتمحور جل تلك التعريفات حول كون ممارسة المشاركة المجتمعية مجموعة من الأنشطة المعلوماتية والاتصالية التي تقوم بها الجهة أو المؤسسة من أجل إشراك المجتمع أو فئات معينة منه في صنع قرار معين، فيما تقول بعض التعريفات بأن المشاركة المجتمعية إطار لإعادة توزيع هيكل السلطة بحيث يكون للفئات الأقل تأثيرا دور في صناعة القرار، أما البعض الآخر فينظر إلى المشاركة المجتمعية بأنها شرعنة لسلطة الأطراف القوية تقوم عبرها بالتأثير على الفئات الأقل نفوذا في المجتمع التي تطمح هي بدورها إلى ممارسة الحد الأدنى من المشاركة والتعبير.

ويتمسك العديد من المختصين بمبدأ أن المشاركة المجتمعية يجب أن تكون ممارسة مستمرة لا أن تكون حدثا يقام لمرة واحدة؛ لذا فإن من المهم على أساس ذلك أن ترسخ المؤسسة تلك الثقافة من أجل تعزيز الثقة والاستفادة القصوى من المدخلات التي يمكن أن تحصل عليها نتيجة تفاعلها مع الجمهور في سياق الموضوع المراد إشراكه فيه. وتتدرج مستويات المشاركة المجتمعية طبقا للنموذج الشهير الذي قامت بتطويره العالمة شيري آرنستاين المسمى «سلم المشاركة المجتمعية» على ثمانية مستويات أدناها ما أسمته التلاعب Manipulation وهو وجود الوهم بالمشاركة المجتمعية بينما تستحوذ المؤسسة على السلطة المطلقة في اتخاذ القرار، يليها مستوى التعليم Educating وهو افتراض أن الجمهور متلق صامت للقرارات والسياسات، ثم مستوى الإعلام Informing وهو أن يتم إطلاع الجمهور على طبيعة القرارات ولكن دون إتاحة الفرصة لهم للإسهام في صياغتها، ثم مستوى المشاورة Consultation وهو أن يتم تلقي آراء ووجهات نظر الجمهور مع بقاء جانب اتخاذ القرار في يد المؤسسة، بعد ذلك يأتي مستوى التنفيس أو التهدئة Placation الذي يمكن الجمهور من تشكيل تصورات وأفكار مبدئية ولكن يعود القرار بصورته النهائية للمؤسسة، وفوق ذلك يكون مستوى الشراكة Partnership وهو أن يتم إشراك الجمهور بشكل مباشر في صنع القرار إلى جانب المؤسسة، ثم يأتي مستوى تفويض السلطة Delegated Power بحيث تكون المؤسسة مجرد ممكّن للنقاش واتخاذ القرار بينما يكون الجمهور هو صاحب القرار، وأخيرا مستوى سلطة المواطن Citizen Control الذي تكون فيه كافة مراحل وعناصر عملية صنع القرار بيد الجمهور نفسه دون تدخل من المؤسسة.

وفي سياق الحديث عن المشاركة المجتمعية قد يثار تساؤل حول مدى إلزامية أن تقوم المؤسسة بتلبية ما يريده الجمهور حتى ولو كان ما يريده الجمهور غير واقعي أو غير عملي، وقد يبدو ذلك أحد أهم العوائق التي قد تبني عليها المؤسسة موقفا سلبيا من تفعيل ممارسات المشاركة المجتمعية. إلا أن ما يمكن أن يوضع في عين الاعتبار في سبيل التغلب على ذلك العائق هو أحد أهم متطلبات تنفيذ المشاركة المجتمعية بحيث يلزم قبل الشروع في تلقي مرئيات المجتمع أن تتم توعيته بصورة كاملة ودقيقة حول الموضوع المراد صنع القرار حوله، بما في ذلك الخلفيات التاريخية حول ذلك الموضوع، وتشخيص الوضع الحالي له، مع أهمية بيان كافة التبعات لكل خيار محتمل من خيارات القرار الذي قد يتم الأخذ به، بل والتوسع في تفصيل تلك التبعات على أساس الفئات المختلفة التي يستهدفها القرار أو قد تتأثر به.

ويمكن للمؤسسة أن تحقق عددا من الأهداف عبر تفعيل ممارسات المشاركة المجتمعية منها تسهيل عملية صناعة وإنفاذ القرار نظرا للفهم الواسع الذي يكون المجتمع قد شكله نتيجة التوعية المصاحبة للمشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى تعزيز قدرات المجتمع في الإسهام في مواجهة التحديات، وتمكينه من الاطلاع على الظروف التي عادة ما تحيط بقرارات معينة قد لا يراها في حال كانت القرارات تتخذ بمعزل عنه. كما أن هذه الممارسة عموما تؤدي إلى تحسين عملية اتخاذ القرار ككل نظرا لأن مراحل التوعية وجمع المرئيات ينتج عنها اطلاع أكبر للمؤسسة على كافة المدخلات التي يمكن وضعها في الاعتبار قبل الوصول للصيغة النهائية للقرار، والتي تضمن استنفاد كافة الخيارات والآراء والنتائج المحتملة من أجل تشكيل صورة كاملة للقرار وتبعاته قبل الخروج به. وبذلك فإن المؤسسة ستضمن بقاءها في مأمن من التغييرات اللاحقة التي قد تضطر لإجرائها لاحقا على القرار بعد دخوله حيز التنفيذ نظرا لوجود تأثيرات لم تكن في الحسبان أثناء عملية صنع القرار.

وبشكل عام فإن هنالك عددا من العوامل المتوفرة التي يمكن أن توجد مناخا إيجابيا لتفعيل ممارسات المشاركة المجتمعية أبرزها مستويات الوعي المجتمعي في جانب القضايا التي تدخل ضمن حيز اهتمامه وتؤثر في حياته اليومية وكذلك وعي المجتمع بأهمية التعبير عن رأيه من أجل صنع القرار الحكيم، بالإضافة إلى تنوع أساليب وقنوات التواصل التي تعطي المؤسسة خيارات عديدة من أجل تنفيذ ممارسات المشاركة المجتمعية، وأخيرا وجود التقنيات التي تسهل للجمهور المشاركة وتيسر للمؤسسة فرز وتحليل المدخلات الواردة من الجمهور في سبيل الوصول إلى ما يفيد عملية صنع القرار.