دور السياسات المالية والنقدية في تحقيق استقرار الاقتصاد العُماني

13 يونيو 2022
13 يونيو 2022

يعيش العالم بين فترة وأخرى تحولات اقتصادية نتيجة لمتغيرات سياسية أو اقتصادية، فالمتغيرات الاقتصادية التي تؤثر على النشاط الاقتصادي لأفراد المجتمع تستدعي تدخلًا من الحكومات لإعادة ضبط النشاط الاقتصادي عبر أدوات السياسات المالية والنقدية وحمايته من تلك المتغيرات؛ فالاستقرار الاقتصادي هدف تنشده اقتصادات الدول لتحقيق التوازن الاقتصادي وهي الحالة التي لا تتطلب إحداث أي تغيير في الوضع الاقتصادي العام.

وتعد السياسات المالية والنقدية من أهم الأدوات التي تستعين بها الحكومات في تحقيق أهداف الدول الاقتصادية والتنموية على المستويين المحلي والخارجي وتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام.

وتسهم السياسات النقدية والمالية بفعالية في التحليل الاقتصادي للمتغيرات والأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم بين فترة وأخرى، حيث يرى بعض الاقتصاديين المؤيدين للسياسة النقدية أنها أكثر فعالية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، فيما يؤكد بعض الاقتصاديين أن السياسة المالية تحقق النمو الاقتصادي.

فالسياسة المالية تهدف إلى توفير النمو الاقتصادي لمواجهة التقلبات الاقتصادية عبر سياسة تربط بين النفقات الحكومية والإيرادات العامة للدولة وتشرف على هذه السياسة وزارة المالية، فيما تهدف السياسة النقدية التي يشرف عليها البنك المركزي إلى السيطرة على التضخم، وتغيير أسعار الفائدة عبر تبني استراتيجية اقتصادية تؤدي دورًا محوريًا في التحكم على العرض والطلب.

بالرغم من تفضيل بعض الاقتصاديين للسياسة النقدية على السياسة المالية كونها أسرع في التطبيق من السياسة المالية بسبب أن البنوك المركزية تستطيع تغيير أسعار الفائدة دوريًا وقادرة على التحكم بعرض النقد الكلي والائتمان، إلا أن السياسة المالية لا تقل أهمية عن السياسة النقدية في تحقيق النمو الاقتصادي للدول عن طريق استخدام الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب المختلفة لتطوير البنى الأساسية والحفاظ على مستويات الرفاه الاجتماعي للأفراد، كما أن السياسة المالية تحظى بمكانة مهمة بين السياسات الاقتصادية الأخرى كونها تحقق أهدافًا اقتصاديةً متعددةً تسعى إليها اقتصادات الدول وذلك لأسباب تتعلق بدور أدواتها التي تقضي على المعوقات والتحديات التي تعترض الاستقرار الاقتصادي.

ويختلف استخدام أدوات السياسة النقدية بين دول العالم، حيث ترى الدول النامية أن السياسة النقدية مهمة في تحقيق النمو الاقتصادي واستدامته، واستقرار النقد، وتخفيض مستويات الباحثين عن عمل لمعدلات مقبولة، فيما ترى الدول المتقدمة السياسة النقدية ضرورية لتخفيض معدل التضخم والوصول للاستقرار النقدي.

فالدول بحاجة إلى تغيير سياساتها المالية والنقدية بما يتلاءم مع وضعها الاقتصادي؛ فتشهد بعض الدول هبوطًا في اقتصادها تارة وصعودًا تارة أخرى، ولذلك ينبغي على الدول أن تتبع السياسة النقدية أو السياسة المالية المناسبة التي تسهم في تحقيق الأفضل والمستدام لاقتصاداتها، وأن تسعى للتنسيق بين السياستين لتحقيق منافع أكبر والوصول لاستقرار اقتصاداتها وتعظيم الأداء الاقتصادي لتلك الدول.

على مدار الأزمات الاقتصادية التي مرت على الاقتصاد العُماني منذ أزمة الرهن العقاري في 2008 مرورًا بأزمة انخفاض أسعار النفط خلال السنوات منذ 2014 وصولًا إلى جائحة كوفيد 19 نجح البنك المركزي العُماني عبر سياسته النقدية في الحفاظ على استقرار سعر صرف الريال العُماني وتحسين الوضع الائتماني الممنوح للقطاع الخاص.

أما فيما يتعلق بالسياسة المالية فإن الشق الأول من هذه السياسة المرتبط بالإنفاق الحكومي ظل معتمدًا على الإيرادات المحصلة من أسعار النفط بنسبة كبيرة خلال السنوات الماضية، ومع تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية ونية الحكومة بفرض ضريبة الدخل أصبح تفعيل الشق الثاني من هذه السياسة المرتبط بالضرائب واقعًا حتميًا، حيث من المتوقع أن تسهم ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية في بند الإيرادات بالميزانية العامة للدولة للعام الجاري 2022م أكثر من نصف مليار ريال عُماني.

أرى أن نجاح سلطنة عُمان في أدوات السياسات المالية والنقدية التي حققتها خلال تعاملها مع الأزمات الاقتصادية السابقة يتطلب الاستمرار في خطط الحكومة لبناء نموذج اقتصادي بعيدًا عن تقلبات أسعار النفط العالمية وقادر على امتصاص الصدمات الناتجة عن الأزمات الاقتصادية المستقبلية المتناسق مع التركيبة الهيكلية للاقتصاد العُماني عبر دمج مكونات الاقتصاد الكلي والجزئي؛ لتحقيق استقرار الاقتصاد.

ختامًا، يمكن القول إن التكامل والتناسق بين أدوات السياسات النقدية والمالية يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي مما يساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم قوة الاقتصاد وثباته أمام التحديات الاقتصادية التي تعترض مسيرة التنمية الشاملة.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عُماني