حكومة إسرائيل.. هل تستمر ؟
ليس مفاجئا ولا غريبا أن تتعدد وتتفاقم المشكلات التي تواجه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة سواء بالتصعيد المتعمد والممنهج ضد الفلسطينيين منذ تشكيل الائتلاف اليميني المتطرف وتولي أتمار بن غفير وزارة الأمن الداخلي، أو باستعجال الائتلاف تقديم مشروعات القوانين الداعمة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وتحصينه في موقعه وبإجراء تعديلات قضائية تمس المحكمة العليا في إسرائيل لحساب الكنيست، وهو ما سبق أن سميناه بالدعم والحرص على السيطرة المتبادلة بين نتانياهو وقادة الأحزاب الدينية المتطرفة، غير أن استجابة الفلسطينيين من ناحية والمجتمع الإسرائيلي من ناحية ثانية كانت أسرع وأكثر تأثيرا من حسابات نتانياهو وحكومته، وهو ما أكدته أحداث وتطورات الاحتجاجات والمظاهرات الواسعة النطاق التي شهدتها إسرائيل ووصلت إلى ذروتها أوائل الأسبوع الماضي وعلى نحو «هدد وجود إسرائيل للمرة الثانية» منذ حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، حسبما أشار أحد كبار قادة الأمن السابقين في إسرائيل.
غير أن نتانياهو، الذي وجد نفسه في مأزق حقيقي اضطره إلى اختيار أخف الأضرار في نظره، وذلك بالانحناء أمام العاصفة، أو على الأقل المناورة بمحاولة تأجيل الاستمرار في عرض مشروعات القرارات مصدر المشكلة إلى ما بعد إجازة الكنيست في منتصف الشهر الجاري، وهو تأجيل يمتد إلى نحو شهر تقريبا، حسب عراف الحل «أتمار بن غفير» زعيم حزب «الصهيونية الدينية « الذي وضع نتانياهو أمام خيار إسقاط الحكومة بانسحابه منها، أو الموافقة على تشكيل ما سماه بالحرس الوطني داخل وزارته -وزارة الأمن الداخلي- ويكون تابعا له وتحت سيطرته، وهو ما سيترتب عليه في حالة تشكيله مخاطر عديدة بالنسبة لإسرائيل وبالطبع بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة في السنوات القادمة. وبالفعل أعلن نتانياهو مساء الاثنين السابع والعشرين من مارس الماضي تأجيل عرض مشروعات القرارات الخاصة بالتعديلات القضائية إلى ما بعد عيد الفصح وقام بإلقاء خطاب تشاور فيه مع أركان حكومته ومنهم «بن غفير» بالطبع. وبينما أدى قرار نتانياهو إلى تهدئة حالة التوتر والاستقطاب نسبيا داخل إسرائيل والحد من خطر حقيقي، فإن السؤال هو هل انتهت الأزمة في إسرائيل؟ وهل سيتم التغلب بشكل كامل على المشكلة التي أثارت قلقا داخل إسرائيل وفي الأوساط المؤيدة لها في الخارج وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والأكثر من ذلك هل يستمر الائتلاف الحاكم أم يتفكك ويدعو نتانياهو لانتخابات جديدة ؟ وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:
أولا: إنه من الواضح أن نتانياهو المراوغ فضل عدم الرضوخ لضغوط المتظاهرين الإسرائيليين الذين بلغ عددهم نحو ستمائة ألف متظاهر الأسبوع الماضي، وبدلا من ذلك اختار كسب بعض الوقت، بإبداء بعض التنازل ومحاولة تصوير نفسه كقائد وطني يحرص على الحفاظ على تماسك إسرائيل وتجنيبها مخاطر، حتى ولو كان على حساب ما يراه صائبا، ولقد عمد نتانياهو إلى حشد الكثير من العبارات ذات الدلالة في خطابه مساء الاثنين الأسبوع الماضي ومنها على سبيل المثال انه «لن يسمح بتقسيم إسرائيل» و«لن يسمح بوقوع حرب أهلية» و«إننا أخوة ولسنا أعداء» وانه يسعى من خلال التأجيل إلى «بناء أوسع توافق ممكن مع مختلف الأطراف».
وإذا كان أسلوب المناورة واضحا تماما، خاصة بعد أن ازداد عدد المؤسسات الإسرائيلية المعترضة على إصلاحاته القضائية ودخول الاتحاد العام للعمال « الهستدروت» ضمنها وهو من المؤسسات ذات الثقل، فإن مناورة نتانياهو امتدت إلى التعامل مع وزير الأمن الداخلي في حكومته، الذي ربط موافقته على تأجيل عرض الإصلاحات القضائية بموافقة نتانياهو على إنشاء حرس وطني في وزارة الأمن الداخلي التي يتولى حقيبتها وطرح مناقشة ذلك في اجتماع قادم لمجلس الوزراء الإسرائيلي، ولأن المناورة ليست فقط من جانب نتانياهو ولكنها من جانب «بن غفير» أيضا، فإن الوزير الإسرائيلي أصر على أن يحصل على موافقة كتابية من نتانياهو على إنشاء حرس وطني، وقام بعرض الوثيقة على زملائه في الحكومة، أما نتانياهو فإنه لم يشر في خطابه إلى إنشاء الحرس الوطني، ربما على اعتبار أن الأمر ستتم مناقشته داخل مجلس الوزراء في وقت لاحق، وأنه لا يزال مسألة بين نتانياهو و«بن غفير» ويجب إقرارها على مستوى مجلس الوزراء إذا افترضنا حسن النية بشكل أو بآخر. وبالنظر لتمسك «بن غفير» بتشكيل حرس وطني داخل حكومته فإنه لوح بالانسحاب من الحكومة ومن ثم إسقاطها، وتظل هذه الورقة بمثابة تهديد لبقاء الحكومة واستمرارها ويمكن أن يلجأ إليها «بن غفير» عندما تقتضي مصالحه السياسية.
ثانيا: إنه إذا كانت حدة الأزمة قد هدأت قليلا، إلا أنه من المؤكد أنها لم تنته، ليس فقط لأن التأجيل لا يعني الحل، ولأن مشروعات التعديلات القضائية أمام الكنيست بالفعل حيث تمت القراءة الأولى لها، ولكن أيضا لأن المظاهرات الرافضة لها تجددت السبت هذا الأسبوع في عدة مدن إسرائيلية وبلغ عدد المشاركين فيها نحو 150 ألفا، وهذا يعني أنها لم تفقد زخمها تماما وأنها ستستمر بشكل أو بآخر في ظل فترة المشاورات الحالية بين نتانياهو وبين المعارضة الإسرائيلية على أمل التوصل إلى توافق حول التعديلات القضائية. والواقع أن حكومة نتانياهو تغلق، حتى الآن على الأقل، طريق التوصل إلى توافق مع المعارضة الإسرائيلية، وقد ظهر ذلك بوضوح في تصريحات وزير الأمن الداخلي بعد خطاب نتانياهو الأسبوع الماضي، والتي حملت نبرة التحدي والانتصار، على نحو بالغ الدلالة فيما يتصل بطموح «بن غفير» السياسي وربما تطلعه لدور أكبر حين قال إنه «سيتم إقرار التعديلات القضائية وتنفيذها وأن الحرس الوطني سيتم تشكيله، وبغض النظر عن نبرة التحدي، فإنه يعني أن الأزمة مستحكمة، وأنها ستزداد أيضا بسبب الخلاف داخل إسرائيل حول تشكيل الحرس الوطني بعد إقراره من جانب الحكومة، خاصة أن بن غفير لن يتردد في تنفيذ تهديده بالانسحاب من الحكومة وبالتالي إسقاطها لتحقيق مصالحه بعد أن وضع نفسه على خارطة السياسة الإسرائيلية المتطرفة، سواء بمواقفه المتطرفة ضد الفلسطينيين أو بالمزايدة على نتانياهو في التعامل مع واشنطن التي تعارض علنا التعديلات القضائية التي سبق وأن أبدت تحفظا حيال مشاركته «بن غفير» في الحكومة الحالية. على أية حال فإن التفاعلات السياسية في إسرائيل تتواصل بنشاط وهي مفتوحة على مختلف الاحتمالات في الأسابيع القادمة بما في ذلك سقوط الحكومة. وقد جاءت مناقشة وإقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي على إنشاء الحرس الوطني في اجتماعه أمس الأول الأحد كدليل على قوة بن غفير داخل الحكومة. ثالثا: إن موقف واشنطن من إنشاء حرس وطني، سيكون لها تأثير على نحو أو آخر، فقد كانت رسالة بايدن إلى نتانياهو صباح الإثنين الأسبوع الماضي مؤثره في إعلانه تأجيل التعديلات القضائية، ونظرا لأن معارضة إنشاء الحرس الوطني ستكون كبيرة بين الإسرائيليين والمؤسسات الإسرائيلية، حيث حذرت قيادات أمنية وسياسية إسرائيلية من خطورة ذلك على استقرار إسرائيل لأن الحرس الوطني، إذا تم تشكيله سيكون بمثابة ميليشيا مسلحة ومتطرفة يسيطر عليها أكثر الوزراء تطرفا، كما وصفه زعيم المعارضة «ليبيد» بأنه سيكون «جيشا من السفاحين» فإن الأزمة ستكون أكبر. وبغض النظر عما ستؤول إليه التطورات خلال الفترة القادمة بعد تراجع شعبية الليكود والأحزاب الدينية بسبب المخاطر التي تدفع إسرائيل إليها، فان إنشاء حرس وطني في إسرائيل هو تصعيد خطير ضد الفلسطينيين وعليهم أخذه في الاعتبار والتعامل مع كل احتمالاته خاصة وأن اليمين الإسرائيلي يعمد إلى عسكرة الشارع على نطاق واسع. وعندما تزداد حدة الخلافات فالسؤال هو من سيطيح بالحكومة «نتانياهو» أم «بن غفير»؟
