حتى لا ننسى مواردنا الذاتية !

16 يونيو 2021
16 يونيو 2021

قد لا نغالي إذا قلنا أن مقوماتنا الذاتية في بلادنا عُمان، لم يتم الالتفات إليها بصورة جادة وشاملة، وكان بإمكاننا منذ عدة عقود أن نكتفي ذاتيا من مشاريع اقتصادية عملاقة، في مجالات عديدة من ثرواتنا الطبيعية المختلفة، سواء من الثروة الزراعية ، أو الثروة السمكية، أو الحيوانية ، أو غيرها من الثروات الأخرى التي هي كامنة في أرضنا، سواء كانت بارزة وظاهرة للعيان، أو التي تحتاج إلى البحث والتنقيب لاكتشافها ، بدلا من اعتمادنا مما نستورده من الخارج، فلو تم ذلك من عقود مضت ، لكنا في مأمن من الكثير من الأزمات والعواصف والتقلبات الاقتصادية العالمية ، التي نعايشها اليوم وتعايشها دول عديدة من قارات العالم ، ومنها انخفاض أسعار النفط الذي نعاني منه معاناة كبيرة عندما جعلناه المصدر الوحيد لنشاطنا المالي والاقتصادي، وفي كل المجالات لعقود طويلة مضت، إلى جانب الأزمات الأخرى الطارئة التي لا يستطيع أحد التنبؤ بها ، ومنها أزمة «كورونا» الراهنة التي أضافت على أزمة النفط أزمات أخرى ، اقتصادية وصحية واجتماعية وما تزال! .

والإشكال الذي أوقع العديد من دول العالم في هذا المأزق الاقتصادي ـ ومنها بلادنا بالطبع ـ هو الاعتماد على أسعار النفط للدخل المالي دون أن تساهم معه موارد أخرى من المقومات الذاتية لبلادنا ، وفي كل أزمة من أزمات انخفاض أسعار النفط ، سواء بسبب الحروب ، أو الركود الاقتصادي أو الصراعات الدولية ، التي تودي أحياناً إلى انخفاضه بصورة مفاجئة .. فنسمع بعد ذلك الكلام والتصريحات من بعض الجهات المسؤولة عن أهمية استغلال ما نملكه من موارد ذاتية ومقومات، زراعية وسياحية ومعدنية وغيرها، ونعزف على منوال أن خيراتنا نستطيع الاعتماد عليها دون أن نعتمد على النفط كمصدر وحيد، ولا شك أن هذا القول يفرحنا بهذه الرؤية الحصيفة ، ونشعر أننا بخير ومدركون للواقع وتحدياته، من هذه التصريحات، التي نراها أنها تفكر ببعد مستقبلي للظروف الاقتصادية بسبب ظروف سلعة النفط وانخفاضها وتقدير أبعاده من حيث اضطراب الأحوال الاقتصادية ، لأي سبب من الأسباب، والالتفات للذات وما تملكه بلادنا من مقومات.

وما أن تمر سنوات قليلة على انخفاض سعر النفط، وتعود الأسعار في الارتفاع مرة أخرى، حتى نسد أبواب تلك العبارات، وتغلق ربما بعض الدراسات والدراسات، التي ربما قد أعدت لذلك كما كان التوقع أن يتم التركيز على الموارد داخل الوطن ، لاستغلال بعض مواردنا، ونضعها في الأدراج ! وكأن ما قيل عن الموارد الذاتية التي جرى الحديث وأهميتها، وضرورة استغلالها، مجرد أحلام وردية بعيدة عن الواقع، أو هو تعويض نفسي عن أزمة اقتصادية لانخفاض سعر النفط بالتحدث أننا نملك غير هذا المصدر الاقتصادي الوحيد لدينا، دون أن يتحول هذا الذي نملكه إلى برنامج عمل لاستغلاله الاستغلال الأمثل، ونستطيع الاعتماد عليه، ونترك نزيف ثروة النفط لمشاريع عملاقة.

لكننا للأسف أن هذا لم يتحقق مع أنه مرت علينا أزمات عديدة، من أزمات انخفاض للنفط ، خلال الخمسين عاما الماضية الذي تذبذبت فيها الأسعار، ففي بداية السبعينات من القرن الماضي كانت أسعار النفط منخفضة من أواخر الستينات من القرن الماضي، ومع اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، ارتفعت أسعار بصورة كبيرة، خاصة مع استخدام بعض الدول العربية المنتجة للنفط كسلاح في هذه المعركة وتم وقفه عن بعض الدول الصناعية، وبعدها بعدة أعوام ، عاود الانخفاض في أسعاره بين الفينة والأخرى، خاصة في أواخر السبعينات، وفي بداية الثمانينات عاد الانخفاض مرة أخرى بصورة كبيرة، وبلغ ذروة الارتفاع في عام 1986، إذ بلغ سعر النفط عشرة دولارات، وفي بعض الدول إلى سبعة دولارات، ومع الأزمة الآسيوية والركود الاقتصادي في بعض دول هذه القارة، في بداية التسعينات، نقص الطلب على أسعار النفط ، مما سبب في انخفاضه ! ثم أزمة أسعار النفط الذي بدأ انخفاضه بعد الربيع العربي وبقي متذبذبا حتى الآن.

والذي أود قوله أن الرؤية الإيجابية تتطلب الاستفادة من تقلبات أسعار النفط ومحدوديته كسلعة وحيدة وثابتة، دون أن نعزز من مواردنا ويتم استغلالها لمواجهة التقلبات في أسعاره، لأنه من الصعب الاعتماد عليه كثروة دائمة لا تنضب، وكذلك أيضا أن الحروب والتوترات والصراعات السياسية، تفعل فعلها في تغيرات سعره، وهذه تأتي ضمن الصراعات الدولية التي لا تتوقف، خاصة بين الدول الكبرى ، ويستخدم في ضرب أسعاره لدى الدول الأخرى، كحرب من الحروب التي تجري من أجل النفوذ والاستقطاب ، بدلاً من الحروب العسكرية التي أثمانها باهظة على كل المستويات . وهذه هي مشكلة مشاكل عند الاعتماد الوحيد على إيرادات النفط كمصدر وحيد ، مع أن هذه السلعة قابلة لاستخدام السياسي كما أشرنا، وتوقع هبوطه مسألة بديهية في عصرنا الراهن، فالكلام عن انتهاء الحرب الباردة، مع انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، كما توقع البعض، وانتهاء صراع الأقطاب الكبار، ليس دقيقا بالمرة، فالصراع بين الدول الكبرى لن يتوقف ما دام الاختلاق السياسي والاقتصادي قائما بين الدول الكبرى، وسيستخدم صلاح النفط في كل الصراعات ، ولذلك من المهم أن نستفيد من مشكلة هذه السلعة وتقلباتها الدائمة، وحتى استنزافها بأسعار متدنية ، دون مبرر.. والحل نراه مهما وإيجابياً هو الاعتماد على مواردنا الذاتية، وفي أن تتاح الفرص لمشاريع ناجحة ، من خلال استقطاب المستثمرين الجادين ، الذين لهم مشاريع مهمة سبق وأن حققت نجاحات في بلدان عديدة.

ولا شك أن الخطة الاستراتيجية 2040، التي انطلقت هذا العام، ونراها مبشرة بإذن الله فهي تضع المقومات التي تزخر بها بلادنا، وضع لها الكثير من خطط والبرامج الكثيرة لاستثمارها، وهذه الخطة طرحت العديد من البرامج لتنطلق فيها وقد وضعت من خلال خبرات وكفاءات عمانية في الأعوام الثلاثة الماضية ، مع الاستفادة من الخبرات الأجنبية المستقطبة لهذا الغرض، خاصة المجالات الاقتصادية ، ولذلك من المهم أخذ العبرة من إخفاقات الرؤية الاقتصادية الماضية 2020، واقصد أن الأمر الذي يجب ألا نتناساه ، هو أن نلتفت بجدية إلى ما عندنا من مقومات متعددة، وهي بلا شك ليست غائبة عن الجهات القائمة على هذه الخطة الاستراتيجية الجديدة، صحيح أننا تأخرنا كثيرا التحرك الجاد لثروتنا الطبيعية لعقود مضت، ومنها الثروة الحيوانية، والزراعية ، والسمكية، والجانب المهم ما تنعم به بلادنا من مقومات سياحية متعددة.

ولا شك أن الأزمة الاقتصادية الراهنة ، تتطلب التركيز على الاستثمار الحقيقي للمنتج من خلال استغلال مواردنا الذاتية ، كبديل للنفط الذي نحتاج أن نقلل من الاعتماد عليه ، للأسباب التي تحدثنا عنها آنفا، ومن خلال ذلك نستطيع أن نستوعب القوى العاملة الوطنية العمانية بصورة متزايدة ، دون أي ارتباك أو عدم إيجاد فرص لهم ، كما تساهم هذه الموارد في الحركة الاقتصادية من خلال هذه المشروعات التي لا شك أنها ستنهض بالاقتصاد وتنعشه، سواء في مجال السياحة أو غيرها من المشروعات الأخرى التي تخدم اقتصادنا الوطني.. ونتمنى أن يتم النقاش من خلال وسائل الإعلام عن برامج الخطة كما وضعت ، ليكون الرأي العام متابعاً لكل جديد في الخطة الاستراتيجية 2040.