جدلية تأثير العقل الجمعي على الاقتصاد

14 يوليو 2025
14 يوليو 2025

العقل الجمعي هو تصرّف أو ممارسة يقوم بها أفراد المجتمع تجاه أمرٍ ما؛ لظنهم أن تصرفات الجماعة تجاه ذلك الأمر صحيحة، وغالبا تنشأ هذه الحالة عند ظهور غموض اجتماعي أو ما يعرف حاليا (بالترند)، ما يربك المجتمع في تحديد السلوك المناسب أو الصحيح؛ بسبب وجود قناعة بأن الجماعة هم الأكثر معرفة عن الحالة، باختصار نستطيع القول: إن العقل الجمعي هو تأثير الفئة الأكبر من الأفراد على الفئة الأقل منهم إذا افترضنا أن الغالبية يمثلون الرأي العام في المجتمع.

انتشار ثقافة العقل الجمعي تؤثر على الأفراد من حيث القدرة على اتخاذ قرار الاختيار، وتربك المترددين في تحديد قرارهم المناسب، ما يجعل آراءهم وقراراتهم تمثل الاتجاه العام للجماعة التي يعتقدون أنها صحيحة دائما، وبالتالي أثرها كبير على الاقتصاد.

ربما تؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد كالصدمات الاقتصادية؛ بسبب اتخاذ قرار غير عقلاني، لكن يدعمه العقل الجمعي للجماعة. وهنا نتساءل: هل قرارات العقل الجمعي مفيدة للاقتصاد؟ للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نفرّق بين الاقتصاد كمنظومة وسلوك الأفراد في اتخاذ القرار الاقتصادي أو الشرائي على وجه التحديد، وبالتالي نحن أمام مزيج من العلوم الاجتماعية، وما تحويه من نظريات وفرضيات، والعلوم الاقتصادية بما تحويه من تنبؤ مستقبلي للأحداث الاقتصادية مع الوضع في الحسبان المتغيرات والمحتملة أو المتوقعة.

إن العقل الجمعي وإن كان مفيدا لدعم الاقتصاد من خلال زيادة القوة الشرائية، إلا أن ذلك لا يبرر سلوك العقل غير الواعي في الاندفاع نحو ما يعرف بـ(الترند)، ما يجعل الفرد يتغاضى عن المنافع والجدوى من اتخاذ قرار شراء أو ما يروّج له من خلال (الترند) أو الهوس المجتمعي، وينحاز تأكيديا أو ذاتيا (للترند)، داعما قراره برأي الأغلبية وإن كان رأيهم تحت تأثير العقل الجمعي، والأخطر من ذلك أن يقوم الفرد بالبحث عن معلومات وأدلة وبراهين تدعم قراره غير الصائب المغيّب عن السلوك العقلاني في الشراء، متأثرا برأي باحثٍ عن الشهرة على حساب الرائج على (الترند) في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن المثير للدهشة إقدام البعض على الترويج لما يعرف (بالترند) غير واضعين في الحسبان أن بعض ما يروّج له غير محبّذ مجتمعيا؛ لظنهم أن رأي الأغلبية صحيح، عاملين بالمقولة الرائجة «الحشر مع الجماعة عيد»، وأقرب مثال لذلك تهافت بعض أفراد المجتمع هذه الأيام لاقتناء دمى (الترند) التي لا تنفع صاحبها بشيء سوى التسابق على وضع دمية على الملابس والمنازل والمكاتب مشبهين ذاتهم بالدمية المتحركة التي تحركها دمى صامتة، ما يضع الفرد أمام جدلية تأثير العقل الجمعي على الاقتصاد من حيث السلوك والتوجه، وهنا يتضح أن شراء الدمية ليس بسبب الاحتياج لها بقدر ما هو إشباع لرغبة عاطفية متأثرة بالعقل الجمعي غير الواعي.

إنّ إيمان أفراد المجتمع بفكرة أو برأي أو بمعلومة على أنها صحيحة ليس خطأً وإن كان بسبب العقل الجمعي المتأثر برأي الأغلبية من أفراد المجتمع؛ لأن في ذلك احتمالية لنقدها ومناقشتها وتحليلها بعمق وإثبات صحتها من عدمه، وفي رأيي أن الهاجس المجتمعي الأكبر من العقل الجمعي هو أن تكون الفكرة جزءًا لا يتجزأ من نظرتنا الواسعة إلى ما يدور حولنا على افتراض أن الآخرين أكثر دراية في اتخاذ القرار أو إبداء الرأي والتوجيه، وبالتالي يؤثر على القرار الاقتصادي من حيث سيطرة أدوات الاقتصاد السلوكي على توجيه الأفراد عاطفيا لا عقلانيا؛ لاتخاذ القرار الاقتصادي المناسب.

لكن عموما ما يمكن استنتاجه أن الأشخاص غير العقلانيين في التفكير هم من فئة ضعاف الشخصية غير المبالين باتخاذ القرار وهم الأكثر عرضة لضغوطات تغيير الاتجاهات والقيم والسلوكيات؛ لسهولة إقناعهم والتأثير عليهم سواء من خلال الإعلانات التي تستهدف نفسياتهم أو من خلال أساليب الإقناع التقليدية مثل استعطافهم من قبل أقرانهم والأشخاص المقربين منهم، وبذلك نستطيع القول بأن حقيقة العقل الجمعي في مجمله هو ظاهرة نفسية سلبية أحيانا في حال توجيه الأشخاص نحو أنماط سلوكية غير صحيحة أو اتخاذ قرارات ليست عقلانية.

وهنا لا أعني أن اتباع العقل الجمعي ظاهرة سلبية كليا؛ فقد يكون العقل الجمعي يظهر في حالات مفيدة للمجتمع، أو تعزز أنماطا سلوكية إيجابية للأفراد، على سبيل المثال لا الحصر الجوانب التوعوية والتثقيفية بالاستناد على الحقائق والإجماع العلمي بطبيعة الحال. لكن إدراك العيوب في تصرفاتنا وتفكيرنا قد يكون مدخلا فاعلا لتقديم رأي بطريقة صحيحة. وهنا نضع مقترحا لدراسة تأثر سلوك الأفراد وقراراتهم بما يعرف بـ(الترند) ليست دراسة من جانب اقتصادي فحسب، وأيضا اجتماعيا ونفسيا؛ خاصة مع كثرة العوامل المؤثرة على العقل البشري التي تربك اتخاذ القرار السليم.