ثقافة الاستهلاك في شهر رمضان

11 مارس 2024
11 مارس 2024

رمضان ركن عظيم من أركان الإسلام الخمسة وصيامه فرصة للمسلمين لمضاعفة الطاعات واحتساب الأجر، والصلوات وقراءة القرآن، والصدقات، وزيارة الأرحام، وهو وسيلة للتقرّب من الله سبحانه وتعالى وطلب المغفرة من الذنوب والرحمة، ورمضان من الأوقات الفاضلة التي ينبغي على المسلم أن يستثمرها، ويكثر فيها من الدعاء، وخصّه عزّ وجل بمضاعفة الأجر ومحبة الناس وترقبهم للشهر الفضيل، قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ».

ورغم الفوائد العظيمة التي يتميّز بها شهر رمضان المبارك عن بقية الشهور؛ إلا أن في هذا الشهر يحدث إيذاءٌ للجيوب وتهاونٌ بالحفاظ على صحة الجسد والبدن بسبب بعض السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها الأشخاص للاستعداد للشهر الفضيل وتناول الأطعمة بشراهة وقت الفطور، مما يؤثر على صحة الأشخاص خاصة إذا كانت تحوي على سعرات حرارية مرتفعة كون أن الجسم كان فارغا من الطعام لساعات طويلة. ومن الأمور المزعجة أن تمتلئ الموائد بمختلف أصناف الأطعمة والمشروبات التي للأسف تنتهي في حاويات القمامة، وذلك لأن الصائم يقوم بتحضير كميات كبيرة من الأطعمة في فترة شعوره بالجوع والعطش، مما يشعره بأنه بحاجة إلى كمية كبيرة من الطعام والشراب أثناء تناول الفطور.

وبالعودة إلى مقاصد الإسلام، فإن التسوّق بشراهة وشراء الأطعمة غير الضرورية يعد إسرافا وتبذيرا وهو مخالف لتعاليم الدين الحنيف خاصة عند شراء الأطعمة الزائدة عن الحاجة أو شراء المنتج الضروري وبدائله في نفس الوقت. ومن خلال الملاحظات المرصودة سنويا فإن كثيرا من السلع الغذائية تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي بعد عدة أشهر من انتهاء شهر رمضان بسبب انتهاء صلاحيتها وعدم استخدامها. وهنا ينبغي على المستهلك أن يعي بأنه تسبب في إيذاء جيبه عبر إنفاق الأموال على سلع لم يستفد منها، وربما تفاجأ بأنها غير ضرورية لكن اشتراها في فترة كان صائما ورغبته في شراء الأطعمة كانت مرتفعة.

إن من واقع المتابعة المستمرة لبعض السلوكيات غير الحميدة في المجتمع والمنتشرة منذ فترة؛ فإن شراهة الاستهلاك وعدم تحديد احتياجات السلع من كمالياتها هي أحد العوامل الرئيسية في عدم ضبط الاستهلاك لدى كثير من الأشخاص، إضافة إلى انشغال الصائم بتحضير الموائد في شهر رمضان بدلا من التفرّغ للإكثار من الطاعات وتأدية العبادات وتلمّس احتياجات الأشخاص الذي يعانون من صعوبات مادية في توفير موائد الطعام خلال الشهر الفضيل. وفي ظني أن استمرار مثل هذه السلوكيات ينبغي الوقوف عليها بدءًا من الأسرة والمجتمع مرورا بالتعليم المدرسي والجامعي وصولا إلى وجود برامج توعوية مكثّفة لتغيير ثقافة الاستهلاك غير الصحية المنتشرة في المجتمع؛ فمن الجيّد أن يكتسب الشخص ثقافة الاستهلاك الصحيحة من الوالدين وهنا يأتي دور التنشئة الاجتماعية للفرد، وهي أن ينشأ الفرد على ثقافة استهلاكية توازن بين الاستهلاك والقدرة المالية والجسم السليم صحيا. كذلك لابد من الابتعاد عن مظاهر المباهاة والتنافس المجتمعي في إعداد موائد الإفطار؛ ففي بعض المجتمعات يوجد داء يسمى التباهي والتفاخر والتنافس بين الأسر في إعداد الأطباق والتفنن فيها، والتقاط الصور والمقاطع المرئية للأطباق لنشرها في منصات التواصل الاجتماعي. وفي رأيي هذا السلوك مزعج جدا خاصة أن بعض مرتادي هذه المنصات من أصحاب الدخول المنخفضة لا تستطيع أن تعد مثل هذه الأطباق بل تثير في نفوسهم شعور القصور لتحضير مائدة الإفطار، وفي ظل وجود الإعلانات والدعاية التجارية للمواد الاستهلاكية في مختلف منصات التواصل الاجتماعي ودور الفاعلين في انتشارها والترويج عن بعض المطاعم والسلع الاستهلاكية زاد من شراهة التسوق قبل شهر رمضان؛ إلا أن البعد النفسي للصائم أيضا له دور في اتباع ثقافة معينة للاستهلاك وهو «أن إحساس المرء بالجوع خلال الصيام يجعله يُقبل كثيرا على الاستهلاك»، ورغم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والفاعلين فيها على ثقافة الاستهلاك؛ إلا أن الدور الأكبر يقع على عاتق أولياء الأمور في التنشئة الاجتماعية القائمة على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف المتمثلة بعدم الإسراف والتبذير والشراء بقدر الحاجة وتلمّس احتياجات الناس من حوله لتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي ولترسيخ قيم المجتمع الأصيلة.

من الجيد أن تتبنى الجهات ذات العلاقة تعزيز البرامج التوعوية والإرشادية لغرس ثقافة الاستهلاك التي توازن بين دخل الفرد واحتياجاته الأساسية، مع دراسة الأبعاد النفسية والصحية والاقتصادية المعززة لثقافة الاستهلاك التي يجب على الفرد اتباعها خاصة قبل دخول شهر رمضان المبارك والمناسبات الأخرى مثل الأعياد التي ترتفع فيها شراهة التسوّق دون الالتفات للنتائج المترتبة على ذلك.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي