تسطيح التفاعل.. أزمة سوء فهم وغياب وعي

16 يناير 2023
16 يناير 2023

تتميّز وسائل التواصل الاجتماعي أنها لحظية التفاعل، وتساعد متابعيها ومرتاديها على سهولة البحث عن المعلومة، بالإضافة إلى قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على توفير مساحة من التفاعل اللحظي مع ما ينشر أو يتداول فيها، إلا أن في كثير من الأحيان تكون النقاشات سطحية مع بعض الموضوعات والقضايا ولا تستند إلى معلومات حقيقية وواقعية، أو تستند إلى دراسات وبحوث علمية مما تساعد على تداول أخبار غير دقيقة تسهم في إصدار الشائعات، وتضليل الرأي العام حول بعض الوقائع والأحداث، خاصة وأن شبكات التواصل الاجتماعي تستقطب مختلف الفئات العمرية بالمجتمع، وتتفاوت في درجة إدراكها ووعيها عند التفاعل مع ما يطرح في هذه الشبكات، لذلك أصبح صناعة الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي بين مطرقة إباحة العقول وسندان تضليل الخبر؛ لما توفّره هذه الشبكات من مساحات تطرح عبرها نقاشات وأطروحات غالبا ما تكون سطحية وغير مستندة على أسس صناعة الخبر وتفنيده؛ فساعدت تلك المساحات على ظهور آرائهم ومنطلقاتهم، إلا أن فئة النخبة فرضوا آراءهم على توجهات الآخرين بقصد أو بغير قصد عبر الاستفادة من العلوم التي يمتلكونها للتأثير على مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي.

إن المتتبع لبعض الموضوعات المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكيفية مناقشتها وتفنيد محتواها يتيقّن يوما بعد يوم أن هناك تسطيحا في التفاعل، وأن الأمر تعدى مرحلة سوء الفهم، وأن مرتادي هذه الوسائل يعانون من أزمة قيم أخلاقية، وغياب وعي تمثّلت في المساس بالشخوص والتشكيك في نواياهم ونزاهتهم، وإقصاء آرائهم ومجابهتها، بالإضافة إلى تقزيم جهودهم التي بلا شك أسهمت في النهوض بالمجتمع العُماني وأفراده، إذ إنه من المستغرب أن متابعي تلك الوسائل خاصة المتخصصين منهم في بعض العلوم يواجهون صعوبة بالغة في طرح آرائهم، وتوضيح منطلقاتهم، وتمرير رسائلهم المفيدة للجمهور؛ بسبب حجم التفاعل السلبي المبني على آراء سطحية بعيدة كل البعد عن الحقائق والاستدلالات المنطقية والدقيقة، فتشكّل الرأي العام يتطلب وجود إحصاءات دقيقة تظهر نسبة العُمانيين المتابعين لمختلف وسائل الإعلام العُمانية، ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وجود دراسات وبحوث علمية تستكشف الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي، وتضع المقترحات والحلول للتعامل مع توجهاته ومساراته المختلفة؛ إذ لوحظ أن هناك أطروحات كثيرة ونقاشات متعددة رصدت في وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية ظهرت فيها حالة من غياب الوعي وضعف التحليل النقدي، إضافة إلى استمرار المساس بالشخوص، ومحاولة النيل من إنجازاتهم وهممهم العالية؛ الأمر الذي يثير الدهشة تكرار مثل هذه الحالات في كثير من الأحيان مما يرفع العديد من الأسئلة حول مسبباتها ودوافعها خاصة وأن المجتمع العُماني يتميّز بالأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحميدة التي أصبحت في خطر في ظل استمرار الوضع كما هو عليه، مما يشير إلى أن المشكلة ربما ترتبط في الأساس بوجود أزمة في المفاهيم والمصطلحات وغياب الإدراك السليم والوعي، ولن نستطيع التصدي لها إلا إذا تكاتفت جميع مؤسسات المجتمع المدني بما فيها المساجد ووسائل الإعلام وكافة الفاعلين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين باتوا مؤثرين على نطاق واسع عطفا على ما يملكونه من متابعة كبيرة ونسب مشاهدة عالية، بالإضافة إلى ضرورة تصحيح بعض الممارسات في المجتمع الناتجة عن سلوكيات غير صحية تكوّنت عن معتقدات خاطئة.

فالتأثيرات المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي على وعي مرتاديها ومتابعيها أدت في كثير من الأحيان إلى تغيير سلوكياتهم وممارساتهم إضافة إلى معتقداتهم تجاه بعض المواقف والأحداث في المجتمع؛ إذ ينبغي إعلاء صوت المفكرين والمثقفين والمتخصصين في مختلف العلوم؛ لتشجيعهم على المشاركة بآرائهم ووجهات نظرهم حول بعض الموضوعات التي تأخذ في طرحها وتفنيدها أبعادا مختلفة، وربما تزيد من حجم الهوة الحاصلة في وسائل التواصل الاجتماعي بين الآراء المتباينة حول موضوع مستجد، ولذلك ينبغي على من يخوض في نقاش أو جدال ما أن يكون ملما بكافة تفاصيله؛ فما ينبغي إدراكه ووعيه بأن شبكات التواصل الاجتماعي وتنامي مخاطرها على فئتي النشء والشباب أضحت ظاهرة وواقعا وإنهاكها للأسرة والمجتمع في تصحيح مسار التربية الصالحة؛ إذ يتطلب وجود دراسات علمية ومعمّقة مدعومة بمؤشرات وإحصائيات دقيقة، إضافة إلى وضع مقترحات وحلول لمخاطر شبكات التواصل الاجتماعي على المجتمع وأفراده، فهناك من يخطئ في تصرفاته وسلوكياته نتيجة عدم وعيه أو محدودية قدراته العقلية، وعدم قدرته على تشخيص الحالة بشكل صحيح أو نتيجة قلق نفسي ليوجد تأزما لصحته وواقعه الحياتي، فمرحلة الشباب تتطلب تعاملا حذرا خاصة عندما يتعلق الأمر بالنصح والإرشاد؛ فمثلا علماء النفس يرون في مرحلة الشباب أزمة نفسية طويلة وصراعا نفسيا محتدما بين المؤثرات والاستجابات، ويتعاملون مع الشباب من منطلق المراهقة المغلفة بالقلق والحيرة والاكتئاب والانفعالات وما إلى ذلك مما في القاموس النفسي من مفردات التعقيد، فيما علماء التربية يعتقدون أن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات التربوية بالدرجة الأساس؛ لرفع قواعد البناء وتطوير أسس وأساليب التنمية، أما علماء الاجتماع ينظرون إلى الشباب من زاوية أنهم أزمة في التوافق والتغيير والسلوك، ولذلك من المهم والضروري الانتباه لسلوكيات الشباب، ومرتادي وسائل التواصل الاجتماعي عموما، وحمايتهم من الانجراف خلف الأهواء والآراء غير الصحيحة؛ لتفادي بناء جيل غير واع بما يدور حوله من متغيرات، ولترسيخ مبادئ حسن الحوار مع الآخرين.