تربيتة على كتف سخيّة.. «شكرًا للطواقم الطبيّة»

20 يونيو 2021
20 يونيو 2021

حصة البادية -

لا يمكن إنكار ثقل هذه المرحلة المُعاشة بما حمله وباء كورونا على العالم أفرادا وجماعات، أنظمة و حكومات، مرضى، ووفيات. كل ذلك ترك أثره علينا جميعا ونحن في خضم هذا المعترك الصعب يقينًا، فكيف بمن خاض غمار هذا المعترك، بل كان أول من تصادم معه، وما زال يخوض أقسى معاركه وقلبه معلّق بين خيطين من ألم وأمل، إعياء ودعاء؟!

ذلك هو ملاكنا الأبيض رجلا كان أو امرأة، حاملا مسؤولية الأخذ بأيدينا إذ لا نملك من أمرنا شيئا حين تعبث بنا أمواج عاتية من معلومات وتحذيرات، نفي وإثباتات، تغيّر وتبّدلٍ وتحوّرات.

لقاحات تتوالى ضد مرض لا يعترف بالهزيمة، وفريق من الملائكة لا يعرف اليأس رغم كل مواسم النصب والإعياء، وما زالوا يحملون في أعماقهم قلقا لا يهدأ، وأملا لا ينفد.

وما زالوا يرقبون معاركنا مع وباء طال أمده، لا مراقبة الواقف العاجز، بل مراقبة المحب الحاني.

فهل فكرنا ونحن نعدُّ خسائرنا عن فوزنا بهم؟ وهل تأملنا ونحن نشكو قلقا أو مرضا أو حزنا عن ألوان القلق لديهم؟ أو أصناف التعب على كواهلهم، أو تلوّن الحزن في أعماقهم؟

نشكو من كمامة قد نضيق بها إن رافقتنا لما يزيد على ساعة، وننسى ما يواجهون من إجراءات احترازية يتخذونها حفاظا علينا «مرضى» وعلى أحبتهم «قربى» وتكلفهم عناء تحملها وما تحمل من ثقل لساعات طويلة، لن يكون تعبها الجسدي أصعبها، بل ما تخلّف في أنفسهم من قلق وحزن واكتئاب، وما قد يصيب أرواحهم من ضعف وألم واغتراب.

نشكو من حزن لحظة ألم جرّاء إصابتنا، أو مرض عزيز لدينا، أو حبيب فقدنا، وننسى مسلسل أحزانهم وهم يعايشون ذلك يوميا حالة تلو أخرى، ومشهدا عقب آخر!

ترهقنا لحظة المرض أو العجز إزاء معاناة عزيز، أو وفاة قريب فنفرغ ما تضج به صدورنا في وجوههم. لحظة انفعال يمرون هم بها سخاء ومحبة إذ يلتمسون العذر لقسوة حزننا، ونفاد صبرنا، ولا نقف عندها إلا قليلا إذ نقسو فننسى وقفتهم الطويلة ليلا لا يعرف صبحا، ولا نفكر بما يتهشم في دواخلهم مع كل وداع لمريض أخلصوا في صحبته وألحوا في احتوائه، لكن قضاء سبقنا وسبقهم إليه حيث لا راد لقضاء ولا مؤخر لقدر، وحده من نجا من معركة كورونا يعرف صلابتهم إذ كانوا الأقرب له، بلسم يد حانية حين منعت عنه أكف العالمين، وبرعم صوت هادئ حين ضجّ بداخله الألم، وكم من ناجٍ عاد إليهم ممتنا شاكرا ما لمس من سخاء أرواحهم ودفق محبتهم.

لا نفكر فيما يحملون إلينا وإلى مرضانا من حنان ورعاية وابتسام، وهم من ضنوا بحنانهم على أقرب الأحبة لديهم حين ناداهم واجبٌ لم يملكوا معه إلا تلبية وإخلاصا، أولئك الذين يحاولون جاهدين منح الطمأنينة وهم ينضحون قلقا علينا وعلى أنفسهم و أحبتهم.

فكم بينهم من أم غادرت أطفالها «قطع قلبها» لترتق حاجة وطن همس لها: هذا موعدنا أيتها المتفانية!

وكم من أب ترك مسؤوليات عائلته وقلقه عليهم ليحمل على كتفيه مسؤوليات قسَمٍ هو محرك طاقاته في ميدان يعرف فرسانه ويراهن على إخلاصهم حين صاح به: هذا أوان النزال يا صادق الوعد!

وكم من ابن أو ابنة لبسا بياض محبتهم متجاوزيْن كل ما قد يعبر في مخيلة أحدهما من صور لدعاء والد أو دموع والدة، لذكريات أخ أو مشاكسة أخت، وعبرا بإخلاصيهما إلى ما حُمِلّاه معا من ابتسامٍ رغم التعب، وسلامٍ رغم الضجيج.

كان فوزهما الأعظم ما قد يصلا إليه من أمل في نفس هذا، أو طمأنينة في عيني تلك، يعدان ذلك جبهة أخرى من جبهات مجابهة كورونا بتعزيز المناعة النفسية لدى مرضاهم.

أنهكنا ما لم نعتد عليه من حجر وعزل وقفازات وكمامات، ولم يتعب الأبطالُ البيضُ منها روتينا يوميا تحمّلوه لننجو، وتجاوزوه لنشفى، وضاعفوا طاقاتهم الخلّاقة موزعين أرواحهم بيننا رعاية وعناية ومحبة ودعاء.

أفلا يستحق هذا الجيش من الملائكة البيض- إن أنصفناهم- تربيتةً على كتفٍ هدّها التَعَب، وهدهدةً على قلبٍ أنهكه الوَجَل؟

مَنْ نَحنُ حينها إن لم نشعر بهم بعد كل أرتال محبتهم وكتائب إخلاصهم؟!