تدحرج نحو مخاطر أوسع للحرب الأوكرانية !!

06 فبراير 2023
06 فبراير 2023

مرت الأيام مثقلة بالقلق والترقب والتوتر على مدى الأشهر الأخيرة، داخل المنطقة وخارجها أيضا، حيث يعاني العالم من أزمات عديدة ومتصاعدة، وتهدد استقرار العديد من دوله وشعوبه بشكل حقيقي وملموس. ومع حلول شهر فبراير الجاري تكمل الحرب الروسية الأوكرانية، أو بمعنى أدق الحرب بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة وحلف الناتو من ناحية ثانية عامها الأول بعد نحو أسبوعين.

وبالرغم من حرص مختلف الأطراف تقريبا أو معظمها على الأقل على عدم التورط المباشر في الحرب، والحفاظ على فاصل رفيع جدا يبرر الزعم بعدم التورط القانوني للولايات المتحدة وأوروبا والناتو فيما يجري، إلا أن التغيرات التي حدثت على مدى أكثر من أحد عشر شهرا حتى الآن قد أضفت على الحرب الأوكرانية بعض سمات الحرب العالمية، برغم كل محاولات الاحتواء والحد من فرص الصدام المباشر بين روسيا والناتو. وفي ظل مجمل الظروف المحيطة بالحرب الأوكرانية واحتمالاتها المفتوحة، والمحملة بمخاطر جمة، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا: إنه في الوقت الذي اختفت فيه أية مؤشرات للتفاوض أو حتى للاتصالات بين موسكو وكييف منذ نحو ثمانية أشهر بما في ذلك الحديث عن جهود وساطة تركية، وذلك لمعارضة واشنطن لمثل هذه المفاوضات ودفع الأوكرانيين نحو الاستمرار في القتال من خلال شحنات المساعدات العسكرية المتتالية، ازدادت حدة القتال واتسعت جبهاته في شرق وجنوب أوكرانيا، وازدادت لغة التصعيد، ليس فقط من جانب أوكرانيا وروسيا، ولكن أيضا من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك زيادة عدد الدول التي تقدم مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا بشكل مباشر وغير مباشر، ليس حبا في أوكرانيا بالتأكيد، ولكن اصطفافا إلى جانب واشنطن ضد موسكو، طمعا في مكافآت واشنطن ومصالحهم معها في الواقع. ومع الوضع في الاعتبار اتساع حجم الدمار الذي تعرضت له أوكرانيا بسبب الهجمات الروسية، فإن اقتراب ذكرى اندلاع الحرب في الرابع والعشرين من فبراير العام الماضي سيشهد على الأرجح ما أطلق عليه هجوم الربيع من جانب القوات الروسية، والذي بدأت مقدماته بالفعل، ومن جانب آخر إعداد أوكرانيا للقيام بشن هجوم مضاد واسع النطاق في شرق البلاد، في الفترة القادمة خاصة بعد وصول كمية مناسبة من الأسلحة الغربية إليها، مع احتمال شن هجمات انتقامية ضد العاصمة الروسية موسكو ذاتها، حسبما صرح بذلك اندريه فيدوروف نائب وزير الخارجية الروسي لمجلة « نيوزويك » الأمريكية مؤخرا. وبينما أشارت المخابرات الأوكرانية إلى أن بوتين سيشن هجوما واسع النطاق قبل مارس القادم، أي قبل وصول الدبابات الألمانية والأمريكية إلى أوكرانيا في أبريل أو مايو القادمين تقريبا، وتحدث الرئيس الأوكراني زيلينسكي عن انتقام روسي من أوكرانيا وأوروبا، على حد زعمه، فإن زيلينسكي كرر دعوته للولايات المتحدة وأوروبا لتقديم السلاح الثقيل وخاصة المدرعات والطائرات وقال إن المهم لبلاده هو « السرعة والحجم الكبير للإمدادات من الدبابات والطائرات ». جدير بالذكر أن الأشهر الأخيرة شهدت ازدياد حدة المواجهات العسكرية بين الجانبين وتكرار التلميحات الروسية بشأن عدم استبعاد استخدام السلاح النووي إذا تعرضت روسيا لتهديد وجودي وهو ما تكرر على لسان أكثر من مسؤول روسي رفيع والتأكيد على أن واشنطن وحلف الناتو يستهدفان إضعاف روسيا وهزيمتها في أوكرانيا إن أمكن، وكان وزير الخارجية الروسية قد أكد أن «الغرب متورط في حرب جيوستراتيجية ضد روسيا وأنه اختار الحرب».

ثانيا: من أبرز التطورات خلال العام الذي مضى أن الحرب التي بدأت كعملية عسكرية خاصة من جانب روسيا، مصحوبة بعدة شروط من أبرزها حياد أوكرانيا ونزع سلاحها ومنع انضمامها للناتو والقضاء على المتطرفين النازيين المعادين لروسيا، تحولت إلى حرب واسعة النطاق لتدمير أوكرانيا واقتطاع أجزاء منها وضمها إلى روسيا من ناحية، وتبلور الاصطفاف الغربي بقيادة واشنطن وتأييد الاتحاد الأوروبي والناتو بالطبع من ناحية ثانية، وبعد أن كانت المساعدات الغربية محدودة لأوكرانيا، تطور الموقف الغربي ليتخذ شكل حرب غير مباشرة ضد روسيا، بما في ذلك فرض عقوبات متعددة عليها وزيادة الإمدادات العسكرية لأوكرانيا كميا ونوعيا مع الزعم أن الغرب يريد فقط دعم أوكرانيا وتمكينها من مواجهة روسيا، أملا في تحرير أوكرانيا. وعندما هاجمت أوكرانيا منطقة روسية بالقرب من الحدود معها قبل عدة أسابيع أكدت واشنطن أنها ليست طرفا في الحرب وأنها لا تشجع أوكرانيا على مهاجمة الأراضي الروسية وأن الدعم العسكري لها هو فقط لاستخدامه للدفاع عن أراضيها ولا يستخدم لمهاجمة الأراضي الروسية. ومع استمرار الحرب وتدمير مناطق واسعة من أوكرانيا من ناحية ومطالبة زيلينسكي بمزيد من السلاح من ناحية ثانية واستنزافا لروسيا من ناحية ثالثة طورت واشنطن وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها مساعداتها العسكرية والمالية والتقنية واللوجستية والمعلوماتية لأوكرانيا عبر تقديم أسلحة أكثر تطورا وأكثر فعالية، بما يعني مزيدا من التدحرج نحو التورط بشكل أكبر في القتال، والاحتماء وراء زعم مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة عدوان روسيا.

وبعد ضغوط متواصلة من الرئيس الأوكراني، ورغبة من واشنطن وألمانيا وبريطانيا في الانتقال إلى درجة أعلى من التورط في الحرب ضد روسيا بشكل أكبر، وافقت واشنطن وبرلين ولندن على ما كانت تعارضه من قبل وهو إمداد أوكرانيا بدبابات ثقيلة من طراز ابرامز ام -1 الأمريكية (31 دبابة) ومن طراز ليوبارد 2 الألمانية ( 14 دبابة ) بالإضافة إلى 14 دبابة بريطانية وهو ما فتح الباب في الأيام الأخيرة أمام تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد 2 الألمانية من جانب دول أخرى بعد موافقة ألمانيا بالفعل على ذلك وإمدادها كذلك بدبابات سوفييتية الصنع من جانب بولندا ودول أخرى، ومن شأن ذلك أن ينتقل بالمواجهة العسكرية إلى مرحلة أكثر حدة وشراسة وخطورة، وهو ما عارضته موسكو بشدة، وتحدث بوتين قبل أيام قليلة بمناسبة ذكرى الانتصار على القوات النازية عن تهديد الدبابات الألمانية للحدود الروسية مرة أخرى بعد 70 عاما من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وتوعد بهزيمتها مجددا، ومن الطبيعي أن تشعر روسيا بالقلق لخطورة سلاح الدبابات في المعارك وللتكلفة العالية التي ستتحملها بالضرورة، غير أنه ستمر فترة من أربعة إلى ستة أشهر حتى تصل تلك الدبابات إلى أوكرانيا وحتى تتمكن طواقم أوكرانية من استخدامها وقد بدأ تدريبها بالفعل في عدد من الدول الأوروبية.

ثالثا: إنه بمجرد أن ضمن زيلينسكي حصوله على المدرعات، طلب إمداده بالطائرات المقاتلة وبصواريخ بعيدة المدى وأكد على أهمية وضرورة ذلك لتحرير أراضيه. وبالفعل تدور مناقشات حول إمكانية إمداده بذلك. وإذا كانت واشنطن وبرلين ولندن قد أعلنت معارضتها لإمداده بمقاتلات، فإن فرنسا تدرس الفكرة وبولندا مستعدة لإمداد أوكرانيا بطائرات اف-16، إذا قرر الناتو ذلك بالإجماع، ونيذرلاندز مستعدة أيضا وتشيكيا يمكنها مدها بطائرات ميج 29، حسبما أعلن، ومع أن الموقف الغربي قابل للتغير طالما سيترتب على ذلك إضرار بروسيا وإضعاف لها، إلا أن ذلك سيستغرق بالضرورة بعض الوقت، والمرجح أن هجوم الربيع الروسي والهجوم الأوكراني المضاد سيحددان آفاق الحرب واتجاهاتها في الأشهر القادمة وهو ما قد تتضح ملامحه على الأرجح مع منتصف العام أو في الصيف القادم. ومن غير المستبعد أن تكون الدبابات وبعدها الطائرات الغربية لأوكرانيا جزءا من خطة غربية لإقناع روسيا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، وتيئيسها من الاستمرار في الحرب والأمل كسبها، بعد أن تصل أوكرانيا في الأشهر القادمة إلى نقطة تحفظ معها ماء الوجه وتمكنها من التفاوض بدون التعرض لهزيمة كاملة، وفي كل الأحوال فإن حرب أوكرانيا مفتوحة على كل الاحتمالات بعد أن اكتسبت بعض سمات الحرب العالمية وهو خطر لا يتحمله العالم خاصة أن روسيا لن تسمح بهزيمتها أو تهديدها وجوديا وستذهب إلى نهاية الشوط لمنع ذلك.