تحديات استراتيجية النمو الصينية الجديدة

14 يناير 2024
14 يناير 2024

ترجمة ـ قاسم مكي

في بداية عام 2024 دشنت 14 مقاطعة ومدينة في الصين سلسلة مشروعات "كبيرة" تشير إلى استراتيجية اقتصادية يقودها الاستثمار. إنها استراتيجية مستمرة لكنها متطورة.

على الرغم من النداءات التي أطلقها اقتصاديون عديدون وأنا منهم بالتحول إلى نموذج للنمو يقوده "الاستهلاك" طوال الأعوام الثلاثة عشر الماضية إلا أن الترويج النشط بواسطة الحكومات المحلية لمثل هذه المشروعات يوحي بأن الصين تستمر في الاعتماد على "الاستثمار" لدعم النمو الاقتصادي.

هذه الاستراتيجية على الرغم من عدم خلوها من العيوب إلا أنها معقولة نوعًا ما في الظروف الحالية. في الداخل، قلَّص انعدامُ الثقة المتفشي وسط المقيمين الصينيين الإنفاقَ الاستهلاكي. إذ يشير مسح أجرته مؤخرا جامعة بكين إلى زيادة متواضعة لا تتعدى 4.11% في معدل ثقة المستهلكين خلال الأشهر الستة الماضية.

وخارجيا، شكلت المنافسة الجيوسياسية والحرب التجارية الصينية الأمريكية والانكماش المحتمل في منطقة اليورو تحدياتٍ لتجارة الصين الخارجية.

بالنسبة للقيادة الصينية يحظى الحفاظ على النمو بأقصى قدر من الأهمية اقتصاديا وسياسيا على السواء. وفي نظر بكين الطريقة الأكثر جدوى للحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي في نطاق يتراوح بين 4% إلى 5% في عام 2024 هي الترويج النشط للاستثمار. لكن برنامج الاستثمار المحلي لهذا العام خلافًا للمبادرات السابقة يظهر تحولا ملحوظا في الأهداف.

أولا، مشروعات عام 2024 لديها نكهة علمية متميزة. فهي تركز على الجيل الجديد لتقنية المعلومات والأدوية الحيوية والذكاء الاصطناعي وموارد الطاقة منخفضة الكربون. هذا يشير إلى طموحٍ لارتقاء سلسلة التوريد وتطوير محركات نمو جديدة.

ثانيا، هنالك تأكيد على الاستثمار في الرفاه العام.

ثالثا، هنالك انخفاض ملحوظ في مشروعات الاستثمار في العقارات.

وأخيرا، هنالك تأكيد أكثر على الاستثمار الخاص.

في مجال الرفاه العام تستهدف الاستثمارات المحلية في المقام الأول الإسكان الميسور والتعليم والمشافي والمشروعات البيئية.

حسب الاقتصادي الصيني يو يونغدينغ لا تزال لدى الصين فجوة ليست هينة في هذه المجالات مقارنة بالبلدان المتقدمة. ومثل هذا الاستثمار سيعزز أيضا الاستهلاك والنمو الاقتصادي للبلاد.

في قطاع الإسكان بلغ إجمالي الوحدات السكنية المشيدة ذروةً لم تشهدها الصين منذ عام 2017. وهذا ما يجعل تقليل المشروعات العقارية مفيدا.

لكن الاستثمار في مشروعات التقنية وزيادة الاستثمار الخاص يشكلان تحديا. نظريا، الاستثمار في مشروعات التقنية الرفيعة لديه تأثير إيجابي فوري على الناتج المحلي الإجمالي. وقد يعزز الإنتاجية الكلية في الأجل الطويل.

ووسط التنافس المتزايد بين القوى العظمى يفيد الصين أيضا تحقيقها الاعتماد على الذات في التقنيات الأساسية.

لكن مشروعات التقنية الرفيعة عموما لها دورات أطول (يستغرق إكمالها وقتا أطول) ومعدلات مدخلات- منتجات أقل وعائدات غير مضمونة. والاستثمار الضخم على مدى فترة زمنية طويلة يوجد أيضا فائض طاقة إنتاجية كبيرة في قطاعات مثل كهرباء الطاقة الشمسية. وهذا ما من شأنه أن يقلل من فعالية التحسينات في الإنتاجية.

التوسع في الاستثمار الخاص يجلب مصاعب كذلك. فمن أين تحصل الشركات الخاصة على الأموال التي تمول بها استثماراتها؟ السيولة مشكلة كبيرة للعديد من مثل هذه الشركات في الصين. والبنوك الصينية تقليديا تتردد في الإقراض للمؤسسات الخاصة.

بل ما هو أسوأ من ذلك أن مشروعات كبرى وعديدة سيتم تمويلها بواسطة السندات التي تصدرها الحكومات المحلية. ومن المتوقع أن تصل قيمة السندات المحلية الخاصة الجديدة لعام 2024 إلى حوالي 4 تريليونات رينمينبي (560 بليون دولار.)

لكن زيادة إصدار السندات الخاصة بواسطة الحكومات المحلية لدعم استثمارات المشروعات الكبرى غير قابلة للاستدامة في سياق انخفاض الإيرادات الضريبية وتراجع رسوم امتيازات استغلال الأراضي (الامتيازات العقارية) والمستويات المرتفعة للدين المحلي.

بكين في منعطف حرج. ففي سعيها لتوجيه مسار اقتصاد البلاد على الحكومة المركزية أن تضبط بصرامة الزيادة في إصدار سندات الحكومات المحلية. ويجب أن تقدم مقادير كبيرة من الأموال مثلا في شكل دين وطني خاص لدعم استثمارات عريضة القاعدة في البنية الأساسية وأيضا الاستثمارات في التقنية الرفيعة.

المسألة لا تتعلق فقط بإنفاق المزيد من الأموال ولكن بالإنفاق الأكثر ذكاء. فإذا لم يكن من الممكن اتاحة نظام يضمن الاستثمار الفعال والعالي الكفاءة في البنية الأساسية ستستمر الاستثمارات غير المنتجة في الصين.

في الأجل الطويل ستستلزم الاستراتيجية الأمثل إجراء إصلاحات هيكلية تهدف إلى القضاء على الحمائية المحلية، وتعزيز سوق أكثر انصافًا وضمان السكن الميسور. السوق الأكثر عدالة تعني ايجاد بيئة تتوافر فيها للشركات المتوسطة والصغيرة الحجم فرص تأمين التمويل المصرفي بالطريقة نفسها التي يتوافر فيها للشركات المملوكة للدولة إلى جانب المشاركة في عمليات التقديم للعطاءات التنافسية.

هذا يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية لا تستهدف فقط نموا اقتصاديا فوريا ولكن أيضا تنمية مستدامة لا تستثني أحدا. لكن حتى الآن لا تبدو التحولات النوعية وشيكة بالنسبة للصين في هذا العام.

• يوهان جانج أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة كاليفورنيا بيركلي.

• ترجمة لـ(عمان) عن "الفاينانشال تايمز"