بناء نادٍ فَعّال للمقترضين السياديين

28 ديسمبر 2025
28 ديسمبر 2025

هومي خاراس 

واحدة من أكثر الأفكار تبشيرا في «التزام إشبيلية» الذي تبناه رؤساء الدول والحكومات في يوليو، كانت إنشاء منصة للبلدان المقترضة بدعم من المؤسسات القائمة وبتيسير من أمانة الأمم المتحدة. 

هذا المفهوم القادر على إحداث تحول كبير على الرغم من بساطته، قد يغير ميزان المعلومات والنفوذ، الذي طالما كان في صالح الدائنين. فمن خلال السماح للبلدان المقترضة بمناقشة القضايا الفنية وتحديات الديون، وتمكينها من الحصول على المساعدة في بناء القدرات، وتنسيق إجراءاتها، ستعمل هذه المنصة على تضخيم صوتها في النظام المالي العالمي. 

على الرغم من إضفاء الطابع المؤسسي على التنسيق بين الدائنين منذ فترة طويلة -من خلال نادي باريس، ونادي لندن، والجهود التي تقودها هذه الصناعة مثل معهد التمويل الدولي- فإن البلدان المقترضة لم تكن تشجع غالبا على مشاركة المعلومات، الأمر الذي أدى إلى تبادل المعلومات على نحو ظرفي مرتجل. 

وعلى هذا فإن إنشاء ناد للمقترضين يُعَد إشارة سياسية: فهو يعترف بأن تمكين الجنوب العالمي من التحدث بصوت واحد من الممكن أن يعود بالفائدة على الاستقرار المالي. ويتوقف تحول مثل هذا المنبر إلى مؤسسة دائمة على قدرة أعضائه على ترجمة الكلام الفصيح إلى تعاون عملي. 

هذه ليست المحاولة الأولى للتنسيق بين المقترضين، وينبغي لنا أن نستخلص الدروس من الجهود السابقة التي بدأت أثناء أزمة ديون أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين. 

فقد استكشفت الأرجنتين، والبرازيل، والمكسيك، وبلدان أخرى في المنطقة تشكيل «نادي المدينين»، والذي دعمته في ذلك الوقت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. وكانت النتيجة مجموعة كارتاخينا التي تشكلت في يونيو 1984 من 11 بلدا من أمريكا اللاتينية تمثل 75% من الديون الإقليمية. 

وقد سلطت المجموعة الضوء على الأصول الخارجية التي ساهمت في إحداث الأزمة -بما في ذلك رفع أسعار الفائدة بقرار من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك بول فولكر- ودعت إلى المسؤولية المشتركة بين الدائنين والمدينين وإلى وضع حلول للديون تركز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية أكثر من تركيزها على التقشف. وقد أُرسلت مقترحات المجموعة إلى قمة قادة مجموعة الدول السبع في لندن عام 1984، إلا أنها رُفضت لصالح نهج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي القائم على البرمجة المالية لكل حالة على حدة. 

كما واجهت محاولات لاحقة عوائق مماثلة: فقد أثرت لجنة العشرة الإفريقية في البداية على نهج المؤسسات الدولية بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ولكن منذ ذلك الحين تلاشت أهميتها. 

كما ربطت مبادرات أحدث، مثل تحالف الديون المستدامة، الذي تأسس في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في مِصر عام 2022، ومقترحات مجموعة V20 (التي تمثل أكثر دول العالم عُرضة لمخاطر تغير المناخ)، بين الديون وانهيار العمل المناخي، لكنها تظل مجزأة. في الوقت ذاته، أصبحت أعباء الديون التي تثقل كاهل عدد كبير من البلدان النامية أكثر إرهاقا. 

وتسبب تكاثر المقرضين في زيادة صعوبة التنسيق بين الدائنين، وأدت الصدمات الخارجية المتزامنة - بما في ذلك هروب رؤوس الأموال، وتباطؤ النمو العالمي، والارتباكات التجارية - إلى زيادة تآكل الحيز المالي المتاح للمقترضين. 

أثناء أزمة الديون السيادية في أوروبا بعد عام 2008، أدى نقص الأدوات القائمة إلى إنشاء مؤسسات جديدة مثل آلية الاستقرار الأوروبية. ولكن لن نجد ابتكارات من هذا القبيل تعمل لصالح البلدان النامية. 

لا شك أن مبادرة تعليق خدمة الديون (DSSI) قدمت إغاثة مؤقتة للبلدان المنخفضة الدخل أثناء الجائحة، لكن الدائنين من القطاع الخاص والمؤسسات المتعددة الأطراف لم يشاركوا إلى حد كبير، الأمر الذي أدى إلى الحد من تأثير المبادرة. 

وفي حين كان إطار مجموعة العشرين المشترك لمعاملات الديون مُصَمَّما لتخفيف أعباء الديون عن البلدان التي تعاني من ضائقة ديون، فلم تستخدم هذه الآلية لإعادة هيكلة ديونها سوى زامبيا، وتشاد، وغانا، وإثيوبيا، في حين أشارت بلدان أخرى إلى مخاوف مرتبطة بالتوقيت والنتائج. 

حددت المائدة المستديرة للديون السيادية العالمية المشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي استراتيجيات واعدة لمعالجة تحديات السيولة - بما في ذلك «نهج ثلاثي الركائز» أكثر مرونة يجمع بين الإصلاح والتمويل وإعادة الهيكلة - لكن التنفيذ لا يزال بطيئا. ينبغي لهذه المبادرات المجزأة، التي جاءت مخيبة للآمال إلى حد كبير، أن تكون مفيدة في تصميم نادي المقترضين بموجب التزام إشبيلية. 

ويجب أن يستوعب هيكل الحوكمة ملفات ديون متنوعة ووقائع سياسية معقدة، كما يجب أن يضمن نموذج التمويل الاستقلال المؤسسي وأن يحمي عملية صنع القرار من نفوذ الدائنين. 

يجب أن تكون الأمانة قادرة على توليد بيانات جديرة بالثقة والتصدي للتصورات الخاطئة التي تتسبب في تضخيم تكاليف الاقتراض التي تتحملها البلدان النامية. 

يجب أن تتوفر أيضا آليات تنسيق لضمان المواءمة الفعالة مع منتدى إشبيلية المعني بالديون الـمُنشأ حديثا. لا ينبغي لمثل هذا النادي أن يكون تكتلا صِداميا، بل آلية لبناء القدرات تبادليا في أربعة مجالات رئيسية. 

أولا، يجب أن تركز إعادة هيكلة الديون على الحفاظ على القدرة على الوصول إلى الأسواق؛ ذلك أن كثيرا من البلدان تتجنب الإطار المشترك (مثل مبادرة تعليق خدمة الديون من قَبلِه) وحتى برامج صندوق النقد الدولي الاحترازية؛ لأنها تخشى تخفيض التصنيف وردود الفعل السلبية في السوق. يحتاج المقترضون إلى استراتيجيات اتصال أكثر قوة لتقديم برامج اقتصاد كلي يمكن التعويل عليها وإرسال إشارات متسقة وقائمة على الأدلة لوكالات التصنيف والدائنين من القطاع الخاص. 

ثانيا، يجب إدماج النمو المستدام الطويل الأمد في البرامج المالية، كما هو مطلوب بموجب نهج المائدة المستديرة للديون السيادية العالمية الثلاثي الركائز. ولأن النماذج الحالية لا تعبر عن المخاطر أو الفرص المرتبطة بالتحول المناخي، يحتاج المقترضون إلى أدوات تحليلية مشتركة تسمح لهم بصياغة استراتيجيات نمو جديرة بالثقة، وقابلة للمقارنة، ومتوافقة مع المناخ. 

ثالثا، يجب أن يدعم رأس المال المخصص لإعادة الهيكلة برامج استثمارية عالية الجودة، ومصادق عليها خارجيا، على أن تقترن بآليات تضمن صرف الأموال في الوقت المناسب وبشكل يمكن التنبؤ به - وهي نقاط ضعف طويلة قائمة منذ أمد بعيد في عدد كبير من البلدان النامية. 

أخيرا، لابد من تحسين شفافية الديون. يدعو البنك الدولي إلى «الشفافية الجذرية»، لكن دولا عديدة تناضل من أجل تفعيل هذا في ممارسات إدارة الديون. ومن الممكن أن يساعد نادي المقترضين في توحيد النماذج، وبروتوكولات الإفصاح، وعمليات مراجعة الأقران المصممة خصيصا لسياقات البلدان النامية. 

لقد أُحرِز بعض التقدم نحو التخفيف من أزمة ديون العالم النامي: فالآن، أصبحت العدوى المالية أقل شيوعا في هذه البلدان؛ وتوفر شروط الإيقاف المؤقت السيولة بعد الصدمات؛ وكان المقرضون الرسميون يمددون آجال الاستحقاق ويخفضون الرسوم الإضافية، خاصة بالنسبة للاستثمارات المرتبطة بالمناخ. 

ولكن لاكتساب القدرة على تحمل الديون، تحتاج البلدان المقترضة إلى رأي أكبر في تشكيل هذه الأدوات، وتعزيز تقاسم المخاطر بشكل أكثر إنصافا، وضمان دعم ابتكارات التمويل السيادي للأهداف التنموية والمناخية. 

لاغتنام هذه الفرصة، يتعين على بلدان الجنوب العالمي والمؤسسات المالية الدولية أن تبني على زخم التزام إشبيلية، وتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن الديون الصادر في يونيو، والإشارة الأخيرة إلى تعزيز صوت البلدان المقترضة في قمة قادة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا. 

إن إضفاء الطابع المؤسسي على تمثيل المقترضين يشكل خطوة ضرورية نحو إعادة التوازن إلى البنية المالية العالمية وتحسين جهود تسوية الديون السيادية. 

 هومي خاراس زميل بارز في مركز التنمية المستدامة التابع لمؤسسة بروكينغز. 

 محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل التنمية المستدامة والرئيس المشارك لفريق الخبراء المعني بالديون. 

 خدمة بروجيكت سنديكيت