أزمة اللاجئين بين المعاناة والحلول

28 ديسمبر 2025
28 ديسمبر 2025

فيليبوغراندي 

ترجمة: بدر ن خميس الظفري 

تولّيتُ منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يناير 2016 في وقت كانت فيه أعمال العنف في سوريا على أشدّها. 

ذلك النزاع الذي اندلع عام 2011 واستمر حتى الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل عام واحد أودى بحياة مئات الآلاف، ودفع ملايين الناس إلى الفرار؛ حفاظاً على أرواحهم. 

هذا الصيف وقفتُ على الحدود بين لبنان وسوريا، وسمعتُ أبواق الشاحنات والحافلات تُطلق احتفالاً وهي تُقلّ الناس عائدين إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم. 

ومنذ ديسمبر الماضي عاد أكثر من مليون سوري من الخارج. وإذا صمد السلام الهش فسيعود المزيد. 

والدرس ينبغي أن يكون واضحاً هو أن أعداد اللاجئين السوريين تراجعت؛ لأن القتال توقّف أخيراً، لا بسبب سياسات حدودية قاسية، ولا الدوريات البرية أو البحرية، ولا الخطاب المعادي للأجانب. 

ومع ذلك، ومن خلال ردود الفعل المتصاعدة في عدد من الدول تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين ـ وأحياناً تجاه الأجانب لمجرد كونهم أجانب ـ؛ يبدو أن هذا الدرس لا يُستوعَب. بدلاً من ذلك تختار حكومات كثيرة تشديد الحدود، ورفع الأسوار، وتعزيز أدوات الردع، وتقليص المساعدات الخارجية. 

وأنا أستعد لمغادرة منصبي بعد عقدٍ من الزمن كمفوض سامٍ لشؤون اللاجئين لا أرى فقط نزاعاتٍ وطوارئ تطال كل أقاليم العالم، بل أرى أيضاً أزمة قيادة عالمية، وإخفاقاً في الخيال والطموح، وتفشّيًا لخطاب شعبوي يُخدِّر إحساسنا بمعاناة الآخرين. 

لدى الناس العاديين مخاوف حقيقية تتعلق بإساءة استخدام أنظمة اللجوء، وأمن الحدود، وقدرة الخدمات العامة على الاستيعاب، ولا يجوز تجاهل هذه الهواجس أو التقليل من شأنها. 

كما أن الإرهاق من التعاطف أمر مفهوم؛ فمن الصعب متابعة كل أزمات العالم حين تبقى كثير منها بلا حل بينما تنفجر أزمات جديدة، غير أننا نبدو وكأننا نخوض سباقاً نحو القاع؛ حيث يتنافس حتى السياسيون المعتدلون على إعلان سياسات أشد قسوة ـ وغالباً غير فعّالة ـ بدلاً من محاولة معالجة جذور المشكلات؛ فالبساطة القاسية أسهل تسويقاً من الانخراط المعقّد طويل الأمد ومتعدد الأطراف، غير أن هذا الأخير وحده يُنتج نتائج أفضل. 

ينبغي للمجتمع الدولي الاستثمار في أنظمة اللجوء؛ لجعلها أسرع وأكثر كفاءة، وأقدر على إعادة من لا يحتاجون إلى الحماية. 

للحكومات واجب ضبط حدودها، كما أن عليها مسؤولية مشتركة لحماية من يفرّون بأرواحهم. وهي مسؤولية وافقت عليها دول كثيرة طوعاً بعد سنوات قليلة من الحرب العالمية الثانية؛ مسؤولية لا تنتقص من السيادة، بل تعبّر عنها. 

وهناك ما يتجاوز التركيز على الحدود وحده؛ فأكثر من 70 في المائة من اللاجئين يعيشون في دول متوسطة ومنخفضة الدخل تشمل بعض أفقر بلدان العالم. وقلةٌ نسبية فقط تتجه نحو الدول الأكثر ثراءً، وذلك عندما تنعدم البدائل حيث يقيمون، فلا عمل، ولا تعليم، ولا أمل. 

الناس لا يرغبون في المخاطرة بحياتهم على متن قوارب مكتظة ومتهالكة، أو عبر طرق صحراوية ومسارات غابات تعجّ بالمهربين والجماعات المسلحة وسائر الأخطار. 

نحن بحاجة إلى دعمٍ أكبر بكثير للدول المضيفة للاجئين، ولا سيما تلك ذات الموارد المحدودة مثل تشاد وأوغندا ولبنان وبنغلادش وغيرها. 

إن تمكين هذه البلدان من توفير العمل والتعليم والسكن وسائر الحقوق للاجئين ليس بلا كلفة، لكنه استثمار جيّد؛ فهو يمنح اللاجئين أملاً وقدراً من الاستقرار، ويُمكّنهم من الإسهام اجتماعياً واقتصادياً، ويزوّدهم بالوسائل للمساعدة في إعادة بناء أوطانهم عند عودتهم. 

هذا النهج ـ حيث يلتقي العمل الإنساني بالتنمية بصناعة السلام ـ يقوم على مصلحة ذاتية عملية بقدر ما يقوم على مبدأ أخلاقي. فالحركة غير المنظّمة لملايين اليائسين يمكن النظر إليها بوصفها قضية أمنية؛ لما تفرضه من ضغوط على الحدود. وبصراحة يمكن معالجتها بكلفة زهيدة مقارنةً بالمبالغ الهائلة التي تُنفق على الدفاع. 

بدأتُ مسيرتي الإنسانية قبل أكثر من أربعين عاماً في مخيمات اللاجئين على الحدود التايلاندية ـ الكمبودية. ومنذ ذلك الحين عملتُ في أزمات لجوء في أفغانستان والعراق ومنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، ومع اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها كثير. 

شهدتُ معاناة فادحة، غير أنّ هناك على الدوام سداً منيعاً في وجه عدم الإنسانية. إنهم عمّال الإغاثة في الخطوط الأمامية، والتوافق الدولي على دعم المحتاجين وحمايتهم. 

تنتهي خدمتي في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مع بلوغ الوكالة عامها الخامس والسبعين، وفي يوليو المقبل ستُكمل اتفاقية اللاجئين نفسها خمسةً وسبعين عاماً. ويقول منتقدوها: إن هذا الركن من أركان القانون الدولي لم يعد مناسباً لعالم كثيف السفر ومتعدد النزاعات. هذا غير صحيح؛ فالوثيقة مرِنة وعملية وقابلة للتطبيق على نطاق واسع، وهي ملائمة تماماً لهذا العالم؛ إنها الترجمة القانونية لواجب إنساني راسخ عبر القرون في مختلف التقاليد الثقافية، وهو حماية الناس الفارين من الاضطهاد والعنف والحرب. 

اليوم أُجبر نحو 117 مليون شخص على مغادرة منازلهم إلى مناطق أكثر أماناً داخل بلدانهم، أو عبر حدود دولية. الأدوات اللازمة لمساعدتهم على البقاء، وإعادة البناء، والعودة إلى أوطانهم متوافرة بالفعل، لكنها تتطلب وقتاً وتعاوناً وثقةً ورغبةً في الاستثمار في السلام بدلاً من الحرب. 

 فيليبو غراندي هو المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

 الترجمة عن نيويورك تايمز.