بريكس توسع فرص التأثير في الحوكمة العالمية

01 يونيو 2023
ترجمة: أحمد شافعي
01 يونيو 2023

يلتقي هذا الأسبوع وزراء خارجية دول بريكس الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في كيبتاون. وينضم إليهم في اليوم التالي لاجتماعهم خمسة عشر وزير خارجية ممثلين لبلاد في إفريقيا والجنوب العالمي و(أصدقاء بريكس). وسوف تسعى هذه المداولات ـ ضمن ما ستسعى إليه من أمور ـ إلى تثبيت جدول أعمال قمة بريكس التي ستعقد خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس من هذا العام.

فما الموضوعات الأساسية التي يتوقع أن تشهدها تفاعلاتهم؟ وما الذي يجعل البريكس بشكل متزايد منتدى حاسما للحوكمة العالمية؟

بريكس 2

في عقدها الثاني، ظهرت بريكس بوصفها أقوى تجمع في العالم، مع توسع الاعتراف بها قاطرةً للنمو العالمي. لكن صعود بريكس الاقتصادي يمثل أيضا انحرافا جيوسياسيا مهما، إذ بات هذا التجمع يعد بمثابة بديل لـ«النظام العالمي الليبرالي» الذي تقوده الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لبلاد بريكس مجتمعة مثيله في بلاد مجموعة السبع الصناعية المتقدمة التي تقودها الولايات المتحدة. أما بحسب مقياس تعادل القوة الشرائية، ففي حين انكمش الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى من 50.42٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1982 إلى 30.39٪ في عام 2022، فقد عزز الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس في الفترة حصته نفسها من 10.66٪ إلى 31.59٪.

وكذلك، في حين أن وباء كوفيد 19 بدأ في إبطاء اقتصادات مجموعة السبع، فقد استمرت اقتصادات البريكس - خاصة اقتصادات الصين والهند - في إظهار إمكانات قوية.

كما أن حرب أوكرانيا قد هيأت الظروف لأن تزداد بريكس ظهورا، إذ بات التجمع يعد بمثابة الشريك الذي تستند إليه روسيا أكثر مما عداه. فعلاوة على روسيا نفسها، لم تدعم أي من دول البريكس الأربع الأخرى أيا من القرارات الغربية بإدانة عمليات موسكو العسكرية. كما أنها لم تتعاون مع العقوبات الاقتصادية الغربية الرامية إلى فرض التزامات على بلاد أخرى.

والحق أن بريكس برزت بوصفها قاعدة الدعم الوحيدة التي تحافظ على بقاء الاقتصاد الروسي واقفا على قدميه. كما أنه في الوقت الذي انشغلت فيه الولايات المتحدة بتكوين تحالف من خمسين بلدا أو نحو ذلك لإمداد أوكرانيا باحتياجات جهودها الحربية، جعلت جنوب إفريقيا، رئيس بريكس الحالي، من القيام بدور أكبر لإنهاء الصراع بين أوكرانيا وروسيا أولوية للتجمع.

وعلى المستوى الفردي أيضا، لم تزل الصين والهند تعملان على استكشاف طرق لتيسير إنهاء مبكر لحرب أوكرانيا.

يعكس هذا بوضوح بريكس الجديدة الجريئة. ففي مواجهة إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق الرئيس فلاديمير بوتين بسبب جرائم الحرب المزعومة في أوكرانيا، أعلنت جنوب إفريقيا الحصانة الدبلوماسية لجميع المسؤولين الروس. وهذه الثقة والحماس داخل بريكس وحولها يجعلان من اجتماعها حدثا مثيرا للاهتمام ومثيرا للفضول معا، ويجعل له تداعيات متوقعة تتجاوز البلاد الخمس.

توسع بريكس

على سبيل المثال، أعربت قرابة عشرين دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى تجمع بريكس. وتقدم قرابة 20 بطلبات رسمية للعضوية ظلت مجمدة منذ انضمام جنوب إفريقيا إلى المجموعة الأصلية في عام 2011.

يشمل المتقدمون بلادا من جميع أنحاء العالم: الجزائر والأرجنتين والبحرين وبنجلاديش وبيلاروسيا ومصر وإندونيسيا وإيران ونيجيريا والمملكة العربية السعودية والسنغال والسودان وتايلاند وتونس وأوروجواي وفنزويلا وزيمبابوي وغيرها.

وداخل بريكس أيضا، طرأ تغير على إحجام الدول الأعضاء عن الانفتاح. فقد كانت الصين عادة هي الأجهر صوتا بين مؤيدي التوسع، بينما كانت الهند تعد الأكثر عزوفا عن ذلك. وعلى مر السنين، أظهرت روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا - بهذا الترتيب - ميلا أكبر لإضافة أعضاء جدد، وإن يكن لكل منها تفضيلاته.

وقد شهدت حرب أوكرانيا زيادة دعم روسيا لتوسع بريكس. والدافع إلى هذا يتمثل في حاجتها إلى توسيع قاعدة دعمها في مواجهة الرقابة والعقوبات الغربية.

تظل نيودلهي قلقة من محاولة بكين حشد مزيد من أصدقائها في المنتدى، بما قد يؤدي إلى تهميش الهند. ولكن في ظل أن الهند الآن هي خامس أكبر اقتصاد في العالم، فقد تكون لنيودلهي أسبابها الخاصة لدعم بلاد صديقة مثل الأرجنتين وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وفي حين أن أعضاء بريكس سوف يحتاجون إلى تأسيس للمعايير التفصيلية وغيرها من الشروط لضم أعضاء جدد، فإن تنامي هذا الاهتمام العالمي يعزز ولا شك مصداقية مجموعة بريكس وتأثيرها على الحوكمة العالمية.

يمثل توسيع التجارة بين دول بريكس الأداة الأساسية في المنتدى. وقد شهد هذا مؤخرا تركيزا متزايدا على استكشاف بدائل لتقليل اعتماد هذه البلاد على الدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يكون إنشاء عملة بريكس على رأس جدول الأعمال هذا الأسبوع.

وقد أدى تجميد الغرب للأصول الروسية إلى أن يصبح هذا الأمر أولوية، حيث وضع بعض أعضاء بريكس بالفعل آليات لاستخدام العملات المحلية. إذ تعمل الصين على عولمة اليوان. كما وضعت نيودلهي ترتيبات للتجارة بالروبية الهندية مع 18 دولة.

أجندة الهند

تسعى الهند التي ستستضيف قمتين متتاليتين - هما قمة منظمة شنغهاي للتعاون يومي 3 و4 يوليو، وقمة مجموعة العشرين في 9 و10 سبتمبر - إلى استخدام مثل هذه الاجتماعات متعددة الأطراف لبناء توافق في الآراء بشأن أجندتها الخاصة. ولكن بالإضافة إلى هذه الاهتمامات، سيشهد اجتماع وزراء خارجية دول بريكس هذا الأسبوع اجتماعات ثنائية بين وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار ووزيري الصين وروسيا، وسوف تجتذب هذه الاجتماعات بصفة خاصة اهتماما ومتابعة.

لقد شهدت قمة مجموعة السبع في هيروشيما قبل أسبوعين عقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أول اجتماع ثنائي شخصي له منذ بداية حرب أوكرانيا مع الرئيس فولودومير زيلينسكي.

وكان القائدان قد أجريا ـ خلال الحرب ـ أربع اتصالات هاتفية، وقبل ذلك لم يلتقيا إلا لقاء عابرا في قمة جلاسكو للتغير المناخي في عام 2021. ولكن الآن، بعد اجتماع هذا الشهر، فإن دعوة مودي إلى «رفع الصوت ضد المحاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن»، حتى لو جاءت هذه الدعوة في سياق التوترات الحدودية بين الهند والصين، فإنها سوف تتطلب شيئا من التفسير لروسيا، وهي صديقة الهند التاريخية.

سوف يظهر هذا أيضا على خلفية اجتماع مودي مع فلاديمير بوتين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون بسمرقند في سبتمبر الماضي حيث أخبر رئيس الوزراء الهندي الرئيس الروسي بأن «هذا العصر ليس عصر الحرب»، وهي الكلمات التي تكررت إلى حد الغثيان في السرديات الأوكرانية مع سعي وسائل الإعلام الغربية إلى تصويرها باعتبارها تحذيرا من الهند لموسكو.

وبالمثل، في حين تستعد الهند لاستضافة الرئيس شي جينبينج في قمتي منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة العشرين، فقد أثار هذا توقعات قوية بأن يصل الجانبان إلى انفراج في التوترات الحدودية بينهما.

سوف يبدأ عما قريب العام الرابع من هذه التوترات، حيث ينشر الجانبان قوات أمامية مكثفة، بينما لم تتحقق فائدة كبيرة حتى الآن من 18 جولة من المحادثات رفيعة المستوى وأكثر من اثني عشر اجتماعا مشتركا على المستوى الوزاري، بالإضافة إلى اجتماعات بين وزراء الخارجية والدفاع في البلدين.

في كيب تاون هذا الأسبوع، سيعقد وزيرا خارجية الهند والصين ثالث اجتماع ثنائي في غضون ثلاثة أشهر. وتؤكد الهند أن العلاقات الثنائية لا يمكن أن تكون طبيعية حتى يتم حل الأزمة الحدودية.

من المؤكد أن كل هذه المعادلات الثنائية بين أعضاء بريكس تؤثر على جهودهم في بناء إجماع متعدد الأطراف على مجموعة من القضايا، من توسيع العضوية إلى مبادرات مواجهة التحديات العالمية. والعديد من هذه القضايا تمثل أيضا قضايا ذات أصداء في منتديات أخرى وسيكون لها تأثير مباشر على الاجتماعات القادمة لقمتي منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس ومجموعة العشرين.

تعد بريكس اليوم أهم صوت ناطق باسم الجنوب العالمي على الطاولة رفيعة المقام الخاصة بالقوى الكبرى في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. ومع قيام حرب أوكرانيا بتوسيع هذه الثنائية القطبية، سيتعين على بريكس أن تتحسس خطاها.

ثانيا، سوف يعمل الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي سيصبح الرئيس القادم لمجموعة بريكس في أغسطس، على صقل أوراق اعتماد التجمع بوصفه بديلا للحوكمة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة.

ولكي تتغلب بريكس على اختلافاتها الداخلية وتنتهز فرصها التاريخية، فلا يكفي فقط التفاهم والثقة المتبادلان ولكن لا بد أيضا من براعة دبلوماسية دائمة واستشراف مبادرات جريئة. وسيظل هذا عملا في طور الإنجاز، حيث إن توسيع بريكس لن يؤدي إلا إلى جعل الإجماع داخلها أصعب منالا.