انتخابات ديسمبر تخاطر بعودة الحرب الأهلية في ليبيا

27 نوفمبر 2021
27 نوفمبر 2021

بن فيشرمان

ترجمة: أحمد شافعي

قبل أكثر من عشر سنين على وفاة معمر القذافي، أعلن ابنه ـ الذي كان يوصف ذات يوم بذي العقل الإصلاحي ثم تحول إلى مطلوب على المستوى الدولي ـ أنه سوف يترشح رئيسا لليبيا في الانتخابات المقرر إجراؤها في الرابع والعشرين من ديسمبر.

وطموحات سيف الإسلام السياسية تكشف عن مشكلة واحدة فقط من مشكلات كثيرة تعترض إجراء انتخابات الشهر القادم. فلو أتيح له الترشح، قد يلجأ الليبيون الذين حاربوا القذافي إلى مقاطعة الانتخابات أو إلى العنف. في المقابل، إذا رفضت اللجنة الانتخابية ترشيح سيف ـ وهي اللجنة التي يتوقع منها البت في شرعيته ـ فقد يقاطع أنصار النظام القديم الانتخابات أو يعطلونها. ومثل هذه الديناميكية سوف تحدث الآن بعد أن دخل إلى السباق خليفة حفتر قائد المنطقة الشرقية الذي لم يتورع عن مهاجمة طرابلس سنة 2019. وفي ضوء هذا الجو فائق الاستقطاب وفي ظل خطر اندلاع عنف كاسح، من الحكمة الشديدة تأجيل الانتخابات لفترة إلى أن يتم حل العديد من القضايا الحرجة.

ثمة ثلاث قضايا أساسية لا بد أن يتفق حولها الليبيون: ما (أو أيُّ) المؤسسات التي يتم انتخابها، ووفق أي ترتيب، ومن يسمح له بالترشح.

فور أن تلاشى المنتدى الذي أقامته الأمم المتحدة لحل هذه القضايا في الصيف الماضي، استولى السياسي الماكر المقيم في الشرق عقيلة صالح على الفراغ، ووضع قانونا انتخابيا، ومرره عبر مجلس النواب الذي يرأسه. ولأكثر من سبع سنوات كان مجلس النواب نادرا ما يجتمع رسميا، وذلك جزئيا بسبب طريقة انتخابه وما أعقبها من مقاطعة كثير من الأعضاء له. وبالرغم من ذلك، أيَّد المبعوث الخاص للأمم المتحدة قانون عقيلة صالح دونما محاولة للتفاوض على محتوياته مع هيئات سياسية ليبية أخرى ذات نفوذ كبير وبخاصة في الغرب. وعقيلة صالح ـ وإن يكن مرشحا رئاسيا محتملا ـ يظل واقعا تحت طائلة عقوبات أمريكية لتعطيله المحاولة الأخيرة للجمع بين الليبيين في عام 2015.

في غياب دستور متفق عليه، تدعو القوانين الانتخابية الراهنة إلى نظام رئاسي ذي برلمان ضعيف، تكون للرئيس بموجبه سلطة تنفيذية كاملة، إذ يكون بوسعه تعيين الحكومة، وأن يكون هو نفسه قائد الجيش ورئيس أركانه. وكان حفتر يسعى إلى منصب قائد الجيش قبل أن يهاجم طرابلس في إبريل 2019. ومن مخاطر انتخاب رئيس فائق السلطات في هذه الانتخابات المثيرة للجدل هو أنها ستكون انتخابات شخص واحد ذي صوت واحد لمرة واحدة. (وحسب المرء أن ينظر إلى تونس، وهي النقطة المضيئة في الربيع العربي، ليرى كيف يكون بوسع رئيس منتخب أن يعزز سلطته بسرعة حتى حينما لا يكون في صفه جيش قوي).

تسلسل التصويت أيضا لم ينته إلى حل. فمؤتمر الثاني عشر من نوفمبر الدولي بشأن ليبيا في باريس قال رسميا إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تعقدان في «الرابع والعشرين من ديسمبر»، لكن بعض المشاركين أشاروا إلى أن العملية الانتخابية سوف «تبدأ» في الرابع والعشرين من ديسمبر. واعتبارا من الآن، سوف تعقد جولة رئاسية أولى بمرشحين متعددين في الرابع والعشرين من ديسمبر. ونظرا لعدم توقع فوز مرشح بالأغلبية، فمن المرجح أن تجرى جولة ثانية. ولم يتم التوصل إلى حل لمسألة إن كانت الانتخابات البرلمانية ستقام في تاريخ الجولة الأولى أم الجولة الثانية أم بعد الاثنتين.

وأخيرا، يبقى الأمر الأكثر إثارة للجدل، وهو هوية المرشحين الرئاسيين. فسيف وحفتر ورئيس الوزراء الحالي عبدالحميد الديبة ـ الذي تعهد بعدم الترشح عند توليه منصبه والمشتبه على نطاق واسع بالفساد ـ مرشحون معيبون عيوبا جسيمة. وبحسب اللجنة الانتخابية لا بد للمرشح أن «يقدم دليلا على سجل جنائي نظيف خال من أي إدانة جنائية» و»لا بد أن ينص على ما يمتلك من أصول في ليبيا أو خارجها». ولكن اللجنة نفسها عاجزة عن الفصل في هذه المعايير. فسيف مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية. وحفتر ـ المقيم في فرجينيا لوقت طويل ـ يواجه قضايا مدنية بسبب أفعال جيشه في ليبيا ضد مزدوجي الجنسية. وهذه القضايا وحدها تستوجب التأخير ـ ناهيكم عن ترتيب اقتراع حر وعادل في جميع أنحاء بلد ذي جهاز أمني ممزق لا يمكن للمراقبين المحايدين أن يوفروا فيه الحد الأدنى من ضمان النزاهة.

تذهب الولايات المتحدة وغيرها إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها أقل مخاطرة من تأخيرها الذي يخاطر بالصفقة المبرمة في العام الماضي لإجراء انتخابات على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولكن هذا لا يكون منطقيا إلا إن اعتبرت أغلب الأطراف الانتخابات شرعية. وفي الوقت الراهن ما من مرشح قادر على حشد مؤيدين من عموم البلد بل إن الشكوك تحيط بإمكانية قيامهم بحملاتهم الانتخابية في جميع أرجاء ليبيا. والاحتمال ضعيف بقبول الليبيين لانتصار مرشح إقليمي، وبخاصة في ظل ظروف تسمح بالطعن في القوانين الانتخابية والتصويت الفعلي إن لم تعطل تماما.

وهناك أيضا مسألة آلاف القوات الأجنبية والمرتزقة المنتشرين في عموم البلد. يعتقد أنصار الانتخابات أن حكومة جديدة فقط هي القادرة على مطالبة هذه القوات بالرحيل. ولكن، مجددا، لا يحتمل أن تظهر حكومة جديدة مستقرة تقوم بهذا الدور في المستقبل القريب. فمن المرجح أن تبقي روسيا مجموعتها المعروفة بمرتزقة واجنر في البلد بغض النظر عن الانتخابات، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة والناتو يفوق أي شيء عداه في ليبيا. في الوقت نفسه من المؤكد أن روسيا تجهز للتدخل في الانتخابات كدأبها مع الدول الديمقراطية الغربية.

لقد قطعت ليبيا شوطا بعيدا منذ إنهاء حربها الأهلية الثالثة في منتصف عام 2020 وذلك ما يمنعها من المخاطرة باستئناف العنف أو تقسيم البلد بانتخابات متعجلة. لقد ظهر تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر أصلا من عملية طموح فشلت لسوء الحظ. وتحديد المواعيد النهائية مفيد كأداة للإرغام، لكن ليس إذا كان ثمنها إثارة حرب أهلية. والأفضل بما لا يقاس هو توظيف فريق أممي جديد ـ بدعم من الولايات المتحدة وشركائها ـ لإعادة تنشيط الدبلوماسية داخل ليبيا بين اللاعبين الأساسيين والمجتمع المدني لتأسيس إجماع أصيل حول قانون انتخابي متفق عليه ووضع جدول زمني يبدأ العملية الانتخابية في ما بين تسعين يوما ومائة وعشرين يوما من الرابع والعشرين من ديسمبر. ولا جدال في أن الليبيين يستحقون حق انتخاب قادتهم وفي أن الرأي العام يطالب بالانتخابات، لكن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية تهيئة أفضل ظروف ممكنة لكي يقوم الشعب الليبي بذلك في حرية ونزاهة وأمن.

- كاتب المقال كبير زملاء معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعمل من قبل مديرا لشؤون شمال أفريقيا في مجلس الأمن الوطني خلال إدارة أوباما.

- نشر المقال في ناشونال إنتريست الأمريكية بتاريخ 21 نوفمبر 2021