الصين بحاجة إلى ارتفاع معدلات التضخم

21 يونيو 2021
21 يونيو 2021

لقد أثارت الزيادات الأخيرة في الأسعار في أكبر اقتصادين في العالم قلقًا متزايدًا في الأسواق العالمية، والتي أصبحت معتادة على التضخم المُنخفض - وحتى الانكماش - الذي ساد لعقود من الزمان. ومع ذلك، على الأقل في الصين، لن يكون الارتفاع الضئيل في معدل التضخم أمرًا سيئًا.

في الولايات المتحدة، أثار الإنفاق الحكومي الهائل أثناء أزمة فيروس كوفيد 19 مخاوف من حدوث أزمة مالية، كما أدت بيانات الأسعار الأخيرة إلى تعزيز هذه المخاوف. وقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 4.2٪ على أساس سنوي في أبريل الماضي - وهو أسرع ارتفاع منذ عام 2008. علاوة على ذلك، تسارعت وتيرة الزيادة الشهرية إلى 0.8٪ في شهر أبريل ، من 0.6٪ في مارس ، على الرغم من تراجع هذا المعدل مرة أخرى إلى 0.6٪ في مايو. كما ارتفع مؤشر أسعار المنتج(PPI) إلى 217.5 في أبريل الماضي بعد أن بلغ 185.5 في العام السابق. لقد ساهمت هذه البيانات في زيادة الضغوط على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من أجل تشديد سياسته النقدية المُتساهلة للغاية.

ومع ذلك، في أبريل الماضي، أكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك المركزي لا يزال «بعيدًا» عن سحب الدعم النقدي، حتى لو كان ذلك يعني السماح لمعدلات التضخم بأن تتجاوز نسبة 2٪ بصورة مؤقتة. هذا من شأنه أن يؤدي إلى تهدئة الأسواق، رغم أن العديد من خبراء الاقتصاد ما زالوا مقتنعين بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يبالغ في تقدير قدرته على إبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة على المدى الطويل.

وفي الصين، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك السنوي بنسبة 0.9٪ في شهر أبريل (على أساس سنوي)، مقارنة بارتفاع بلغ نسبة 0.4٪ في شهر مارس. والجدير بالذكر أن مؤشر أسعار المنتج ارتفع بنسبة 6.8٪ على أساس سنوي في أبريل ، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أكتوبر عام 2017. وفي شهر مايو ، ارتفع كل من مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتج - وعرفا اختلافًا - بشكل أكبر، حيث ارتفعا بنسبة 1.3٪ و9٪ على التوالي.

ومع ذلك، ظلت الأسواق الصينية مُستقرة وهادئة في الغالب. وفي ظل قلق خبراء الاقتصاد الصينيين بشأن تراجع زخم النمو في الربع الثاني أكثر من قلقهم من حدوث ارتفاع هائل في معدلات التضخم، لم يتم فرض أي ضغوط على صُناع السياسة المالية والنقدية في الصين لاتباع أي شكل من أشكال التشدد. هناك أسباب وجيهة لذلك. في شهر مايو الماضي، بينما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1.3٪، انخفض معدله التسلسلي بنسبة 0.2٪. وقد زاد مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بنسبة 0.9٪ فقط.

لقد كان الارتفاع الهائل في مؤشر أسعار المنتج مدفوعًا باستعدادات المنتجين الصينيين لزيادة الطلب بعد نهاية الجائحة. كان المنتجون في الجزء العلوي من سلاسل التوريد أول من يتخذ الخطوة الأولى، حيث سارعوا إلى تخزين المواد الخام والوقود الأحفوري. ولهذا السبب، شهدت أسعار السلع الأساسية - مثل النحاس والفحم وخام الحديد والألمنيوم - زيادات مُضاعفة منذ شهر مارس.

ومع ذلك، مع بداية الانتعاش من الجائحة، يظل الطلب على المنتجات النهائية (وخاصة المنتجات الاستهلاكية) بطيئًا. وهذا ما يفسر الفجوة المتزايدة بين الزيادات في مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتج. لا يمكن لمنتجي المنتجات المُصنعة في الأجزاء الوسطى والنهائية من سلاسل التوريد تمرير تكاليف المدخلات المُتزايدة إلى المستهلكين والمستثمرين. وربما ساهمت عوامل أخرى - مثل تخزين رقائق الكمبيوتر وتنفيذ خطة الحكومة للاستدامة - في حدوث تباينات بين مؤشرات أسعار المنتج والمستهلك. يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد الصينيين أن الزيادة في مؤشر أسعار المنتجين ليست سوى مرحلة انتقالية وربما تكون قد بلغت ذروتها بالفعل. ومع ذلك، حتى لو استمر في الارتفاع، لن تكون هناك حاجة للذعر، لأن الزيادة الأخيرة قد عوضت عن الخسائر خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008. علاوة على ذلك، قبل النمو الاقتصادي الأخير، عانت الصين من انكماش أسعار المنتجين لسنوات عديدة.على أي حال، يجادل بعض الاقتصاديين بأن الزيادة في مؤشر أسعار المنتجين من غير المرجح أن تُترجم إلى نمو كبير في مؤشر أسعار المستهلكين. من المفترض أن تكون هذه فكرة مُطمئِنة، الأمر الذي يُؤكد أنه لا يتعين على الصين أن تخشى التضخم المرتفع. لكن هذا الوضع يجب أن يكون في الواقع ما يُقلق الصين، التي يحتاج اقتصادها إلى المزيد من التضخم. أدى الافتقار إلى انتقال الأسعار - الذي يُحافظ على انخفاض التضخم الاستهلاكي - إلى تقليص أرباح المنتجين في المراحل الأخيرة، حتى مع استفادة الصناعات الأولية من زيادات ضخمة في الربحية.

هذا يقوض الاستهلاك والاستثمار والنمو الاقتصادي في نهاية المطاف. ولأجل ماذا؟ باعتبارها اقتصادًا ناميًا يبلغ دخل الفرد فيها ما يزيد قليلاً عن 10.000 دولار أمريكي، تتمتع الصين بقدرة أكبر على تحمل ارتفاع معدلات التضخم مُقارنة بالاقتصادات المتقدمة. وفي ضوء ذلك، يتعين على الحكومة الصينية أن تعمل على زيادة التضخم الاستهلاكي من خلال تبني سياسات مالية ونقدية أكثر توسعية. وعلى عكس الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، لم تتبع الصين نهجًا مُتساهلاً لسياسة الاقتصاد الكلي أثناء الجائحة. وفي شهر مايو ، بلغ معدل نمو M2 (مقياس واسع النطاق للعرض النقدي) 8.3٪، وهو أعلى مما كان عليه في شهر أبريل ، ولكنه انخفض بمقدار 2.8 نقطة مئوية مقارنة بنفس الشهر في العام السابق. وبينما زادت الإيرادات العامة القومية بنسبة 25.5٪ في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، زادت النفقات العامة القومية بنسبة 3.8٪ فقط.لقد ساهم هذا النهج الحذر في إضعاف زخم النمو الاقتصادي في الصين.

واليوم، أصبحت الصادرات مرة أخرى القوة الدافعة الرئيسية للنمو الاقتصادي - وهو نمط غير مستدام تعمل الدولة جاهدة على تجنبه. سوف يقطع التوسع المالي والنقدي شوطا طويلا نحو عكس هذه الاتجاهات. وفي نهاية المطاف، بعد استعادة الشركات ربحيتها وعودة النمو إلى المسار الصحيح، سيستقر معدل التضخم عند مستوى إيجابي وآمن.

** الرئيس السابق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، عمل في لجنة السياسة النقدية لبنك الشعب الصيني من 2004 إلى 2006.

** خدمة بروجيكت سنديكيت