الشركات الطلابية الناشئة.. إطار محفّز لريادة الأعمال

10 أكتوبر 2022
10 أكتوبر 2022

تعد الشركات الطلابية الناشئة أحد المحفّزات لريادة الأعمال في سلطنة عُمان عبر تميّز أعضائها في ابتكار أفكار لمنتجات ولخدمات تعزّز من الفرص الاقتصادية الواعدة من خلال تحويل تلك الأفكار لمنتجات فعلية تساعد على إيجاد حلول مستدامة، وعملية لبعض المشكلات والتحديات التي تعاني منها المجتمعات وأفرادها. وتستمد الشركات الطلابية الناشئة قوتها من تفرّغ أعضائها بعد التخرج لإدارتها والبحث عن حلول تطويرية لتقديم المنتجات والخدمات المبتكرة بصورة أفضل للمستفيدين، إلا أن وجود بعض التحديات والعقبات التي تعترض مسار الشركات الطلابية لتبقى كيانًا متماسكًا في السوق مثل انشغال أعضائها بعد التخرج وعدم تفرغهم أو توجههم لوظائف أخرى، بالإضافة إلى قلة الدعم المادي ربما لا يساعد الشركات على الاستمرار والصمود أمام الأزمات الاقتصادية كونها شركات ذات رأس مال صغير، ولا يملك أعضاؤها الخبرة الكافية للتعامل مع المتغيرات التي تشهدها الاقتصادات عالميا مثل تحوّل استراتيجياتها نحو تعزيز الاقتصاد الرقمي عبر انتهاج طرق تسويق رقمية للمنتجات والخدمات، واستخدام المنصات الإلكترونية للوصول للمستهلك بدلًا من منافذ البيع التقليدية.

بالرغم من الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصادات خلال السنوات الماضية، إلا أن ريادة الأعمال تعد أحد الحلول المناسبة لتحريك النمو الاقتصادي كونها رافدًا اجتماعيًا واقتصاديًا لتلبية بعض الاحتياجات المجتمعية عبر توظيف الموارد المتاحة من خلال إيجاد فرص عمل للباحثين عن عمل، وتوظيف التكنولوجيا في تقديم الخدمات والوصول للمستهلكين، فالشركات الطلابية الناشئة تمثل عاملًا محفزًا وفاعلًا لتسريع الابتكار، وتحفيز التنمية المستدامة عبر منتجاتها وخدماتها المبتكرة.

وفقًا لمقال نشرته منظمة العمل الدولية في 2019 حول قوة المشروعات الصغيرة، فإن المشروعات الصغيرة الناتجة عن الشركات الناشئة -غالبا تبدأ بأفكار مبتكرة من قبل طلبة الجامعات والمدارس- مسؤولة عن ثلثي الوظائف حول العالم، بالإضافة إلى استمرارها في استحداث وظائف ومهن جديدة وفقا للمتغيرات التي يشهدها سوق العمل والتشغيل خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الأخيرة، إلا أنها تتأثر كثيرًا بعوامل مثل الإنتاجية، وظروف العمل، وعدم الاستقرار أحيانا في هياكلها التنظيمية، لذلك ينبغي الاهتمام بالشركات الطلابية الناشئة لمساعدتها خلال مرحلة التكوين مرورًا بمرحلة التأسيس ثم النمو وصولًا للاستدامة والصمود أمام التحديات المختلفة، فكثير من هذه الشركات تعاني من تحديات خلال مرحلة التأسيس تقف عائقًا أمام استمراريتها بالرغم من الحلول التي تطرحها وتوفرها لمعالجة بعض الإشكاليات المجتمعية باستخدام التقنيات المتقدمة.

إن الشركات الطلابية التي تشارك في مسابقة إنجار عُمان سنويًا تقدّم منتجات مبتكرة وحلولا مستدامة على المدى الطويل إلا أنه بانتهاء المسابقة تظل في دوامة المعاناة حتى تندثر الفكرة وتختفي من عقول مبتكريها؛ وذلك لعدم وجود الموارد المالية الكافية للاستمرار في الدخول لعالم ريادة الأعمال، وعدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على نقل الشركات الطلابية من مرحلة ابتكار الفكرة والتخطيط لتسويقها وتطويرها، ووضع القوائم المالية إلى مرحلة ريادة الأعمال والدخول في السوق، وأرى أنه من الجيد احتضان هذه الشركات عبر التواصل مع أعضائها، والوقوف على التحديات التي تواجههم ومساعدتهم في وضع خطط مستقبلية لاستمرارية الشركات الطلابية، بالإضافة إلى توفير كل أنواع الدعم الذي يسهم في إطلاق تلك الشركات في السوق، وممارسة أنشطتها التجارية مع تقييم أدائها باستمرار؛ لضمان سير عملها بطريقة صحيحة،ووضع الخطط البديلة في حال تعرضها لأي تحديات، إذ إن الفرص الكامنة في الشركات الطلابية الناشئة ربما تسهم في معالجة التحديات لبعض القطاعات الاقتصادية عبر قيامها بمواصلة ابتكاراتهم وصقل مهاراتهم لتوظيفها في إيجاد حلول مستدامة وعملية.

فالشركات الطلابية الناشئة تحفّز على الإبداع والابتكار عبر التفكير خارج الصندوق للتوصّل إلى أفضل الحلول للمشكلات، وتوسيع قاعدة وفرص المبيعات، بالإضافة إلى تمييز منتجاتها عن المنافسين وابتكار طرق جديدة لتسويق المنتجات من خلال استخدام التقنيات الحديثة مثل الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق الرقمي مدعومًا بعدة استراتيجيات تطلقها الشركات الطلابية لاختبار ملاءمتها مع الموظفين كون أن بعض الأشخاص يستجيبون بشكل مختلف عندما يُطلب منهم التفكير خارج الصندوق، إذ إنه أصبح واضحًا أن الشركات الطلابية الناشئة ذات المنتجات والخدمات المبتكرة هي داعم رئيس ومحفّز للإبداع والابتكار في مختلف مراحل الإنتاج والعمليات التشغيلية للشركات الأخرى، بالإضافة إلى توفير الحلول المستدامة لبعض التحديات التي تواجه قطاع ريادة الأعمال.

لقد أبهجنا فوز شركة ربل الطلابية حديثا بجائزة أفضل شركة طلابية لفئة الجامعات ضمن مسابقة إنجاز عُمان للعام الجاري 2022، إذ قام الفريق بابتكار منتج صديق للبيئة من خلال الاستفادة من المخلفات العضوية عن طريق جمعها وتحويلها إلى مطاط طبيعي وعضوي. ويعمل المنتج عن طريق استخدام عجينة المطاط في مختلف الصناعات مثل إطارات المركبات وأرضيات الملاعب والأدوات الطبية وغيرها، فوجود مثل هؤلاء الطلبة المبدعين يتطلب دعمًا مستمرًا لتحفيزهم بمواصلة جهودهم لإنتاج كميات كبيرة من منتجهم المبتكر عبر تسهيل حصولهم على المواد الخام من المطاط، بالإضافة إلى توفير مختبرات لعمل التجارب مزوّدة بالأجهزة والأدوات اللازمة، وبتوفّر تلك المتطلبات يكون لدى أعضاء فريق الشركة الحافز لمواصلة العمل في الشركة بعد انتهاء المسابقة، وتطوير المنتج المبتكر للوصول إلى أبعد من مسابقة إنجاز عُمان.

إن الدور الذي تضطلع به هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها عبر مختلف الدعم المقدمة لها لهو مدعاة للفخر والتقدير، إذ تنامت أعداد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات الماضية سريعًا مدعومة بالاهتمام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- من خلال توجيهاته السامية المستمرة في النهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها، وتذليل كافة التحديات التي تعترضها عبر تخفيض مجموعة من الرسوم وإلغاء بعضها، بالإضافة إلى إقرار تسهيلات وقروض طارئة خلال أزمة كوفيد19، ومن المتوقع أن ترتفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان خلال السنوات القادمة، إلا أننا نأمل أن تحتضن الهيئة الشركات الطلابية الناشئة التي شاركت في مسابقة إنجاز عُمان وغيرها من المسابقات الأخرى؛ لتمكينها من كافة المناحي، بالإضافة إلى دعمها ماديًا وإداريًا لتتحول إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة قادرة على استيعاب الباحثين عن عمل، ورفد السوق العُماني بمنتجاتها خاصة تمثّل قيمة مضافة للاقتصاد العُماني من خلال تصنيع المنتجات بأيدٍ عُمانية.

أرى من المهم أن تدرس كل الشركات الطلابية الناشئة خاصة تلك الشركات التي قطعت شوطًا كبيرًا في تصنيع المنتجات وحصلت على إنجازات خلال مراحل التأسيس لوضع خطة ذات منهجية واضحة ودقيقة؛ لضمان استمراريتها، وتذليل جميع العقبات التي تعترضها حتى نستطيع تعزيز قطاع ريادة الأعمال في سلطنة عُمان وتحفيزه، وإذا تمكنا من تحقيق ذلك فإن نستطيع القول إن الشركات الطلابية الناشئة أصبحت أحد الحلول لمعالجة تحديات عدة قطاعات اقتصادية واعدة أبرزها قطاع سوق العمل والتشغيل.