الشراكة الأسترالية البريطانية الأمريكية - ماذا تعني؟

22 سبتمبر 2021
22 سبتمبر 2021

ستيفن والت - فورين بوليسي

ترجمة قاسم مكي

في 15 سبتمبر الحالي كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا النقاب عن شراكة أمنية جديدة تحت اسم مركَّب من الأحرف الأولى لأسمائها وثقيل الوقع على الأذن هو «أوكاس».

لكن العنصر الأساسي لهذا الترتيب الجديد يتمثل في أنه مسعى مشترك لتزويد أستراليا بأسطول من الغواصات المتقدمة التي تعمل بالوقود النووي.

الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون أيضا أعلنوا عن خطط للمزيد من التعاون الواسع النطاق حول أمن الإنترنت والذكاء الاصطناعي وحوسبة الكوانتم.

تلك الحقائق الأساسية عن «أوكاس» واضحة جدا. لكن سبب اقترانها وما تعنيه أكثر تعقيدا. وهي تكشف الكثير والكثير جدا عن الوجهة التي يمضي نحوها العالم.

أولا، وما هو أكثر وضوحا، هذه الخطوة تجسيد كلاسيكي لسياسة توازن القوى/ توازن التهديدات. وعلى الرغم من عدم ذكر الصين في الإعلان عن الشراكة الثلاثية لا يحتاج المرء إلى عبقرية لكي يدرك أن هذه المبادرة تمثل استجابة للإدراكات المتنامية بالتهديد الصيني المتصاعد.

ترتكز هذه الإدراكات جزئيا على القدرات المتزايدة للصين بما في ذلك قدرتها على استعراض القوة البحرية في المنطقة الآسيوية الباسيفيكية (الجزء الآسيوي من المحيط الهادي). ولكن ترتكز أيضا على أهداف الصين المعلنة لتعديل الوضع القائم في مناطق معينة.

تزويد أستراليا بغواصات تديرها محركات نووية هادئة وقادرة على الإبحار لمسافات بعيدة ستمكن كانبيرا من لعب دور أكثر نشاطا في المنطقة إلى جانب الأعضاء الآخرين في حوار الأمن الرباعي ( الولايات المتحدة والهند واليابان).

ثانيا، على الرغم من أن ما يحدث هو، إلى حد ما، هيكلي محض ( أي يعكس تحولات في توازن إجمالي القدرات) لكن في جوانب أخرى على بيجينج ألا تلوم أحدا آخر سوى نفسها. فحتى وقت قريب كان رأي أستراليا متذبذبا إزاء صعود الصين. كان قادة الأعمال يراودهم الأمل في الحفاظ على روابط تجارية مجزية وواضعو الاستراتيجيات البارزون يحذرون من أن معارضة تزايد النفوذ الصيني ليس في مصلحة أستراليا.

لكن التصرفات العدائية المتزايدة من جانب الصين وخصوصا قرارها غير المبرر بفرض مقاطعة تجارية عقابية ردا على اقتراح أستراليا بإجراء تحقيق دولي مستقل حول منشأ فيروس كورونا قادت إلى مواقف أسترالية يتزايد تشددها باطراد. الرد الصيني الذي أتى بنتائج عكسية تذكير مؤكِّد بأن الولايات المتحدة ليست هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على سوء التصرف الدبلوماسي.

ثالثا، الإعلان عن هذه الشراكة خطوة محسوبة بعناية وتحتاج إلى عدة أعوام لتطرح ثمارها. وهذا الترتيب الجديد لن يهدد حكم الحزب الشيوعي الصيني داخل الصين أو يستهدف إفشال الاقتصاد الصيني والذي سيكون، في حال حدوثه، إضرارا بالذات.

لكن الخطوات التي أعلنت يوم 15 سبتمبر ستعقِّد الجهود الصينية لعرض القوة في البحر والسيطرة على خطوط المواصلات الحيوية. وهي بهذا المعنى ستعرقل المساعي الصينية في المستقبل لإبهار وإرهاب البلدان القريبة وإقناعها تدريجيا باتخاذ مواقف أكثر امتثالا. باختصار، إنه تحرك يُقصَد به منع أو إحباط أية محاولة صينية للهيمنة الإقليمية في المستقبل.

تعني هذه الخطوة أيضا أن أحد مخاوفي السابقة من عدم تشكل تحالف توازني فعال في آسيا ربما لم تكن بتلك الخطورة التي اعتقدتها. في السابق أشرت إلى أن مشاكل العمل الجماعي التي تكتنف معظم التحالفات يمكن أن تكون مستحكمة على نحو خاص في آسيا. أحد أسباب ذلك المسافات البعيدة التي تفصل بين بلدانها والتي قد تغري بعضها بالامتناع عن الانخراط في النزاعات البعيدة عن سواحلها.

في شراكة أوكاس لدينا على أية حال ثلاثة بلدان (واحدة فقط آسيوية باسيفيكية) تتخذ خطواتٍ ستيسِّر العمل في مواقع إقليمية مفتاحية. بدون شك ستظهر معضلات العمل الجماعي رغما عن ذلك. لكن الخطوط العامة العريضة لتشكُل تحالف توازني فعال تتضح باطراد.

رابعا، ردود أفعال «الأطراف الثالثة» ستكون مسألة أساسية وليس فقط في المسرح الآسيوي الباسيفيكي. فالحكومة الفرنسية كما ذُكِرَ «تستشيط غضبا» إزاء الشراكة لأنها تقوض تعهدا أستراليا سابقا بشراء 12 غواصة تقليدية من فرنسا.

بل في الواقع ذهبت باريس إلى حد إلغاء حفل في واشنطن بمناسبة مرور 240 عاما على التعاون الفرنسي الأمريكي. وعندما يقرر الفرنسيون عدم إقامة حفل يجب الانتباه لذلك.

فرنسا تؤيد بقوة موقفا أمنيا أوروبيا أكثر متانة وهذا شيء تريده إدارة بايدن أيضا. وقد يكون هنالك دور محتمل لباريس في أجزاء من المحيط الهادي أيضا. وإذا كان الأعضاء الثلاثة في شراكة أوكاس قد نسوا ببساطة الاعتداد الفرنسي بالذات، وهذا شيء أجد صعوبة في تصديقه، سيلزمهم تصحيح هذا الخطأ.

ستكون ردود الأفعال في المنطقة أكثر أهمية. والمسألة الأساسية هنا هي تفسير الشراكة. هل ستعتبر إجراءَ دفاعٍ جماعي محسوبا وجاء في وقته (وهذا ما أعتقده) أم استفزازا غير ضروري؟

وكما ذكرت سابقا فإن ثمة قضية مفتاحية في السياسة الإقليمية وهي إلى أي حد تُعتبر الولايات المتحدة أو الصين «معكِّر صفوَ السلم» الذي تحرص البلدان الآسيوية على المحافظة عليه. تقديري أن معظم البلدان في المنطقة ستنظر إلى هذه المبادرة الجديدة بعين الرضى نظرا إلى طبيعتها المحدودة نسبيا وتصرفات الصين الخرقاء في الأعوام الأخيرة.

خامسا وأخيرا، قضية البُعد النووي. أكد الزعماء الثلاثة أن الاتفاق سيقتصر على نقل تقنية الدفع النووي (كالمفاعلات لتشغيل الغواصات الجديدة) ولكن ليس تقنية الأسلحة النووية.

ظلت أستراليا منذ فترة طويلة معادية بشدة للانتشار النووي ومتوجسة من الطاقة النووية المدنية وأكد (رئيس وزرائها) موريسون ذلك الموقف في تعليقاته.

كل هذا جيد وجميل. لكن من الممكن (أؤكد من الممكن) أن شيئا ماكرا قليلا يحدث هنا. فالمفاعلات المستخدمة في الغواصات النووية الأمريكية تحتاج إلى يورانيوم عالي التخصيب وستتوافر لأستراليا إمكانية الحصول على هذه التقنية مع توسع أسطولها من الغواصات.

ومن منظور الانتشار النووي تشكل هذه الشراكة خطوة في اتجاه إقامة بنية تحتية نووية أكثر اتساعا. أيضا هي مؤشر على استعداد أمريكي (وإلى حد ما بريطاني) أكبر لنقل تقنيات بالغة الحساسية إلى حلفاء مُقرَّبين.

الكاتب أستاذ كرسي روبرت ورينيه بيلفر في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد