الشائعات وصناعة الجمهور

14 نوفمبر 2022
14 نوفمبر 2022

تعد وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات المهمة في مختلف مناحي الحياة، فهي أدوات ساعدت على تعزيز التواصل بين الأشخاص في ظل التطور التقني الذي يشهده العالم؛ إذ تتميز هذه الوسائل بسهولة جمع البيانات والمعلومات والتفاعل معها بالإضافة إلى التعرف على ما يحدث في العالم من قضايا وموضوعات مختلفة، فوسائل التواصل الاجتماعي كما يعرّفها البعض بأنها مواقع الشبكات الاجتماعية على صفحة الويب التي يمكن أن تسهل التفاعل النشط بين المشتركين في هذه الشبكة الاجتماعية الموجودة بالفعل على الإنترنت بهدف توفير مختلف وسائل الاهتمام والمشاركة والمساعدة على التفاعل بين الأعضاء بعضهم البعض عبر المراسلة الفورية والمقاطع المرئية والدردشة وتبادل الملفات ومجموعات النقاش والمدونات والصور، فهي تحفّز على التعاون والمعرفة والاطلاع والتواصل الفعال بين الناس، إلا أن البعض أساء استخدامها مما سبب الضرر للآخرين وساعد على انتشار الشائعات والمغالطات والأخبار غير الدقيقة، فالشائعات تعرّف بأنها تلك المعلومات التي تتناقل دون الاستناد إلى مصدر موثوق أو الترويج لخبر غير صحيح أو غير دقيق أو ربما يمثل جزءًا ضئيلا من الحقيقة، فهي رسالة اتصالية غير مؤكدة المصدر تتداول بين المتفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي ويجري مناقشتها وتناقلها بين أفراد المجتمع أكثر من كونها فكرة أو نظرية مبنية على أسس التحقق من صحة الخبر، وتعد معلومات لا تتقيد بمعايير الصدق الموضوعي والنزاهة والدقة والأمانة بالإضافة إلى سهولة تدفقها للجماهير كونها تتزامن مع ترقب الأحداث والأخبار وتؤدي الشائعات إلى إحداث ربكة في فهم المتلقي للمعلومة الصحيحة في الوقت المناسب.

لن أتحدث عن أنواع الشائعات وأهدافها وغاياتها فهو معلوم لدى الجميع بأن للمخاطر والتهديدات الناشئة من إصدارها وتداولها أثرا كبيرا على تماسك المجتمع وتعزيز قيمه ومبادئه، فالقضاء على الشائعات ليس أمرا صعبا في ظل قيام وزارة الإعلام بالتصدي للأخبار المضللة والشائعات باستمرار عبر أذرعها المختلفة التي تحظى بمتابعة واسعة من مختلف مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعي وسائل الإعلام، إلا أنه ينبغي على الأشخاص عدم السماح لناشري الشائعات ومروجيها بمواصلة تضليل الرأي العام عبر تداول المعلومات والبيانات الإعلامية الصادرة من الجهات المعنية على نطاق واسع، فالملاحظ أن هناك جهودا كبيرة للتصدي للشائعات والأخبار المضللة لكن دون الإشارة إلى مصدر أو جهة النفي مما يضع المتابع والمتلقي في موضع شك بصحة النفي أو تصحيح المعلومة، وأرى من المهم عند نفي الشائعة تكذيبها أولا ثم تصحيح مضمونها والإشارة إلى خطورة نشرها وتداولها، إذ إن الشائعات أصبحت إحدى الأدوات التي تؤجج الصراعات عبر انتهاج أساليب مختلفة في التأثير على سلوك الجماهير وتغيير اتجاهاتها خاصة خلال نشأة الأزمات.

إن أساليب صناعة الجماهير متعددة ومتنوعة ولا تقتصر على ممارسات أو سلوكيات محددة خاصة أن الجمهور يتأثر بالأحداث عاطفيا أكثر من تحكيم العقل والمنطق تجاه بعض الموضوعات وذلك لأسباب مرتبطة بالسلوك البشري، لهذا نلاحظ أن تركيز الإعلانات على كيفية زيادة أرباحها ولا تركّز على أضرار المنتجات التي تضمنتها الإعلانات، فمثلا من المعلوم أن المشروبات الغازية والحلويات والسكريات مضرة بالصحة لكن شركات المشروبات الغازية والحلويات تركز في إعلاناتها على السعادة والحيوية والأوقات السعيدة، بالإضافة إلى الفخامة والانغماس والإثارة، وتشير بعض الدراسات إلى أن الإعلانات التي تستهدف إثارة الجمهور ومشاعره تحقق نجاحات أعلى نسبيا ويكون لها أثر بعيد المدى مقارنة بالإعلانات التي تستهدف العقل، إذ إن كثيرا من الإعلانات التي تصل للجمهور سريعا وتؤثر فيه وتحقق نجاحا هي تلك الإعلانات التي تستهدف عقل الجمهور وعواطفه، والأمر ينطبق تماما على الشائعات ومدى انتشارها بين أفراد المجتمع؛ فمن الملاحظ أن الشائعات التي تلامس مشاعر الإنسان وعواطفه هي أكثر الشائعات انتشارا وتداولا بين الناس وفي وسائل التواصل الاجتماعي مما تصنع جمهورا عاطفيا يتأثر سريعا ويؤثر على الأشخاص الآخرين، بينما نلاحظ أن حجم انتشار الشائعات التي لا تستهدف عاطفة الإنسان ضئيل جدا وذلك لعدم وجود بيئة خصبة تساعد على انتشارها وتوسعها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجتمع عموما، فهي لا تحتاج إلى اختصاصيين أو خبراء لصناعتها بقدر ما تحتاج إلى مضمون وتوقيت نشرها وجمهورها المستهدف، لذلك فإن صناعة الشائعات أصبحت سهلة بمجرد معرفة احتياجات الجماهير ومصالحها ووعيها وقدرتها على الوصول إلى المعلومات الصحيحة.

فأثر الشائعات وتناقلها أصبح خطرا كبيرا على حياة الأفراد عبر تعرّضهم لاضطرابات نفسية ومعنوية عند إصدارها وتداولها خاصة تلك التي تستهدفهم على وجه الخصوص وتستهدف المجتمعات عموما وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة عدد متابعيها ومرتاديها فإن احتمالية وصول الأخبار والمعلومات في تلك الوسائل كبيرة كونها أقصر الطرق إلى الجمهور وتحظى باهتمام من مختلف فئات المجتمع، لذلك ينبغي الاستفادة من الاهتمام الواسع بوسائل التواصل الاجتماعي في دحض الشائعات والتصدي لها عبر توضيح الحقائق ونشر البيانات الإعلامية وتعزيز الظهور الإعلامي للمسؤولين مع ضرورة قياس جودة تلك الأنشطة الإعلامية لضمان صناعة جمهور مدرك لما يدور حوله ويستطيع التصدي للآراء المتجاذبة بين مؤثر أو فاعل في وسائل التواصل الاجتماعي يسعى للحصول على شهرة مصطنعة عبر إثارة المشاعر والعواطف وبين من يحشد الجماهير ويؤثر عليهم بالاجتهاد في إبداء رأيه حول موضوع مرتبط بقضية مثارة بغرض مساعدته في مواصلة آرائه وتعزيز منطلقاته، وفي كلا الحالتين أرى أن المتابع ربما يقع في فخ التضليل لعدم بناء رأي حقيقي وإنما كان جزء من رأي الآخرين.

ختاما، إن الحديث عن الشائعات وصناعة الجمهور شائق ويتطلب دراسات وبحوث باستخدام مقاييس ومعايير دقيقة لضمان الحصول على نتائج واضحة ومفيدة للاستخدام في اتخاذ القرارات، فالشائعات داء ينبغي القضاء عليه؛ حتى لا يسمح لمصدريها ومروجيها في وسائل التواصل الاجتماعي تكوين جمهور مبني على التضليل والأكاذيب التي لا تسهم في تحقيق الأمان والطمأنينة في المجتمعات وتعزّز من تهييج قضاياه ومواضيعه.