السودان.. هل يقترب من هدنة في رمضان ؟!

25 مارس 2024
25 مارس 2024

في الخامس عشر من أبريل القادم تحل الذكرى الأولى لاندلاع الحرب الأهلية في السودان الشقيق بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وذلك بعد أن تأثرت العلاقة بينهما بسبب الصراع على السلطة والعلاقة بين الجيش وبين قوات الدعم السريع التي يصر قائدها على استمرار انفصالها عن الجيش واستقلالها التنظيمي عنه في إطار أي عملية لإعادة تنظيم الأوضاع في القوات المسلحة السودانية وإعادة ترتيب الأوضاع في السودان بوجه عام على أسس ديمقراطية وبمشاركة مختلف القوى السودانية بما فيها القوى المدنية، وبصرف النظر عن بعض الشعارات التي ظهرت في بداية المواجهات المسلحة بين الجانبين، إلا أن تلك الشعارات ما لبثت أن تلاشت في نيران المعارك والتنافس الشخصي على السلطة والتدهور المتزايد للعلاقة بين صديقي الأمس، البرهان ودقلو.

وعلى امتداد أكثر من أحد عشر شهرا من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع واستخدام مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطيران من جانب الجيش وعدم الالتزام بقواعد الاشتباك وقوانين الحرب من جانب قوات الدعم السريع ازدادت معاناة وخسائر الدولة والمواطنين السودانيين بشكل فاقمته المعارك التي كانت تجري ـولا تزال- داخل المدن وفي المواقع الحيوية في الولايات مما تسبب بخسائر مادية وبشرية وفي البنية الأساسية والمرافق الخدمية السودانية خاصة مع نزوح نحو 18 مليون سوداني فرارا من المعارك وطلبا للأمان وبحثا عن مأوى وطلبا للغذاء بعد أن تأثرت مساحات واسعة من المحاصيل وانخفضت الإيرادات الحكومية بنحو 80% حسبما قال جبريل إبراهيم وزير المالية خلال الأشهر الماضية، وهو ما أثر في الواقع على الاقتصاد وعلى نمط الحياة في المدن السودانية، وزاد كذلك من عمليات النزوح والهجرة سواء داخل السودان، أو إلى الدول المجاورة خاصة مصر وتشاد وجيبوتي وإثيوبيا واليمن وليبيا، كما تدهورت الأوضاع الصحية خاصة بالنسبة للأطفال والكبار، وقال مارتن جريفيث منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن قبل عدة أيام أن نحو خمسة ملايين سوداني «قد يعانون من جوع كارثي في بعض المناطق ومن انعدام أمن غذائي حاد خلال الأشهر القادمة» وأن نحو 18 مليون سوداني يواجهون خطر الأوبئة وأن نحو 250 ألف طفل يهددهم الجوع والنقص الحاد للغذاء بكل ما يترتب على ذلك من نتائج تتطلب التدخل الإقليمي والدولي لوقف القتال وإعادة الاستقرار إلى السودان .

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا استمرت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان برغم أن الكثير من التوقعات في بداية القتال لم تتوقع ذلك وإذا كانت البيئة الداخلية والإقليمية والجيوبوليتيكية السودانية قد وفرت للسودان الشقيق مزايا عديدة اقتصادية وموقعا مهما فإن تعدد القوى السياسية والتوجهات الأيديولوجية وما يرتبط بها من مصالح سياسية واقتصادية للقوى ذات المصالح من داخل السودان والدول المجاورة له يؤثر في الواقع على مواقف الأطراف المختلفة من المشكلات التي تواجهها السودان وعلى موقف المنظمات التي يمكنها القيام بدور إيجابي للبحث عن حلول أو محاولة القيام بذلك لأسباب متعددة، ويزداد الأمر تعقيدا في مثل حالة السودان وما يمكن وصفه بحالة التنافس العربي الإفريقي بين جامعة الدول العربية من ناحية وبين الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الاقتصادي لدول شرق إفريقيا (الإيجاد) من ناحية ثانية وهو أمر معروف منذ سنوات عديدة، فضلا عن رؤية القوى الدولية المؤثرة لمصالحها ولكيفية رؤيتها للتعامل مع المشكلة والظروف المحيطة بها ومواقف الإطراف الداخلية كذلك.

ويمكن القول أن البيئة المحيطة بالسودان في السنوات الأخيرة قد أسهمت، ولا تزال تسهم في تعقيد عدد غير قليل من قضايا السودان الداخلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك استغلال موارده الاقتصادية والمعدنية الوفيرة والتي يسيطر حميدتي على جزء كبير منها من خلال شركة يسيطر عليها لاستغلال الذهب على سبيل المثال، ونتيجة لذلك كله تتواصل الحرب والمواجهات المسلحة في السودان وتم التعامل ببطء ملحوظ مع الحرب التي يمكن وصفها بالحرب «المنسية»، صحيح أنه حدثت محاولات محدودة للتوسط على استحياء من أجل التوصل إلى صيغة تسمح بالسير نحو حل ووقف الحرب وفي إطارها عقدت لقاءات في القاهرة والرياض وقطر وسعت الإيجاد لترتيب لقاء بين البرهان وحميدتي في جيبوتي قبل عدة أسابيع ولكن اللقاء لم يتم لأن حميدتي اعتذر لأسباب تنظيمية حسبما نقلت عنه الإيجاد وحملت الخرطوم الإيجاد المسؤولية لأنها كانت هي المنظمة للدعوة.

جدير بالذكر أن التدخلات الخارجية في السودان أدت إلى تفاقم واستمرار الحرب الأهلية، وسط سيل من الاتهامات والادعاءات المتبادلة حيث يحاول كل طرف إلقاء مسؤولية بدء الحرب واستمرارها على الطرف الآخر. وقد شهدت الآونة الأخيرة عدة تحركات في محاولة لتحريك جهود ومساعي الوساطة في الأزمة، وذلك بالتزامن مع المساعي المبذولة بشأن الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل ومحاولة استغلال شهر رمضان المبارك للتوصل إلى هدنة ووقف مؤقت لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين .

وبالنسبة للوضع في السودان فإنه بالرغم من التدهور الشديد والمعاناة التي يعانيها السودانيون بسبب عدم الالتزام بقواعد القتال من جانب قوات الدعم السريع التي ارتكبت مخالفات عديدة منها الاعتداء على عدد من السفارات الأجنبية في الخرطوم واقتحامها والاعتداء على مؤسسات الدولة الاقتصادية ونهب عشرات البنوك، فإن من التحركات التي تبعث على التفاؤل ولو النسبي بالنسبة لجهود إحراز تقدم لتحقيق هدنة خلال شهر رمضان المبارك ما يلي: أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يوم 11 مارس الجاري دعا فيه إلى وقف إطلاق نار شامل في السودان وإلى أن تكون الهدنة خلال شهر رمضان. وقد رحبت قوات الدعم السريع وكذلك مجلس السيادة السوداني بالقرار. ومع ذلك تحدثت الخارجية السودانية عن شروط لحل سياسي ينهي الحرب خلال شهر رمضان ومن أهمها ضرورة خروج قوات الدعم السريع من المؤسسات والمرافق الحيوية قبل أي هدنة رمضانية. حققت قوات الجيش السوداني تقدما مهما على الأرض وذلك باستعادتها السيطرة على مقر الإذاعة والتليفزيون في أم درمان يوم 12 مارس الجاري وبعدها تعهد البرهان «بمواصلة التقدم» وأكد أنه «إذا لم تنته الحرب لن تكون هناك عملية سياسية» وجاءت استعادة السيطرة على الإذاعة والتليفزيون بعد ميل ميزان القوة لصالح الجيش السوداني في الفترة الأخيرة، حيث تردد أن قوة خاصة أوكرانية تحارب إلى جانب الجيش السوداني منذ بضعة أسابيع وأن إحدى دول المنطقة المعنية بدعم نفوذها طلبت إنشاء قاعدة بحرية في السودان على البحر الأحمر مقابل إمداد السودان بطائرات مسيرة وبسفينة حربية تحمل طائرة هليوكوبتر ولكن الخرطوم لم توافق.

إن واشنطن التي تستشعر اهتمام طهران بالسودان وتوسيع العلاقات معها بعد زيارات متبادلة بينهما مؤخرا قامت بتعيين مبعوث أمريكي خاص للسودان هو «توم بيرييلو» في مارس الجاري وقد بدأ بجولة شملت عدة دول إفريقية كما بحث مع القوى المدنية السودانية إنهاء الحرب في السودان.

بينما قام عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان السابق بزيارة القاهرة يوم 8 مارس الجاري وقام البرهان بزيارة طرابلس بدعوة من الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المعترف بها في ليبيا الذي أعلن مبادرة للسلام في السودان وذلك للمرة الأولى قامت وزيرة الدولة القطرية لولوة الخاطر بزيارة السودان يوم 10 مارس ومعها مساعدات قطرية وأكدت دعم قطر للسودان وأمنه واستقراره.

كما قام مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني بجولة في بعض الدول الإفريقية قبل أيام وأعلن خلالها مبادرة سلام ويعني ذلك استعدادا ورغبة من جانب البرهان في تحقيق السلام ولكن بعد استجابة قوات الدعم السريع لما طرحه الجيش من شرط تحقيق هدنة في رمضان.

إن مما يبعث على الأمل أن قوات الدعم السريع التي خسرت كثيرا من سمعتها بسبب ممارساتها العسكرية الميليشياوية وانتقاد الكثيرين لها أعلنت قبل أيام «استعدادها للقبول بأي تفاهم لوقف القتال» وذلك لحقن الدماء حسبما أعلنت، وذلك بعد استعادة الجيش لمقر الإذاعة والتليفزيون ومن شأن ذلك أن يسهم في تقريب المواقف وهو ما قد يفتح الطريق عمليا -إذا خلصت النوايا- أمام بحث تنفيذ قرار مجلس الأمن حول هدنة رمضان في السودان وهو ما سيستغرق وقتا غير قليل بالضرورة، ولكنه بات ضروريا لصالح الأشقاء والحد من معاناتهم التي استمرت عاما دون طائل.