الذكاء العاطفي وبيئة العمل

25 مارس 2024
25 مارس 2024

يعبّر مصطلح الذكاء العاطفي عن إدارة المشاعر، وفهمها بما يضمن التعامل مع العلاقات الشخصية عاطفيا، مما يساعد الموظف على تأدية مهام وظيفته جيدا وتحقيق الأهداف الوظيفية.

وتتأثر سلوكيات الأشخاص وفقا لما يتمتعون به من ذكاء عاطفي، وتحديد ما يشعرون به، والذكاء العاطفي يتكوّن من الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والتحفيز، والتعاطف، والمهارات. ورغم صعوبة إدارة المشاعر والتحكم بها، إلا أن السلوكيات الكامنة تسهّل التعامل مع الآخرين، ورغم أهمية الذكاء العاطفي في بيئة العمل؛ إلا أن هناك كثيرا من الموظفين يسيئون فهمه، وفي رأيهم أنه نوع من أنواع التقرب للمسؤول المباشر عبر استخدام أساليب ملتوية للحصول على ما يريد وما يطلبه من الآخرين. وحقيقة الأمر أن الذكاء العاطفي مختلف تماما، ويتخلله مشاعر وأحاسيس ينبغي فهمها للتعامل معها جيدا وبحذر شديد، فكلما كنت صادقا في مشاعرك وعواطفك ارتفع تأثيرك على الآخرين إيجابا.

ومع تغيّر فلسفة العمل واعتماد نظام العمل عن بعد بات من الضروري أن ينتقي الموظف كلمات لطيفة تحوي عبارات الشكر والتقدير عند التعامل مع مسؤوله المباشر وألا تكون كلماته جافة خالية من الروح والثناء والتقدير عند مخاطبة المسؤول عبر الاتصال أو مخاطبته بالبريد الإلكتروني. وهنا التحدي يأتي عندما لا يستطيع المسؤول تحديد الحالة التي يتمتع بها الموظف خلال تأدية مهام عمله عن بعد، إلا أن هناك بعض المسؤولين يتمتعون بالذكاء العاطفي عند استقبال الرسالة من الموظف، فيستطيعون فهم حالة الموظف وشعوره بمجرد قراءة رسالته، ويتعاملون معه وفقا لحالته النفسية سواء كان الموظف في حالة غضب أو سعادة؛ فالكلمة مهما كان مغزاها ودافعها لن تصل للآخرين إذا كانت خالية من المشاعر والأحاسيس، ولن تحقق غايتها إلا إذا أُرسلت بأسلوب جيد وجميل.

خلال مرحلة دراستي للماجستير، دفعني الفضول للتعرف على مصطلح الذكاء العاطفي وأثره على الحياة الجامعية وبيئة العمل؛ فقررت حينها الاستماع لمحاضرة بعنوان الذكاء العاطفي ودوره في تحسين العلاقات بين الطلبة والموظفين، بداية لم أكن أعلم أهمية الذكاء العاطفي وتأثيره الإيجابي في إدارة العلاقات مع الآخرين، ومع مرور الوقت أدركت أن الذكاء العاطفي شيئا آخر ليس كما يظنه الناس؛ فالذكاء العاطفي قادر على استخدام العواطف جيدا لتحقيق فرص النجاح في بيئة العمل والدراسة والحياة عموما كونه نوع من التواصل الفعال مع الآخرين عبر تمتّع بعض الأشخاص بصفات من بينها الهدوء للتحكم بالمشاعر عند مواجهة التحديات وإيجاد الحلول المناسبة والفاعلة لحلحلة التحديات الموجودة في بيئة العمل، والإنصات جيدا للموظفين دون مقاطعة حديثهم لفهم مشاعرهم وما يبدوه من عاطفة تجاه بعض المواقف التي تجري في بيئة العمل، أيضا من المهم أن يكون الموظف واثقا من نفسه عند سرد الموقف أو الدفاع عن رأيه دون التهرب؛ لتعزيز ثقته بنفسه، ومن الجيد الانتباه للسلوكيات خلال التعرض للمواقف حتى يستطيع اتخاذ القرارات الصحيحة والسليمة تجاه تلك المواقف، أيضا على الموظف والمسؤول المباشر تفهّم وجهات النظر وردود الأفعال الناتجة عن المواقف التي تحدث خاصة عند احتدام النقاش عند تباين وجهات النظر بين الطرفين؛ إذ إنه من المتوقع أن ترتفع حدة الصوت بين المختلفين؛ كونهما في حالة غضب شديد، أيضا عند إبداء أي تصرف أو تبني توجّه خلال تعاملك وتفاعلك مع المواقف والأحداث، لابد أن تعي بأنك تتحمل مسؤولية ما تبديه من تصرفات إرادية أو غير إرادية؛ وذلك لوجود تبعات محتملة على الآخرين وعلى بيئة العمل. فكن حريصا على ضبط النفس والتريث قبل إبداء أي ردة فعل، وهنا يأتي ذكاء الشخص في التحكم بعواطفه قبل الاندفاع والغضب واتخاذ قرار أو إطلاق الأحكام على الأشخاص، وكما يقال لا تتخذ قرارا وأنت غاضب ولا تعطي وعدا وأنت سعيد، فالجيد أن تؤجل اتخاذ القرارات حتى تهدأ تماما وتتحسن حالتك النفسية، أخيرا من المهم جيدا وأوصي به أن تعمل في بيئة صحية التي تشعرك بالارتياح والاطمئنان لا أن تغرس فيك السلبية والتذمر والاستياء، وتأكد تماما بأن العقل الباطن إن امتلأ بالسلبية ستواجه تحديات كبيرة في بيئة العمل تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة وتحارب الإنتاجية المؤملة منك، وتأكد تماما أن الذكاء العاطفي هو نوع من أنواع القيادة، وبعدم وجوده في بيئة العمل تنشأ صعوبات في التواصل البنّاء بين أعضاء فريق العمل، مما يؤدي إلى ضياع حقوق الموظفين بسبب ارتفاع أصوات المختلفين خلال النقاش.

كثير من بيئات العمل في مؤسساتنا الحكومية تتمتع بوجود الذكاء العاطفي بين الموظفين، وما أسعدني كثيرا أن مستوى الرضا الوظيفي في ارتفاع مستمر بفضل تفعيل أدوات التواصل الفعال بين الموظفين والمسؤولين مما ساعد على إيجاد الحلول الفاعلة لبعض التحديات التي تواجه بيئة العمل، مع ذلك أرجو أن يحظى الذكاء العاطفي ببرامج ومبادرات لتنميته في مختلف بيئات العمل؛ لتمكّن الموظفين من التواصل الفعّال واتخاذ القرارات السليمة؛ لنصل لبيئة عمل منتجة وصحية؛ فالقائد الناجح من ينصت لا من يستمع، وينتج لا أن يتذمّر أو يؤجل الأعمال، ويعمل بروح الفريق لا أن يقصي الآخرين.