الخفض الطوعي لإنتاج النفط

04 ديسمبر 2023
04 ديسمبر 2023

يعد الخفض الطوعي لإنتاج النفط إحدى الأدوات الفاعلة لاستقرار أسواق الطاقة عبر إيجاد توازن بين العرض والطلب والاستجابة في حال حدوث متغيرات طارئة على أسواق الطاقة، إضافة إلى ضمان سوق نفط مستقرة ومتوازنة، ولتحقيق ذلك لا بد من التزام الدول المشاركة بكميات الخفض الطوعي لإنتاج النفط المقررة والمتفق عليها من قبل الدول الأعضاء في منظمة أوبك بلس لتحقيق المصالح المشتركة بين الأعضاء ودعم أسواق الطاقة وامتصاص أية صدمات ربما يتعرّض لها السوق. والخفض الطوعي عموما هو إجراء احترازي يمنح أعضاء منظمة أوبك وحلفاءها من الدول الأخرى المرونة في المشاركة في عملية الخفض أو عدم المشاركة وفقا لظروفها، وعادة تتصدر الدول الأكثر إنتاجا للنفط مسؤولية خفض الإنتاج للحفاظ على استقرار سوق النفط، ورغم أن 7 دول من المنظمة أقرّت سابقا تخفيضا طوعيا بمقدار 1.571 مليون برميل يوميا يستمر حتى نهاية ديسمبر 2023م، فإن دول المنظمة ارتأت مجددا تخفيضا طوعيا آخر خلال الربع الأول من العام القادم لتعزيز الجهود الاحترازية الداعمة لاستقرار أسواق الطاقة وتوازنها والحد من التحديات المحتمل مواجهتها خلال الأشهر المقبلة. ويبدو أن الخفض الطوعي الأخير جاء بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط عالميا إلى أقل من 80 دولارا أمريكيا في بعض الأيام وارتفاعه طفيفا إلى 81 دولارا مما يشير إلى حاجة أسواق الطاقة لدفعة كبيرة لدعم ارتفاع الأسعار لتعود إلى مستويات الـ90 والـ100 دولار كما كانت قبل عام من الآن. وربما تشهد أسواق الطاقة ارتفاعا في أسعار النفط خلال الأيام القادمة بسبب قرار التخفيض الطوعي الإضافي وذلك لانخفاض كمية النفط المعروضة في السوق شريطة وجود ارتفاع فعلي في الطلب على النفط مما سيمثّل صدمة إيجابية لأسواق الطاقة بارتفاع الطلب مقارنة بالعرض وربما يصل سعر برميل النفط لمستويات قياسية، وأرى أن تبنّي دول منظمة أوبك بلس سياسة الاحتراز عبر التخفيض الطوعي يعد أمرا إيجابيا لدعم أسواق الطاقة ورصد المتغيرات التي يشهدها السوق لمنع حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط، ويشارك في الخفض الطوعي الإضافي كل من المملكة العربية السعودية والكويت والجزائر والإمارات العربية المتحدة والعراق وسلطنة عُمان التي أعلنت عن خفض طوعي إضافي بـ42 ألف برميل يوميا ليصبح إجمالي التخفيض الطوعي حتى نهاية مارس 2024م نحو 82 مليون برميل يوميا ويستمر التخفيض الطوعي السابق حتى نهاية ديسمبر 2023م، ويبدو أن المملكة العربية السعودية ستواصل تخفيض إنتاجها طوعيا بمليون برميل يوميا حتى نهاية شهر مارس المقبل، فيما ستخفّض جمهورية روسيا الاتحادية 500 ألف برميل، ودولة الكويت بمقدار 135 ألف برميل يوميا، وجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية ستخفّض بمقدار 51 ألف برميل يوميا وجمهورية كازاخستان الديمقراطية بمقدار 82 ألف برميل يوميا، فالخفض الطوعي لإنتاج النفط هو إجراء استثنائي مؤقت يهدف إلى دعم أسعار الطاقة ويعزّز من النمو الاقتصادي العالمي وكذلك يعالج تراكم المخزونات العالمية الكبيرة للنفط، والأهم من ذلك فإن تقليل كميات النفط المعروضة في السوق يحسّن من دخل المنتجين ويعظّم إيراداتهم المالية جراء ارتفاع الأسعار؛ إذ من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي بنسبة 4.5% عام 2024م في الصين والهند، وهي فرصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تقليل الانبعاثات الغازية من استخدام الوقود الأحفوري، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة مثل تعزيز تطبيقات الاقتصاد الأخضر، وتعزيز كفاءة الطاقة وتجويد استهلاكها.

كثير من المتابعين والمراقبين لأسواق الطاقة يتساءلون عن أسباب عدم ارتفاع أسعار النفط عالميا رغم تخفيض منظمة أوبك بلس في يونيو 2023م إنتاج النفط بنحو مليون ونصف المليون برميل يوميا؟ وفي رأيي إن التوقعات السابقة ببرد قارس هذا العام سيزيد من الطلب العالمي على الطاقة لم يتحقق، مما أدى إلى انخفاض الطلب على الطاقة عموما وكذلك طلب الصين -التي هي أحد كبار مستهلكي النفط عالميا- لم يكن أكثر من التوقعات، وهناك مخاوف من المنتجين باستمرار انخفاض الأسعار إلى أقل من 80 دولارا أمريكيا خلال الأشهر القادمة، ما لم تتدخل دول المنظمة في اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة لمنع هبوط الأسعار إلى مستويات قياسية كما حدث في عام 2014م، وبالتالي يمكن القول إن الخفض الطوعي الإضافي الأخير كان خطوة استباقية لدعم أسعار النفط في ظل المتغيرات والتوقعات التي يشهدها سوق الطاقة حاليا، وبما أن الدول التي اتخذت قرار التخفيض الطوعي ستواجه انخفاضا بنسب متفاوتة في الصادرات النفطية، مما سيؤثر على الميزان التجاري؛ فإن التقليل من الاعتماد على سلعة النفط هو إحدى الأدوات الفاعلة والممكنة لتعويض تأثر الميزان التجاري وذلك عبر تعزيز الجهود الوطنية للتنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل الأخرى، وسلطنة عُمان تعد إحدى الدول التي تعمل جاهدة لتحقيق ذلك مما أثمر ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 12% في الميزانية العامة للدولة وانخفاض الاعتماد على النفط في الإيرادات العامة للدولة إلى 67%، فأصبح الاقتصاد العماني يستطيع مواجهة المتغيرات في أسواق الطاقة وتحدياتها بفضل السياسات الاقتصادية الفاعلة المتخذة.