الخطط الخمسية و«رؤية عُمان 2040»

29 ديسمبر 2025
29 ديسمبر 2025

الخطط الخمسية هي برامج تخطيط اقتصادية واجتماعية؛ بهدف تنمية الاقتصاد الوطني، وإحراز تقدم في التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز الإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية.

هذه الخطط تضعها الحكومة كل خمس سنوات لرفع الكفاءة الإنتاجية وزيادة القدرات التنافسية للاقتصاد العُماني بالاستفادة من الموارد والثروات الطبيعية التي تزخر بها سلطنة عُمان عبر تنمية الموارد البشرية معرفيًا، وصقل خبراتهم ومهاراتهم وتأهيلهم لإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة وفاعلية.

فالخطط الاقتصادية هي أداة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في سلطنة عُمان، وتحقيق «رؤية عُمان 2040» التي تضع الاقتصاد والتنمية من أولوياتها.

ومع قرب انتهاء خطة التنمية الخمسية العاشرة التي تعد أول خطة اقتصادية تنموية لـ«رؤية عُمان 2040» نستطيع القول: إن الخطة الخمسية الحالية نجحت في تجاوز معضلة الدين العام للدولة الذي انخفض إلى نحو 14 مليار ريال عُماني بعد سداد أكثر من 6 مليارات ريال خلال الخطة الخمسية التنموية العاشرة. إلا أن الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد ما زالت بحاجة إلى ابتكار فلسفة اقتصادية أكثر فاعلية لإحراز تقدّم في التنويع الاقتصادي.

فما زالت الإيرادات النفطية تمثّل ثلثي الإيرادات العامة للدولة بنحو 68% من جملة الإيرادات العامة للدولة رغم التحسّن المالي الذي تشهده المالية العامة للدولة.

تعد «رؤية عُمان 2040» خطة بعيدة المدى وهي خارطة طريق لعُمان التي نريد بعد 15 عاما من الآن؛ تحديدا بانتهاء خطة التنمية الخمسية الثالثة عشرة.

ولتحقيق هذه الخطط الاقتصادية لابد من إحراز تقدم في الخطط الخمسية؛ لأن تحقيق الأهداف بعيدة المدى يعتمد كثيرًا على تحقيق الأهداف قصيرة المدى؛ وبالتالي أعتقد أننا بحاجة إلى ابتكار نموذج اقتصادي ينتقل الاقتصاد العُماني من مرحلة النمو إلى مرحلة التنمية الاقتصادية من خلال الاشتغال على خطط لتطوير الصناعات العُمانية، وتعزيز الابتكار والمعرفة اللذين يعدان المحرك الرئيس للاقتصاد.

في الخطة الخمسية العاشرة حقّق الاقتصاد العُماني قفزات في مؤشر التنويع الاقتصادي؛ بسبب تعافي الأنشطة الاقتصادية ونموّها، ما أدى إلى ارتفاع الإيرادات غير النفطية في العام الجاري 2025م بنحو 70 مليون ريال عُماني لتبلغ 3.573 مليار ريال مقارنة بعام 2020م التي بلغت حينها 2.7 مليار ريال عُماني. وأعتقد أن الارتفاع في الإيرادات غير النفطية سيستمر في تسجيل ارتفاعات خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة المقبلة مع النمو المتواصل للأنشطة الاقتصادية، وبالتالي إحراز تقدم في مستهدفات الاستدامة المالية والتنويع الاقتصادي.

إنّ ما تحقّق في خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) رغم الظروف الاستثنائية التي رافقت إطلاق الخطة يعد إنجازًا؛ حيث استطاعت الخطة مدعومة بمبادرات خطة الاستدامة المالية بتحقيق المهم وهو التخلص من نحو 6 مليارات ريال عُماني من عبء الدين العام على المالية العامة للدولة الذي تسبب في فترة سابقة في تأجيل جملة من المشروعات التنموية.

والأهم من ذلك استطاعت المالية العامة من إعادة جدولة بعض القروض بنسبة فائدة أقل بقروض بفوائد مرتفعة بعد تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى الجدارة الاستثمارية. أيضا استطاعت الخطة الخمسية العاشرة تحقيق مؤشرات متقدمة في ملف التشغيل والتوظيف والحماية الاجتماعية واستقرار معدل التضخم؛ وبالتالي نستطيع القول: إن الخطة الخمسية العاشرة كانت الأساس المتين التي نستطيع البناء عليها لخطة التنمية الخمسية الحادية عشرة المقبلة (2026-2030)؛ خاصة مع قرب وصول الدين العام إلى المستويات الآمنة في حدود 30% من الناتج المحلي الإجمالي بمديونية إجمالية لا تتجاوز 14.7 مليار ريال عُماني.

وفي رأيي أعتقد أن النجاح المحقق في الخطة الخمسية العاشرة كان بسبب البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي، والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي اللذين ساهما في معالجة التحديات المالية التي واجهت المالية العامة، وانعكس ذلك على إحراز تقدم ملموس في التقليل من الاعتماد على الإيرادات النفطية في الميزانية العامة للدولة، وتسجيل نمو في الأنشطة غير النفطية بعد التعافي في الأنشطة الاقتصادية.

المأمول في الخطة الخمسية الحادية عشرة (2026-2030) أن تُبذل جهود أكبر في الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد العُماني لتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية بشكل رئيس التي ما زالت تمثّل ثلثي الإيرادات العامة للدولة من خلال ابتكار نموذج اقتصادي أو اختيار السياسة الاقتصادية المناسبة مع الظروف الحالية.

وأعتقد أنّ الظروف الحالية مواتية للإنفاق أكبر على تنمية الصناعات المحلية والابتكار والبحث العلمي؛ كونها المحرك الأساسي للاقتصادات خاصة مع تحسّن الوضع المالي والإدارة المالية الكفؤة التي كان لها الفضل الكبير في الانتقال من مرحلة العجز المالي إلى الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي والجدارة الاستثمارية.

أيضا أرى من الجيد التحوط باعتماد سعر لا يتجاوز 55 دولارًا أمريكيًا في الخطة الخمسية المقبلة؛ نظرا لعدم الاستقرار في أسعار النفط ومنافسة الطاقة النظيفة إضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي يشهدها العالم منذ سنوات والمتوقع أن تمتد إلى سنوات مقبلة.