الحرب في السودان.. حان الوقت ليتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته

20 أبريل 2024
20 أبريل 2024

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

عقد المؤتمر الإنساني بشأن السودان يوم الاثنين الماضي في باريس، أي بعد عام واحد بالضّبط من بدء الصراع. ثمّة رهانات كبيرة ترتبط بهذا المؤتمر، فمستقبل ثالث أكبر دولة في القارة الإفريقية على المحكّ، وبقاء الملايين من الأطفال والنساء والرجال على قيد الحياة معرّض للخطر مع احتمال حدوث مجاعة بسبب موسم الجفاف الذي يلوح في الأفق. إن استقرار منطقة بأكملها، تستضيف أصلا مئات الآلاف من اللاجئين، قد أصبح مهدّدا. ثم ماذا عن النزاهة الأخلاقية للعالم أجمع، التي أصبحت موضع تساؤل، على خلفية الفظائع التي أخفقنا في وضع حدٍّ لها قبل عقدين من الزمن في إقليم دارفور؟

وكما سبق أن قلت ثلاثة أشهر بعد اندلاع الصراع الحالي في السودان، فالمجتمع الدولي لا يمكن أن يتجاهل هذا الصّدى المؤلم للتاريخ، غير أن ذلك بالضبط هو ما حدث. فلقد نسينا بشكل أو بآخر ما لا يُنسى، وعواقب هذا السهو لا تُغتفر. لنكن واضحين، فعدم اكتراثنا قد شجّع أطراف النّزاع على الاستهزاء بالقواعد الأساسية للحرب. لقد رأينا أشخاصًا يُطلق عليهم الرصّاص أثناء محاولتهم الفرار، ورأينا أطفالا قُتلوا ونساءً اغتُصبت، ومستشفيات تمّ استهدافها من المقاتلين.

لقد أشعل جِنرالان فتيل صراع أجبر أكثر من ثمانية ملايين شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، على مغادرة منازلهم، وحصل هذا أمام أعيننا. وقد أدّى هذا الصراع نفسه إلى تأجيج العنف العرقي وانتشار الأمراض، ممّا أفنى الأرواح وذهب بموارد العيش وقوّض أركان المجتمع -الرعاية الصحية والتعليم والزراعة- وأصبح نصف السكان الآن، أي حوالي 25 مليون شخص، في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. تلك هي حصيلة عام من الحرب، ولا ينبغي للسودان أن يعاني من أزمة أخرى. ولذلك يتعيّن علينا أن نغتنم هذه اللحظة باعتبارها لحظةً للمحاسبة وفرصةً لمضاعفة جهودنا في سبيل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية.

واسمحوا لي أن أستهلّ كلامي بهدف في متناول أيدينا إن تعاونا عليه بشكل جماعي:

تمويل شامل للاستجابة الإنسانية: من خلال استضافتها للمؤتمر الإنساني الدولي من أجل السودان والبلدان المجاورة، تقدّم لنا فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي منصّةً للعمل، وليس ثمّة وقتٌ نضيّعه. لقد مُوّل نداؤنا الإنساني لهذا العام بنسبة 6%، وجمعنا 155 مليون دولار من أصل 2.7 مليار دولار [2.5 مليار يورو] التي نحتاجها لمساعدة 15 مليون شخص. بوسع المجتمع الدولي أن يحول دون وقوع مجاعة في السودان، ولكن فقط من خلال التحرك الفوري. وإنني أدعو البلدان إلى الالتزام بسخاء والوفاء بوعودها.

أما الهدف الثاني فبلوغه أصعب في الحقيقة:

الوقف الفوري للقتال: لقد مضى شهر رمضان دون توقف القتال على الرغم من الدّعوات العديدة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وعدد لا يحصى من القادة والهيئات الأخرى من أجل هدنة خلال الشهر الفضيل. من الواضح أننا بحاجة إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار، والوصول إلى حلّ سياسي للصراع من خلال التفاوض.

نحن نعلم أن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها. لكن في انتظار ذلك، يجب على البلدان التي تملك نفوذا وتأثيرا على أطراف النزاع إجبارهم على احترام إعلان الالتزامات الذي وقّعوا عليه قبل أحد عشر شهرا في مدينة جدّة. لقد التزمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات، غير أنها لم تضطلع بمهمتها وفشلت في ذلك بشكل ذريع.

وهذا ما يقودني إلى الهدف الثالث والأخير، وهو الهدف الذي لا ينبغي لنا أن نتوسّل من أجله:

وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق: لقد لقي أكثر من عشرين شخصا يعملون في مجال الإغاثة في السودان حتفهم خلال العام الماضي، ونُهبت عشرات آلاف الأطنان من المساعدات. ويواصل المجتمع الإنساني عمليات الإغاثة -المنظمات المحلية ومتطوّعوها الشجعان في الخطوط الأولى- بانتظام سواء أكان وقف إطلاق النار أم لا. لكن يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك إذا انخرطت أطراف النزاع في حوار إنساني من أجل فتح الطريق أمام وصول المساعدات.

إن ما نحتاجه، بكل وضوح وبكل بساطة، هو أن نكون قادرين على الوصول إلى كل الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة حيثما كانوا، ومن خلال أي مسلك مُتاح سواء عبر الحدود أو خطوط المواجهة. تعيش الغالبية العظمى من الأشخاص المعرّضين لخطر المجاعة خلال الأشهر المقبلة، ويقدّرون بحوالي خمسة ملايين فرد، في مناطق السودان التي يصعب علينا الوصول إليها: دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة. والحيلولة دون وصول المساعدات إلى هؤلاء الناس هو بمثابة إصدار حكم بالجوع عليهم. إن مستقبلهم رهين بقدرتنا جميعا على ضمان احترام هذه الأولويات الثلاث.

إذا عدنا إلى السّلبية والنّسيان فإننا سنكون بذلك نرسل رسالة مفادها أننا لا نكترث لما يحدث في السودان. لقد حان الوقت لكي يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته. ويجب أن يُترجم مؤتمر باريس إلى نتائج ملموسة: فتح المزيد من الممرات أمام العاملين في مجال الإغاثة، والمزيد من التمويل، والمزيد من الدبلوماسية من أجل إنهاء هذه الحرب.

أما بالنسبة إلى أطراف النزاع ومن يقدّم لهم الدعم، فقد حان الوقت لكي يتحلّوا بالواقعية. إنكم تجعلون السودان غير صالح للعيش، وسعيكم وراء النفوذ والموارد يقود البلد نحو الجوع والنزوح والأمراض. أسكتوا البنادق الآن! بعد عام كامل من الحرب، لا بد أن يكون هناك ضوء يلوح في نهاية نفق الظلام والموت هذا. لقد فقد ملايين الأشخاص في السودان منازلهم وسبل عيشهم وأقرباءهم، ولا يمكننا أن نتركهم يفقدون الأمل أيضا.

مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ

عن صحيفة لوموند الفرنسية