الحرب اللغز في السودان والمسؤولية العربية !!

24 أبريل 2023
24 أبريل 2023

ليس منطقيا أن نقوم نحن العرب بإلقاء اللوم على طرف خارجي، وعادة ما يكون غربيا، كلما تعرّضنا إلى مشكلة، أو واجهنا صعوبات في تحقيق ما نريد في قضية أو مصلحة ما، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى تبنّي الكثير منا للعقلية والتفكير التآمري من ناحية، ولرغبتنا أيضا في إعفاء أنفسنا من المسؤولية في الوصول إلى ما وصلنا إليه، أو البحث عن حل من ناحية أخرى، بحجة أننا لا نملك من الأمر شيئا وآخر الأمثلة في هذا المجال، ما يشهده السودان الشقيق من مواجهات مسلحة يقف الكثيرون أمامها مشدوهين ويضربون كفا على كف لفداحة ما يجري بين أشقاء وزملاء سلاح انقلبوا فجأة إلى أعداء، والأكثر خطورة أن السودان الشقيق مجتمعا ودولة ومواطنا يدفع ثمنا غاليا من حاضره ومستقبله وأمنه ومتطلبات حياة أبنائه اليومية مع كل ساعة تمر على هذه المواجهات الخطيرة. فلماذا هذه الحرب التي تثير استغراب الكثيرين حتى الآن على الأقل؟ْ في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أولا: إن السؤال الذي يفرض نفسه يدور بالضرورة حول توقيت الأحداث الدامية في السودان الشقيق، وحول تعرُّض السودان بالذات لها؟ إذ ليس مصادفة أنه مع اتجاه التْطورات في اليمن وسوريا نحو الدخول إلى طريق الحل السلمي والانفراج والالتقاء بين الأطراف المعنية أملا في حقن الدماء تتجه الأوضاع في السودان نحو الانفجار على النحو الذي يدفع إلى تفاقم متزايد، وكأن هناك من لا يريد للمنطقة العربية أن تتخلص من الحروب والمواجهات وأن تنعم شعوبنا بالسلام والاستقرار. والواقع أنه لا يمكن فصل ما يجري عن نقطتين أساسيتين: أولهما هو نجاح السودانيين خلال الفترة الأخيرة وبعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير الذي هرب من سجن كوبر قبل أيام، في بلورة ملامح تجربة تحول ديمقراطي تتحدد في خلالها العلاقة المأمولة بين القوات المسلحة السودانية وبين التيارات المدنية الداعية للتغيير والراغبة في وضع القوات المسلحة السودانية في إطار المسؤولية الدستورية لها كحامية لأمن السودان ومسؤولة عن تأمين وحدته وتماسكه أرضا وشعبا في إطار حكم مدني يحميه الدستور والقانون. ومع إدراك أن الوصول إلى الاتفاق الإطاري الأخير قد مر بمخاض عسير، وبمراحل شد وجذب متنوعة ومتعددة بين القوات المسلحة وعناصر التيار المدني وقواه المتعددة، إلا أن الواقع هو نجاح الأشقاء السودانيين، بقواهم المدنية والعسكرية أيضا في تجاوز الكثير من الصعوبات والعراقيل وصولا إلى الاتفاق الإطاري الذي يعد خريطة الطريق لتحقيق الحكم المدني وضم قوات الدعم السريع إلى الجيش السوداني ووضع الجيش السوداني في حالته الجديدة تحت قيادة رئيس وزراء مدني في نهاية فترة انتقالية طويلة كالعادة في منطقتنا العربية التي لا تريد فيها القيادات في كثير من المواقع ترك مواقعها اقتناعًا منها بأنها هي فقط، وهي وحدها الضامن لتحقيق ما تراه هي مصلحة وطنية تصب في النهاية عندها بشكل أو بآخر. ولكن يبدو أن ذلك لم يرق لبعض الأطراف التي قررت وضع نهاية لهذه التجربة وإغلاق الطريق أمامها، على الأقل لعدة سنوات قادمة، وحتى لو تم ذلك بتدمير السودان وزيادة معاناة أبنائه وتهديد تماسكه ووحدنه الوطنية مرة أخرى، بغض النظر عن أية شعارات يرفعها هذا الطرف أو ذاك لذر الرماد في العيون أو لأية أسباب أخرى. والمهم أن تنتهي هذه التجربة بأي شكل. أما النقطة الثانية فإنها تتمثل في مجموعة المزايا الاقتصادية والاستراتيجية التي يتمتع بها السودان الشقيق والتي تدركها الأطراف والقوى الإقليمية والدولية إلى حد كبير وتعمل أيضا على استغلالها لصالحها، وأقصر الطرق لتحقيق ذلك هو إغراق السودان في المشكلات بكل الطرق الممكنة وهو تكتيك ناجح ومجرب من قبل. ولكن المأساة هي أن دولة عربية مهمة وشعبا عربيا آخر يتم دفعه إلى الهاوية، حتى ولو كان على يد بعض أبنائه، سواء كانوا يعلمون أو لا يعلمون.

ثانيا: أنه في ظل طبيعة الأوضاع السودانية الداخلية، وخاصة بعد انفصال جنوب السودان -وكذلك التعدد العرقي والقبلي والطبيعة الخاصة للسودان كرابط وهمزة وصل بين العالم العربي وأفريقيا- فإن تعدد الأطراف والقوى المعنية بالسودان يفتح الباب لتدخلات خارجية عديدة، وبأشكال مختلفة، ويزيد من تأثيرها أن الشعب السوداني من الشعوب العربية المغرمة بالسياسة. وإذا كان تشكيل «البشير» لقوات الدعم السريع قبل نحو ثماني سنوات قد أوجد قوة مسلحة أخرى موازية للجيش السوداني، وإن كانت على تنسيق ما معه في فترة التوافق بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وبين قائد قوات الدعم السريع «حميدتي»، نائبه في رئاسة المجلس الرئاسي، حتى انفجار المواجهات الأخيرة فإن هذه المواجهات وشراستها والإصرار على الاستمرار فيها يشير بوضوح إلى أن أسبابها لم تنشأ فجأة ولكنها كخلافات تراكمت وظلت مكتومة بشكل أو بآخر حتى ظهرت إلى السطح عندما زاد الخلاف حول الاتفاق الإطاري الذي تضمن خطوات ضم قوات الدعم السريع وقوات الجيش وإجراءات ومراحل الانتقال إلى الحكم المدني وهنا من غير المستبعد أن تكون هناك مطامع سياسية أو مالية أو غيرها وهو ما تردد صداه في الاتهامات المتبادلة بين القيادات السودانية في الأيام الأخيرة، ومع احترام الشؤون الداخلية السودانية ورفض التدخل أو محاولات التلاعب بها من جانب أي طرف، خاصة في ظل التنافس الأمريكي الروسي ومحاولة روسيا إنشاء قاعدة بحرية لها في بورسودان ومعارضة واشنطن المعروفة لذلك، فإنه يبدو أن مجموعة الاتصالات السياسية المكثفة التي قام بها قائد قوات الدعم السريع مع عدة قيادات في المنطقة في الفترة الأخيرة قد أعادت توجيه تفكيره بشكل ما في ظل معارضة البرهان للاتفاق الإطاري، ويظل ذلك مرهونا في الحكم عليه بالاتجاه الذي ستتخذه الأحداث، وهو اتجاه يبعث على القلق للأسف الشديد. ولعله تجدر الإشارة إلى أنه مهما كانت محاولات القوى الخارجية المتربصة بنا كعرب، فإنها لن تستطيع تحقيق أهدافها إلا من خلال قوى داخلية تعمل أو تتعاون معها، أو في إطار أهدافها بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن المسؤولية لا تعود كلها إلى القوى الغربية أو التي تريد الإضرار بنا ولكنها تقع أيضا على عاتق القوى الداخلية، التي ترغب في تحقيق أهداف معينة حتى لو قدمتها في صورة جذابة أو مبررة على المستوى الإعلامي والسياسي. ومن المفارقات أن كلا الطرفين يتحدث عن الديمقراطية والانتقال إلى الحكم المدني في الوقت الذي تسهم قوات كل منهما في تدمير البنى التحتية واقتصاد السودان وحرمان أهله من الرعاية الطبية ومتطلبات الحياة.

ثالثا: أنه في الوقت الذي استنكرت فيه مختلف الأطراف العربية والإقليمية والدولية الحرب في السودان ودعت فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية إلى وقف القتال أو على الأقل التوصل إلى هدنة مؤقتة، تتعثر المحاولات الجادة لوقف القتال، أو بمعنى أدق توجد حالة انتظار حتى تتضح على الأرض مآلات المواجهات الجارية، وهي مسألة لا يمكن أن تخدم السودان دولة ومجتمعا وشعبا، بل أن استمرار القتال يهدد وحدة السودان وأمنه وليس مصادفة أن تقوم قوات إثيوبية بالتقدم في مواقع استردتها القوات السودانية من قبل. على أية حال فإنه إذا كانت هناك حالة صمت تصل إلى حد التآمر ضد السودان، فإن مسؤولية أساسية تقع على عاتق القيادات السودانية ومن جانب آخر على عاتق الأشقاء العرب؛ للحفاظ على وحدة وسلامة وأمن السودان الذي يؤثر على الأمن القومي العربي وعلى الاستقرار في المنطقة، فالعرب هم الأولى بالسودان الشقيق قيل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبالتأكيد يحتاج الأمر منهم إلى ما هو أكثر من البيانات التي لا تقدم إسهاما جادا لوقف المأساة وإنقاذ السودان الشقيق حتى لا نجد السودان في حالة نحزن عليها بشدة بعد ذلك.