الجامعة داعم وليست عبئا على سوريا !!

15 مايو 2023
15 مايو 2023

سيظل يوم السابع من مايو 2023 من الأيام العربية ذات الأهمية الكبيرة فيما يتصل بالعمل العربي المشترك بوجه عام، وبسوريا وعلاقتها بجامعة الدول العربية بوجه خاص كنموذج للعلاقة بين جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها، خاصة في مرحلة يزداد فيها الشعور العربي العام بالحاجة إلى لم الشمل العربي وإلى إعادة ترتيب الأوضاع العربية على أمل أن نتمكن كدول عربية من ْالتعامل على نحو أكثر فاعلية، سواء مع قضايانا المفتوحة أو مع القوى الإقليمية والدولية الطامعة والمتربصة بنا وبمواردنا والتي تحلم وتخطط للسيطرة عليها بكل السبل الممكنة.

وأْهمية هذا اليوم لا تنبع فقط من أنه اليوم الذي قرر فيه مجلس جامعة الدول العربية بالإجماع عودة سوريا إلى شغل مقعدها واستْئناف مهام عضويتها في الجامعة، ولكنه ينبع أيضا من أن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية وإلى مكانها الطبيعي بين أشقائها يمكن أن يكون بمثابة بداية مرحلة عربية جديدة من المأمول أن تدشنها قمة الرياض المقرر عقدها خلال هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية الشقيقة، بل ينبغي أن تكون كذلك، حسبما يتطلع ملايين العرب الذين سئموا حالة التدهور التي تعيش فيها دول وشعوب المنطقة على مدى أكثر من عقد من الزمن، وإذا كانت المملكة العربية السعودية الشقيقة قد أعلنت بوضوح أنها ستبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق لم الشمل العربي ومن أجل السير على طريق حل القضايا والخلافات العربية سلميا وتطوير العلاقات السعودية مع عدة أطراف عربية وإقليمية ودولية على نحو أكثر إيجابية واتخاذ كل ما يلزم في هذا المجال، وهو ما بدأ بالفعل بالنسبة لليمن والأحداث في السودان والعلاقات مع قوى عدة، فإن قوة ووضوح الإرادة السياسية للقيادة السعودية وترحيبها بالتعاون مع الأشقاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى المستوى العربي العام ثنائيا وجماعيا قد أثبت أهميته وجدواه من خلال اللقاءات والمشاورات التي جرت في الآونة الأخيرة وتوجت بقرار عودة سوريا إلى موقعها الطبيعي بين أشقائها والذي طال انتظاره. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا، إنه من الأهمية بمكان، خاصة على صعيد العلاقات والممارسة السياسية بين الأشقاء والتوافق فيما بينهم، أن تعمل الدول الشقيقة جميعها ودون استثناء وبإخلاص أيضا من أجل الاستفادة من دروس السنوات الأخيرة وما جرّته على الدول والشعوب العربية من ويلات لم ينته عدد منها حتى الآن. والهدف الأساسي لذلك ليس إلقاء اللوم ولا محاولة إلقاء المسؤولية على عاتق طرف ما، ولكن العمل على تجاوز عثرات ومشكلات الماضي والتمهيد لحاضر ومستقبل نحتاج فيه إلى العمل معا وإلى ضم قدراتنا معا لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة ووفق أسس واقعية بعيدا عن شعارات فشلنا في تحقيقها عمليا عقودا طويلة ودون سقوط وتخندق واحتماء وراء تحفظات تحول دون التقدم في اتجاه تحقيق مصالح عملية تستفيد منها شعوبنا ودولنا الآن وفي المستقبل. وفي ظل تغيرات كثيرة وخبرات وتطورات جرت في السنوات الأخيرة وطالت بالفعل مختلف جوانب الحياة والعلاقات العربية، وحتى النظرة للعلاقات المتبادلة، فإنه من الممكن أن نحدد، ودون حرج، نقاط الالتقاء على أساس المصالح العملية المشتركة المتبادلة والعادلة أيضا وفي إطار أخوي فيما بيننا دولا وشعوبا، ودون أن يلقي طرف أثقاله على طرف أو أطراف شقيقة أخرى فلكل ظروفه وأولوياته، وحساباته التي لم يعد ممكنا ولا مقبولا على مستويات شعبية عدة التعامل معها بمفاهيم خمسينيات القرن الماضي، وما صاحبها من دوافع وتطلعات وحسابات أثرت سلبا وبدرجات مختلفة في شعارات القومية والأخوة والعروبة التي لم تصمد عندما طلت الخلافات برؤوسها بين الأشقاء، بغض النظر عن الأسباب، وليس ذلك أمرا حديثا ولكنه حدث وتكرر منذ عقود وسنوات عديدة والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى وعلى كل مستويات المسؤولين العرب. ومع الإيمان بقيمة ما يربط بيننا كأشقاء من وشائج وروابط عديدة وعميقة وتاريخية، إلا أن قوة وسطوة المصالح المادية والعملية ظهرت بقوة منذ البداية وإن كان في أشكال وصيغ حاولت الأطراف المختلفة تخفيف الآثار السلبية لها خاصة على الصعيد الإعلامي وإن كانت قد فشلت في ذلك في حالة اشتداد الخلافات أو في حالة زيادة التوقعات على هذا الجانب أو ذاك وعدم قدرة أو عدم رغبة الطرف الآخر على تلبيته وذلك وفق حساب كل طرف لظروفه ومصالحه.

ثانيا: إن قرار استعادة سوريا لمقعدها واستئنافها لمهام عضويتها في جامعة الدول العربية يفتح المجال أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية واستئناف الاتصالات بين سوريا وأشقائها، وفي حين تم استئناف العمل بالفعل - على سبيل المثال - في السفارة السورية في الرياض والسفارة السعودية في دمشق قبل أقل من أسبوع كما تمت دعوة الرئيس السوري للمشاركة في القمة العربية الثانية والثلاثين التي ستستضيفها السعودية في الرياض خلال الأيام القادمة، والتي نأمل أن تكون قمة جمع الشمل العربي والتمهيد لتجميع الإمكانات العربية الجماعْية وفق مفاهيم عملية تخدم المصالح الجماعية العربية المشتركة والمتبادلة وبتوافق تلتقي عليه كل الأطراف العربية شعبيا ورسميا حتى يتحقق له البقاء والاستمرار. وتجدر الإشارة إلى أن عقد التدهور العربي الذي بدأ عام 2011 قد نال كثيرا من سوريا الدولة والشعب، بسبب الحرب المستمرة منذ مارس 2011 وما صاحبها من تطورات وتدخلات وتقاطعات مصالح عربية وإقليمية ودولية وما خلفته من نتائج بالنسبة لسياسات سوريا، وهو ما سيحتاج بالضرورة وقتا طويلا وجهدا كبيرا ستحتاج فيه سوريا إلى كل قواها الذاتية وإلى كل دعم مخلص من جانب الأشقاء والأصدقاء عربيا وإقليميا ودوليا أيضا بقدر الإمكان، فإنه من المؤكد أن إطار العمل العربي المشترك وفق ميثاق جامعة الدول العربية هو الإطار الأكثر ملاءمة، ليس فقط لأن ميثاق الجامعة هو الذي ينظم ويحدد مبادئ وأسس وضوابط العمل العربي المشترك بغض النظر عن التقييمات المتفاوتة والشائعة للجامعة وعملها وقدراتها، ولكن أيضا لأن ذلك هو ما ترتضيه الدول العربية وعادت إليه أيضا.

ثالثا، إنه في ضوء الجدل وبعض وجهات النظر التي طرحت وتزامنت مع الموافقة العربية على استئناف سوريا لمهام عضويتها في الجامعة وإشارة البعض إلى أن عودة سوريا «مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات نظرا لتعقيدات الأزمة بعد 12 عاما من الصراع» وكذلك إشارة الأمين العام للجامعة العربية إلى أن «قرار عودة سوريا هو «بداية حركة ولكنه ليس نهاية مطاف.. بمعنى أن مسار التسوية سيأخذ مرحلة من الإجراءات»، ولأن هناك من حاول الإيحاء بأن عودة سوريا إلى ممارسة مهام عضويتها قد تكون مشروطة بشروط ما أو مرهونة بخطوات سورية محددة في إطار ما يسمى «خطوة مقابل خطوة» حتى لو كان ذلك لمساعدة سوريا، فإنه ليس من الصحيح الربط ولا الخلط بين استعادة سوريا لمقعدها وبين خطوات أو محاولات حل الأزمة السورية أو بين علاقات بعض الأشقاء معها. وكما قال الأمين العام فإن عودة سوريا لممارسة مهام عضويتها وهي عملية ستتطلب بالضرورة حل عدد من الجوانب والمشكلات التنظيمية والإجرائية والمالية بين سوريا والجامعة فإن قرار العودة خاص «باستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة ولكن العلاقات معها هو قرار سيادي لكل دولة عربية» ومع ضرورة الفصل بين عودة سوريا وبين حل الأزمة السورية التي نشأت واتسعت منذ 2011، فإنه من المهم أن تعمل دول الجامعة على المستويين الفردي والجماعي بصدق من أجل احتضان سوريا ودعمها سياسيا واقتصاديا في جهودها لحل مشكلاتها والحفاظ على أمنها وسيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها وأمنها الوطني، خاصة وأن سوريا لا يمكن المزايدة عليها على أي نحو لا داخل الجامعة ولا خارجها خاصة على الصعيد القومي.