التنوع الاستراتيجي في عالم متعدد التحالفات: تجربة الهند
30 ديسمبر 2025
ترجمة: نهى مصطفى
30 ديسمبر 2025
بينما تعيد الولايات المتحدة تقييم التزاماتها العالمية وتشكك في النظام الدولي القائم، يسعى حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها القدامى إلى إيجاد بدائل لاستراتيجيات السياسة الخارجية التي تعتمد بشكل كبير على واشنطن. ناقشت كل من كندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي بناء علاقات مع عدد أكبر من الدول.
على الرغم من أن العديد من هذه الدول لا تسعى إلا إلى تنويع علاقاتها الخارجية، فقد التزمت الهند بهذه الاستراتيجية منذ زمن طويل. فقد كان تحقيق التوازن بين شركاء متنوعين دون الالتزام الكامل بأي دولة أو تحالف جوهر السياسة الخارجية الهندية منذ استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني عام ١٩٤٧.
وعلى مر السنين، أُطلقت على هذه السياسة مسميات مختلفة - عدم الانحياز، والانحياز الثنائي، والانحياز المتعدد، والمشاركة الشاملة - إلا أن النهج ظل واحدا. فعندما تنجح هذه الاستراتيجية المتنوعة، فإنها تمكن نيودلهي من تجنب الخضوع لقرارات أي شريك، ومن توظيف التنافس بين الدول لتعزيز موقفها.
خلال الحرب الباردة وما بعدها، سعت الهند للحفاظ على توازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ودول أخرى، مع تجنب الاعتماد الكامل على أي شريك. ومع تحالفها المتزايد مع الولايات المتحدة في القضايا الأمنية والاقتصادية، دفعت سياسات إدارة ترامب من تعريفات جمركية ومطالب تجارية الهند لإعادة تقييم مكانة واشنطن، وتعزيز تنويع شراكاتها مع حلفاء وأعداء الولايات المتحدة على حد سواء. توضح تجربة الهند أن تنويع الشراكات الخارجية يعزز الاستقلالية ويتيح مرونة في ظل سياسات القوى العظمى، لكنه يتطلب إدارة مستمرة للعلاقات وتوازن دائم. كما أن التنويع وحده لا يكفي للردع، ما استلزم تعزيز الدفاعات وتطوير رادع نووي، وتخفيف التوتر أحيانا مع الخصوم، لتجنب الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على شركاء متعددين.
تكونت سياسة الهند الخارجية بعد استقلالها عام 1947 في ظل بداية المنافسة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
حرصت نيودلهي على الاكتفاء الذاتي مع إقامة شراكات متعددة لتأمين الإمدادات العسكرية والاقتصادية دون الانحياز لأي كتلة. في أوائل الخمسينيات، طلبت الهند مساعدات اقتصادية وغذائية من الولايات المتحدة واستمرت بالتواصل مع موسكو، رغم تحفظ الاتحاد السوفييتي في البداية.
انتقدت واشنطن عدم انحياز الهند خلال الحرب الكورية، لكنها منحتها مساعدات غذائية بموجب قانون 1951 بشرط عدم تقديم موارد استراتيجية للكتلة الشيوعية. في منتصف الخمسينيات، عرضت موسكو مساعدات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية جذابة، ما دفع نهرو لتعزيز العلاقات مع الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، مستفيدا من التنافس بين القوتين للحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية وتقنية، مما عزز استقلال الهند وقدرتها على تنويع مصادر اعتمادها.
في عام 1962، هزمت الهند في نزاع حدودي مع الصين، ووجدت موسكو غير موثوقة والولايات المتحدة شرطية في دعمها، ما أكد لها أن الشريك الواحد قد يكون غير موثوق. خلال حرب 1965 مع باكستان، استعانت الهند مجددا بالولايات المتحدة والسوفيت، ما أكد نجاح استراتيجيتها المتنوعة.
تحت قيادة إنديرا غاندي منذ 1966، وسّعت الهند دائرة شركائها، بما في ذلك أستراليا واليابان وسنغافورة، وحاولت تقليل اعتمادها على أي قوة عظمى، بما في ذلك التطبيع الجزئي مع الصين.
في 1971، وقعت مع الاتحاد السوفييتي معاهدة رسمية لتأمين دعم محدود في حربها مع باكستان. ومع تراجع اهتمام واشنطن بالهند بعد التقارب الأمريكي-الصيني 1971-1972، سعت نيودلهي لبناء شركاء آخرين وتطوير برنامج نووي مستقل لتوفير رادع وتقليل الاعتماد على الاتحاد السوفيتي.
صمد هذا النهج أمام الاضطرابات الداخلية. بعد خسارة حزب المؤتمر الوطني الهندي للسلطة عام 1977، استمر القادة الهنود في سياسة خارجية متنوعة، حيث اقترح مورارجي ديساي الحفاظ على علاقات مع الاتحاد السوفيتي، إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، وتطبيع العلاقات مع الصين، وتعزيز القدرات المحلية.
وعادت إنديرا غاندي عام 1980 لتتبع النهج نفسه. رغم ذلك، ظل اهتمام الشركاء الغربيين محدودا، فاعتمدت الهند بشكل كبير على الاتحاد السوفيتي. وعند انهيار الاتحاد عام 1991، اضطرت نيودلهي لإعادة النظر في شركائها بسبب أزمات خارجية ومالية.
في فترة ما بعد الحرب الباردة، ركزت الهند على إعادة التوازن من خلال إقامة شراكات جديدة وإحياء القديمة، مثل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1992 وتجديد الشراكات في شرق وجنوب شرق آسيا، وتعزيز الاقتصاد والدفاع بعد الإصلاحات النووية 1998.
في القرن الحادي والعشرين، حافظت السياسة الخارجية على استقلاليتها، حيث عززت الحكومات العلاقات مع الولايات المتحدة واستكشفت التعاون مع الصين، وانضمت إلى مجموعات مثل كواد والبريكس. وواصلت حكومة مودي منذ 2014 تنويع الشركاء لتأمين الدعم الدبلوماسي والدفاعي والاقتصادي، مع خفض الاعتماد على روسيا في واردات الدفاع من 76% بين 2000-2004 إلى 36% بين 2020- 2024.
في العقد الأول من الألفية الثانية، حاولت الهند تقوية الشراكة مع الصين لكنها تبنت موقفا حذرا بعد المواجهات العسكرية 2013-2020، بما في ذلك الاشتباك الدامي على الحدود عام 2020، وتحولت نحو موازنة علاقاتها مع بكين.
أصبح الاعتماد على روسيا أقل أهمية، مع الاستمرار في الحفاظ على العلاقات. في المقابل، وسعت حكومة مودي التعاون مع الولايات المتحدة في الدفاع والأمن والاقتصاد والتكنولوجيا، بما في ذلك مناورات عسكرية وتعاون تقني مثل إنشاء مركز ذكاء اصطناعي بتكلفة 15 مليار دولار.
وحافظت الهند على تنويع الشركاء عبر تعزيز العلاقات مع أستراليا واليابان، وتجديد الشراكات الأوروبية مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وبناء علاقات في العالم النامي، مثل بيع صواريخ للفلبين واتفاقيات تجارية مع الإمارات والحصول على معادن حيوية من الأرجنتين.
ساعد التنويع الهند على مواجهة المنافسين والحصول على الدعم عند تخلي شركاء مثل موسكو عام 1962 أو واشنطن عام 1971، وبناء قدراتها المحلية، بما في ذلك قطاع الفضاء والتعاون مع وكالات مثل ناسا. استلزم النهج البراجماتية وضبط النفس، مثل الامتناع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا 2022 أو الرسوم الجمركية الأمريكية.
اختارت الهند الغرب في التقنيات الحيوية لتجنب الضعف أمام الصين.
إلا أن التنويع له سلبياته: إساءة إدارة العلاقات قد تثير استياء الشركاء، والاعتماد على عدة جهات يخلق تعقيدات ومخاطر، ويحد من الوصول للتقنيات المتقدمة أحيانا، ويضعف التأثير الرادع مقارنة بالتحالفات الرسمية. لتعويض ذلك، وقعت الهند اتفاقيات دفاع جوي مع واشنطن 1963 ومع موسكو 1971، مع الحفاظ على استقلاليتها العسكرية والنووية.
تتطلب الاستراتيجية تقييما مستمرا لعلاقات الهند مع شركائها، كما يظهر في تعاملها مع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج، وفي التوازن بين التعاون مع روسيا وأوروبا، لضمان الحفاظ على حرية القرار دون المساس بالأمن أو المصالح الاستراتيجية.
تستفيد الدول، بما فيها الهند، من التنويع في السياسة الخارجية لتعزيز الأمن والنمو والتعامل مع عدم موثوقية الشركاء، مع مراعاة مخاطره على الاستقلالية والردع. رغم هذه المخاطر، تواصل الهند سياسة الشراكات المتعددة، وتعيد تنويع علاقاتها في مواجهة الضغوط الأمريكية وتنافس الصين، عبر تعزيز الشراكات مع أوروبا، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وكندا، والحفاظ على العلاقة مع روسيا، ومحاولة استقرار العلاقات مع الصين، كما ظهر في لقاءات مودي مع شي جين بينج وبوتين في أغسطس 2025.
تواصل الهند الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة وتعزيزها لتقوية قدراتها ونفوذها، مع الاستمرار في تنويع شراكاتها الاقتصادية والأمنية.
الدول التي تتبنى استراتيجية التنويع ستستفيد من تقليل المخاطر وبناء القدرات، لكنها ستواجه شبكة علاقات دولية أكثر تعقيدا، حيث يحدد نجاح إدارة هذه العلاقات ما إذا كان العالم سيتجه نحو الأمن والاستقرار أو نحو اضطرابات متزايدة.
