التطورات في إسرائيل.. إلى أين؟

13 مارس 2023
13 مارس 2023

بالرغم من أن إسرائيل شهدت عددا من الأزمات الداخلية، ومن أبرزها: تعمق واتساع الفجوة والخلافات بين القوى السياسية والتيارات الأيديولوجية الإسرائيلية المختلفة، وكذلك بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، إلا أن ما يحدث في الأسابيع الأخيرة، والذي يأخذ منحى متصاعدا ومتواصلا في الممارسات الهمجية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من ناحية، وتصاعدا في الخلافات والمصادمات حول الإصلاحات القضائية التي تحاول حكومة نتنياهو تمريرها من ناحية أخرى، أثار ويثير قلق الكثيرين من المسؤولين، سواء في المعارضة والحكومة الإسرائيلية، أو في أوساط خارجية صديقة لإسرائيل بشكل أو بآخر، وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالطبع. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا: إن الصراعات التاريخية، ومنها على سبيل المثال: الصراع العربي- الإسرائيلي، والتي يميل البعض إلى اختزالها، وذلك بتسميتها حسب زعمهم صراع «فلسطيني إسرائيلي» بشكل متعمد ولأسباب معروفة، هو صراع متعدد الوجوه والأبعاد والأطراف أيضا، ومن ثم لا يمكن التعامل معه خاصة على المستوى الجماهيري، من منطلق عاطفي رغائبي، وصحيح أنه تم توظيف ذلك في عقود ماضية للسيطرة على الجماهير العربية والأمثلة في هذا المجال عديدة، ولكن الصحيح أيضا أن القدرة على ذلك تضاءلت بفعل عوامل عديدة نرى نتائجها متجسدة على الأرض على امتداد المنطقة. ومن هنا فإنه من غير الصحيح الوقوع في مطب الاستسلام لرغبة أو بالأحرى لتمنيات قطاعات غير قليلة عربية وإسلامية بزوال إسرائيل أو على الأقل انتهاء وجهها الاستعماري الاستيطاني العنصري في إطار حل الدولتين، وما يمكن أن تتطور إليه العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية في المستقبل في إطار الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، ولمشكلة الشرق الأوسط بكل أبعادها السياسية والجغرافية والإنسانية والاقتصادية دون تفريط في الحقوق أو المصالح العربية، ومن ثم فإنه من غير الصحيح الاستسلام لفكرة أن إسرائيل على وشك الانهيار بسبب المشكلات الحالية، أو أنها ستنهار بالقصور الذاتي، كما يتمنى البعض.

غير أن الوجه الآخر للمشكلات وحالة الفوضى التي تسود إسرائيل الآن هو أن هذه الحالة، وما يمكن أن يترتب على استمرارها واتساعها، هو تعميق الشروخ والفجوات والتباعد بين قوى المجتمع الإسرائيلي، وتسهيل إمكانية المواجهة والصراع فيما بينها وهو ما يدفع بشكل أكبر نحو تفسخ المجتمع الإسرائيلي بشكل أسرع وأكثر خطرا مما يتوقع الكثيرون، وهذا ما تخشاه بالفعل القيادات الإسرائيلية والصهيونية الكثيرة داخل إسرائيل وخارجها.

ثانيا: من المؤكد أن من أهم مصادر الخطر التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي في هذه الفترة هي السياسات الهمجية لليمين الإسرائيلي المتطرف، المتمثل في الأحزاب الدينية وقيادات المستوطنين الذين يشغلون مناصب قيادية ومؤثرة في تسيير الشؤون السياسية والداخلية في إسرائيل من ناحية، وقناعة تلك القيادات بأن التصعيد وممارسة درجة أعلى من العنف ضد الفلسطينيين يمكن أن تفرض عليهم الخضوع للسيطرة الإسرائيلية أو القبول بها بشكل أو بآخر من ناحية أخرى، وهذا مصدر خطر كبير الآن، وذلك من منطلق أن خبرة النضال الفلسطيني على مدى قرن تقريبا أكدت ليس فقط تمسك الفلسطينيين بأرضهم وبحقوقهم المشروعة، ولكن أيضا استعدادهم للدفاع عنها والتضحية من أجلها مهما كان الثمن وما يجري على الأرض في القدس والضفة الغربية وغزة، واتساع وتعدد أعمال المواجهة المسلحة يشير بوضوح إلى أن التصعيد يمكن أن يستمر ويتسع بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل، وبما يجعل الوضع في إسرائيل مفتوحا على كل الاحتمالات في الواقع.

وإذا كان اليمين الإسرائيلي يرى في أساليبه الوحشية أقصى ما يمكنه اللجوء إليه لتنفيذ رؤاهم وما يعتقدونه، فإنه من الطبيعي أن تلك الممارسات تستدعي بالضرورة ردود فعل فلسطينية، وهو ما يضع المجتمع الإسرائيلي في حالة من المواجهة وعدم الاستقرار تؤثر بالضرورة على قطاعات المجتمع الأخرى التي باتت أكثر إدراكا للمخاطر التي تسببها سياسات وممارسات اليمين الإسرائيلي المتطرف على حاضر ومستقبل إسرائيل، ومن شأن ذلك أن يسهم في تغيير الرأي العام والمزاج اليميني المتطرف داخل إسرائيل خلال الفترة القادمة بكل ما قد يترتب على ذلك من إمكانية تغيير القناعات في الشارع الإسرائيلي في أي انتخابات قادمة. ثالثا: إن في الوقت الذي لا يمكن فيه لحكومة نتانياهو المتطرفة والعنصرية ضمان استمرار إبعاد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر عن الانخراط بشكل متزايد في أعمال الاحتجاجات ضد الحكومة والتعاطف مع إخوانهم الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة إذا استمرت المواجهات الدامية والأساليب الهمجية للقوات الإسرائيلية وللمتطرفين وقطعان المستوطنين، وفي ضوء ما حدث من قبل، فإن المشكلة التي تزيد من حالة الفوضى داخل إسرائيل تتمثل في تداخل وتقاطع المشكلات التي يزيد اليمين الإسرائيلي من تفاقمها، سواء مع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية المحتلة؛ بسبب ممارسات أثبتت فشلها، ومن الخطر استمرار المراهنة عليها أمنيا وسياسيا واجتماعيا، خاصة في ظل المناخ السائد داخل إسرائيل، أو مع فئات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي؛ بسبب إصرار حكومة نتانياهو على المضي في خطتها لإصلاح القضاء لخدمة المصالح الشخصية لرئيس الوزراء، والخطر في هذا الجانب يتمثل ليس فقط في أن الخلاف حول إصلاح القضاء يجتذب قطاعات ذات وزن في المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك عسكريون وخبراء ومثقفون ومعارضة بالطبع، ولكنه يتمثل أيضا في أن الخلاف يكشف الوجه الديكتاتوري لحكومة نتانياهو، ولدرجة أن أحد شعارات الاحتجاجات ضد إصلاحات القضاء أخذت صيغة «الاحتجاج ضد الديكتاتورية»، وهو ما يكشف حقيقة حكم نتانياهو، وينزع عن إسرائيل غلاف الديمقراطية الذي طالما تباهت به في مواجهة العرب فضلا عن أنه يؤكد عنصريتها ويدفع بها نحو مزيد من التنافر بين قواها الاجتماعية والسياسية، على نحو لا يمكن لأي دعاية أن تغطيه أو تحد من آثاره السلبية على واقع وحاضر إسرائيل ومستقبلها، حتى لو استغرق حدوث ذلك بعض الوقت.

وإذا كان وزير الدفاع الأمريكي قد أشار خلال زيارته لإسرائيل الخميس الماضي إلى أنه أجرى مناقشة صريحة جدا بين الأصدقاء حول الحاجة إلى تهدئة وتخفيف التوترات واستعادة الهدوء خاصة قبل عيد الفصح اليهودي وشهر رمضان، فإنه أعرب أيضا عن أن بلاده تعارض بشدة أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن بما في ذلك التوسع الاستيطاني والخطاب التحريضي، فإنه ليس مصادفة أن تظهر كلمات وعبارات الهلع والخوف على مستقبل إسرائيل في تصريحات نتانياهو والرئيس الإسرائيلي وغيرهما، وحتى رئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبيرج الذي اعتبر أن إسرائيل تتجه نحو كارثة وأن حكومة نتانياهو تدمر الاقتصاد والديمقراطية وتعرض أمنها للخطر.

في ظل هذه الأوضاع والمخاطر المترتبة على التصعيد فإنه من غير المستبعد أن يلجأ نتانياهو إلى قلب الطاولة على حلفائه في الحكومة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة ليس فقط للخروج من المأزق ولكن أيضا للتفكير فيما يمكن اتخاذه بعد الاتفاق السعودي الإيراني على عودة العلاقات بين البلدين والذي سيؤثر على أوضاع المنطقة، وقد ساهمت سلطنة عمان بدور نشط وملموس ودون ضجيج كعادتها في التوصل إلى الاتفاق إلى جانب العراق والصين وقد شكرتها السعودية وإيران على ذلك. وعلى أي حال فإن الأمر من جانب نتانياهو سيتوقف إلى حد كبير على نتائج زيارة وزير الدفاع الأمريكي القادمة إلى المنطقة والتي ستدور حول إيران بعد الاتفاق الأخير الذي قلل عمليا من احتمالات الحرب ضدها.