التصريحات الإسرائيلية الفلسطينية المتضاربة ماذا تعني؟!

19 فبراير 2024
19 فبراير 2024

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل القتال في قطاع غزة، وإن كان بوتيرة أقل نسبيًا بعد أن دمرت نحو 30% من مباني القطاع وقتلت نحو 29 ألف فلسطيني وجرحت أكثر من 66 ألف شخص منهم أكثر من أحد عشر ألفًا وخمسمائة طفل فلسطيني وهى حصيلة مخيفة أدانت إسرائيل على نطاق عالمي وأمام محكمة العدل الدولية أيضا، وساهمت كذلك في حشد تأييد دولي واسع النطاق لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كسبيل لا غنى عنه لتحقيق الحل والاستقرار في المنطقة، وللمرة الأولى تلتقي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وبالطبع الأمم المتحدة والعديد من الدول في مختلف قارات العالم تأييدا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب إسرائيل خلال الفترة القادمة بغض النظر عن الجدل المتواصل حول حل الدولتين ورؤية الأطراف المختلفة له والمعارضة التامة لإسرائيل حتى الآن على الأقل. ومع الوضع في الاعتبار أن هناك رؤى ومواقف واقتراحات عديدة تصاغ وتطرح على مستويات متعددة وبمشاركة واجتهادات أطراف مختلفة، إلا أن الأمر لم يتبلور بعد حتى الآن على الأقل، ولذا فإن ما حدث في الأشهر الأخيرة هو تحرك غربي واضح في اتجاه دعم حل الدولتين في ظل قناعة متزايدة بأن الدولة الفلسطينية المستقلة ضرورة تحتاجها المنطقة أكثر من أي وقت مضى حسبما قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن قبل أيام وفي هذا الإطار فانه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا: أنه ليس من المبالغة القول إن عملية حماس في أكتوبر الماضي قد أدخلت القضية الفلسطينية إلى مرحلة مختلفة لم تتوفر من قبل على هذا النحو بالنسبة لمدى وإرادة العمل لحل القضية الفلسطينية بشكل جاد وبضمانات دولية تكفل استمرارها وضمانها. ومع الوضع في الاعتبار تاريخ القضية الفلسطينية والتطورات التي مرت بها على مدى خمسة وسبعين عاما أن التغلب على مشكلات الحل والتوافق على عناصره ومراحله يمكن الوصول إليه أو تحقيقه عمليا خلال وقت ليس بالقصير، ومن ثم فإن ما يبدو من تنوع وتعدد وكثافة التحركات، وتدخل أطراف معلنة وغير معلنة للوساطة يلقي ضوءًا ويعني ببساطة أن الاهتمام بإيجاد حل هو اهتمام جاد وكبير، حتى وإن كانت الأضواء تتركز على عدد محدود من الدول من أجل ضمان نجاح يتطلع إليه الجميع بشكل أو بآخر. وهو تطور يستحق الاهتمام والتشجيع برغم أية عقبات من جانب إسرائيل. جدير بالذكر أن من الأمور ذات الدلالة أن الأسابيع الثلاثة الأخيرة والتي تركزت الاتصالات فيها حول السعي للتوصل إلى صفقة تبادل جديدة للمحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين على خلفية هدنة أطول نسبيا.

قد تصل إلى ستة أسابيع، ومن ثم قد تتحول إلى مدخل لوقف إطلاق نار دائم في غزة إذا تم التوافق على عناصر الخلاف بين حماس وإسرائيل، والغريب أنه في حين كان يتم مناقشة ذلك انتقلت إسرائيل وحماس إلى محاولات متبادلة لجس النبض وطرح مواقف تفاوضية

مبكرة على هذا الجانب أو ذاك وهو تكتيك تفاوضي معروف سواء للتمهيد لما هو قادم أو لطرح مواقف جديدة والمناورة بمقترحات يريد من يطرحها أخذها بجدية من جانب الطرف الآخر ووضعها في اعتباره، وعلى سبيل المثال

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه مستمر في الحرب في غزة وأن القتال هو الطريق للضغط على حماس وبالتالي لتحقيق الأهداف المحددة والتي لن تتحقق إذا توقفت الحرب.

على صعيد آخر أكد نتانياهو في الأيام الأخيرة أنه لن يعترف بدولة فلسطينية وأنه لن يقدم هدايا للفلسطينيين وأنه لن يقبل إملاءات دولية خارجية وأن التسوية السلمية يجب أن تقوم على أساس مفاوضات مباشرة وبدون شروط مسبقة، وهنا انتقل نتانياهو إلى شروط التفاوض وأراد أن يحدد شروطه حسبما يريد وذلك في الوقت الذي رفض فيه مطالب حماس لعقد صفقة جدية لتبادل المحتجزين لدى الجانبين وحمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية تعطيل المفاوضات.

من جانبه أكد بيني جانتس عضو حكومة الحرب والذي اختلف مع نتانياهو من قبل حول إدارة الحرب أنه على حماس إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين سريعا وإلا فإنه سيتم اجتياح رفح بشكل واسع النطاق، ويعني ذلك ببساطة أن إسرائيل يمكن أن تتراجع، ولو جدلا، عن اجتياح رفح إذا تم إطلاق سراح الرهائن وهذا موقف تفاوضي في النهاية وليس موقفا شخصيا لجانتس وهو يحمل قدرا من التقارب مع نتانياهو في موقفه من حماس.

في خلال مؤتمر ميونيخ للأمن وهو من أهم الفعاليات السياسية الدولية، أكد يسرائيل كاتس وزير خارجية إسرائيل بقوله: «إن إسرائيل لن ترحّل فلسطينيا من غزة وإنها لن تحكمها بعد الحرب»، وهذا يتناقض في الواقع مع تصريحات نتانياهو ورئيس الأركان الإسرائيلي خلال الفترة الماضية وهى تصريحات أثارت جدلا كثيرا في الأسابيع الماضية فهل الأمر كان مناورات تتماشى مع طبيعة واتجاه التطورات على الأرض ويمكن أن تتغير حسب متطلبات الموقف ؟!

إنه في إطار مساعي وزير الخارجية الأمريكي للتقريب بين إسرائيل وحماس ومحاولة التوصل إلى صفقة لتبادل المحتجزين ستكون، إذا تمت، نصرا كبيرا لإدارة بايدن ودعما له في الانتخابات الرئاسية القادمة، سعى بلينكن إلى تسويق صفقة تبادل المحتجزين بإظهار أهمية صفقة تبادل المحتجزين والتي يمكن أن تفتح الطريق أمام اندماج إسرائيل مع دول المنطقة وما يمكن أن يتحقق في إطار حل الدولتين على ضوء ما يمكن أن يكون هناك من تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل في إطار الشروط التي أعلنتها السعودية لاتخاذ تلك الخطوة في حالة قيام دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين وإن ذلك فرصة استثنائية للاندماج أمام إسرائيل في المستقبل على حد قول بلينكن ذاته.

إنه إذا كانت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد توترت في الآونة الأخيرة بسبب الخلاف بين بايدن ونتانياهو حول حل الدولتين ورفض نتانياهو الاستجابة لمقترحات بايدن التي ستخدم إسرائيل ومصالحها بالتأكيد وهو ما أكدته مكالمة الأربعين دقيقة بين بايدن ونتانياهو قبل أيام فانه يبدو أن بايدن وإدارته تفكر في الضغط على نتانياهو حيث أشارت صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن واشنطن طالبت تل أبيب بوقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة في مقابل تزويد إسرائيل بذخائر دقيقة التوجيه تحتاجها إسرائيل في حرب غزة وأيا كان الرد إسرائيليا فإنه من المعروف أن واشنطن لن تلعب هذه اللعبة بشكل جاد مع نتانياهو في ظروف الانتخابات الرئاسية خاصة وإن له سوابق في التعامل مع رؤساء أمريكيين سابقين، ومن ثم فإن الجانبين سيعملان على الحفاظ على خيوط الاتصال فيما بينهما وبما يخدم المصالح المشتركة بينهما وحتى الآن لا يعارض بايدن الحرب في غزة ولا يعارض اجتياح رفح ولكنه يريد فقط تقليل خسائر المدنيين في غزة ورفح وإعطاء فرصة لحل الدولتين وإذا نجح في ذلك فقد يحصل العام القادم أو بعده على جائزة نوبل للسلام

ثانيا: إنه في الوقت الذي تعارض فيه حكومة نتانياهو بالإجماع أي توجه دولي للاعتراف الأحادي بحكومة فلسطينية، وكانت أكثر من دولة أعربت عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستقام في إطار حل الدولتين غير أن إسرائيل تريد التلاعب بورقة الاعتراف الدولي وذلك بإعطاء نفسها حق الاعتراض الذي لا تملكه. وإذا وضعنا في الاعتبار الاعتراف الدولي واسع النطاق عام 1988 والذي وصفه الراحل ياسر عرفات في ذلك الوقت بأنه اعتراف يفوق اعتراف العالم بإسرائيل. على أية حال فإنه يمكن القول إن التصريحات الكثيرة والمتضاربة والتي تثير الغموض حول مواقف إسرائيل يمكن أن تتمخض عن شيء ما بشأن غزة ورفح وممر فيلادلفيا ومدى التزامها بما تعهدت به من أجل الحفاظ على المصالح المصرية، فانه من غير المستبعد أن يعمد نتانياهو وحكومته المتطرفة إلى خلط الأوراق ومحاولة كسب المزيد من الوقت وإرباك المنطقة بمقترحات ومبادرات تؤدي إلى حدوث هزات وصدامات تتجاوز ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي لأن السلام والاستقرار والتنمية لا تتحقق لطرف واحد دون آخر بل تتحقق بالتعاون والتعامل القائم على أساس احترام المصالح المتبادلة فليس هناك أمن لطرف دون آخر أو على حساب آخر فهل تستوعب إسرائيل الدرس ومتى؟!