التربية الإعلامية ضرورة أم خيار؟

06 فبراير 2023
06 فبراير 2023

تعددت المفاهيم والمصطلحات حول التربية الإعلامية التي أصبحت ضرورة لا خيارا في ظل تدفق المعلومات من كل الجهات خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فلم يعد للخصوصية مكان، وازداد خطاب الكراهية والمساس بالشخوص بين الأفراد، فمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) تعرّف التربية الإعلامية (Media literacy) بأنها «الكفاءات الأساسية التي تتيح للمواطنين التعامل مع وسائل الإعلام على نحو فعّال، والقدرة على تحليل الرسائل الإعلامية، وتقييمها وإنتاجها في سبيل تنشئة اجتماعية تجعل منهم مواطنين فاعلين»، ومن ثم وجّهت لضرورة إعداد «الناشئة للعيش في عالم تحكمه سلطة الصوت والصورة والكلمة»؛ إذ ترى المنظمة أن التربية الإعلامية جزء من الحقوق الأساسية لكل مواطن، وبالرغم من أن الإعلام أصبح يبني واقعا ويعطينا إحساسا بالواقع عبر نقل وجهات النظر مبنية على رسائل إعلامية رصينة ومحكمة، إلا أنني أرى أن التربية الإعلامية ينبغي أن تكون جزءًا من الثقافة اليومية للفرد، وتركّز على المعلومة المؤدلجة ومصدرها، ليتم فهمها بعمق مع وجود مهارات تساعد على صنعها شريطة أن تحوي جزءًا كبيرًا من الإنصاف والدقة؛ ليصبح المجتمع به إعلام مهني مجتمعي مؤثر يساعد على كيفية التحقق من المعلومة، وليس مجرد تلقّيها فهي لها علاقة بالتنشئة الرقمية وليس بغرس الأخلاق والقيم، التي تكتسب من خوارزميات العملية التربوية باستمرار في مختلف المراحل التعليمية، ومن أجل تعزيز دور التربية الإعلامية في العمق الأسري لا بد من أن ترتقي مساقات التربية الإعلامية لمستوى التحليل والنقد؛ كي يستطيع المتلقي أن يتحكم بتفسير ما يشاهده أو يسمعه، وليكون نموذجًا ناجحًا للمتلقي النشط بدلا من الاكتفاء بمستوى تدريس المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بها في المقررات الدراسية، فهي تشمل في طياتها التربية والمواطنة الرقمية التي تتطلب إشباعا بالرسائل الإعلامية التربوية الهادفة، فمن الجيد أن تناقش مادة التربية الإعلامية الإنتاج الإعلامي الموجه للأطفال؛ ليصبح الطفل قويا مستقلا مشاركا في القرار مستقبلا؛ ليكون جزءًا من الإعلام كعامل مساعد في صياغة المحتوى الإعلامي المناسب لكل مرحلة عمرية، وميسرًا للوصول إلى المهارات والخبرات التي يحتاجها الفرد لفهم الكيفية لتهيئته للمشاركة بفاعلية في شبكات التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بالمجتمعات الافتراضية وفق ضوابط وأخلاقيات المجتمع التي لا تحيد عن مبدأ الاتزان في الطرح، ولا تمارس سياسة فرض الرأي على الآخرين.

فنحن لا نحتاج إلى وجود صحفيين أو رفد سوق العمل الإعلامي بصحفيين عند إدماج مادة التربية الإعلامية في المناهج الدراسية في المدارس ومؤسسات التعليم العالي؛ فالصحفيون لديهم مؤسسات تعليمية تدرسهم وتؤهلهم للانخراط في سوق العمل لممارسة مهنتهم، ولكن نحتاج إلى أشخاص يسألون ويناقشون ليعرفوا ما يدور حولهم بهدف التحصين من المؤثرات المحيطة بهم، والتمكين عبر توعيتهم بأهمية التربية الإعلامية، وطرح الأسئلة التي ترسّخ مفهومها؛ إذ لا بد من الخروج عن الطريقة التقليدية في التربية الإعلامية المتمثلة في تلقين المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بها فهي، ليست أمرا مدرسيا حصريا، بل هي أبعد من ذلك لتكون منهجا يشجع على التحليل النقدي للأحداث والمواقف المختلفة، وتأثيراتها على الأفراد بسبب تدفق الكم الهائل من المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى المتغيرات التي تنشأ بين فترة وأخرى ويتأثر بها الأفراد تحليل ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة، فأهمية وجود التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية لا تقتصر على إطلاع المتلقين بماهية التربية الإعلامية، ولم تعد خيارا بل أصبحت ضرورة ملحة في عالم معقد متغير باستمرار يفرضه علينا عصر المعلومات؛ إذ لا بد من إدماج مساقاتها في المناهج التربوية؛ لتكون بمثابة الحماية لجيل يتعرض يوميًا لكمٍ كبيرٍ من التضليل والسلبية والنمطية؛ ليكونوا قادرين على نقد الحجج الواهية التي يحاول البعض غرسها في النشء للسيطرة عليهم وعلى أفكارهم وتوجهاتهم، فلا يمكن أن نتعامل بسياسة الحظر والحجب باستمرار، وذلك لكثرة المحتوى المرسل عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي الذي يتلقاه مرتادو شبكات التواصل ومتابعوها، إضافة إلى صعوبة تحليل المحتوى لتضمنه على مشاهد يصعب تقييم مخاطرها من عدمه؛ نظرًا لاختلاف وجهات النظر بشأن المحتوى، ولصعوبة الرقابة على كافة أنواع المحتوى، ولتعدد مصادره خاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت سريعة الانتشار وتتطور سريعا مقارنة مع التوعية بأهمية التربية الإعلامية التي باتت ضرورية لبناء الفرد معرفيا وسلوكيا وقيميا مما تساعد على تعزيز مهارة التفاعل الإيجابي مع وسائل الإعلام تأثيرا وتأثرا، وهنا ينبغي أن تتضافر الجهود على كافة الأصعدة؛ لتعزيز التربية الإعلامية، وإتاحتها كحق للجميع.

يقال إن الفرد الذي يتلقى الرسالة الإعلامية غالبا ما يقع بين قوة الجذب المركزي (تأثير الإعلام)، وبين قوة الطرد المركزية (العقل النقدي)، ونتيجة اختلاف تأثيرات كلا القوتين على الفرد يتبيّن مدى صموده على عقلانيته واستقلاليته، ولكن في ظل التطور المتسارع لوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على مرتاديها ومتابعيها، استفاد منها ناشرو الشائعات والأخبار المفبركة، وأصبحوا قادرين على ممارسة التزييف والخداع، ولكون التأثيرات الناجمة عن شبكات التواصل الاجتماعي كبيرة ومستمرة تتمثل في سلب العقول دون أدنى تفكير عبر إعادة تداول الأخبار دون التأكد من صحتها وحقيقتها، وبالتالي يسهموا في تضليل الجمهور عن طريق التخفي خلف شاشة ولوحة مفاتيح صغيرة دون أن تظهر هويتهم الحقيقية، وللتعامل جديا مع هذا الأمر ينبغي رفع مستوى الوعي الفكري، والتحليل النقدي عبر ترسيخ التربية الإعلامية التي تشجع على التحليل النقدي، وتنمية ثقافة الانشقاق الفكري بمفهومها الفلسفي والقيمي، وليس التعليم الإعلامي الذي يقتصر على تمرير المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالتربية الإعلامية، إضافة إلى ذلك من الجيد أن تتشارك الجهود لإدماج التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، وأن لا تقتصر على المقررات الدراسية بل إن تشجع المتلقي على كيفية طرح السؤال بشأن الأحداث التي تدور حوله، ونقد المحتوى الذي يتلقاه دون أي خوف أو تردد؛ ليكون مسارا تربويا يرافقه في حياته المستقبلية.