الانتفاضة الفلسطينية... أخطر نتائج الانتخابات الإسرائيلية !!
مما لا شك فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو قد حقق فوزا كبيرا، وبمجهود وإصرار كبيرين منه ومن أنصاره للدفع بالأوضاع في إسرائيل إلى أقصى اليمين الديني المتشدد، على نحو غير مسبوق في الانتخابات الأخيرة. ولتسيطر الأحزاب الدينية المتشددة وأحزاب المستوطنين واليهود الشرقيين على السياسة الإسرائيلية خلال السنوات القادمة بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج.
وإذا كان نتنياهو قد حقق ما أسماه « انتصارا كبيرا وتصويتا بالثقة من الشعب الإسرائيلي «وذلك بحصوله والأحزاب المؤيدة له على 64 مقعدا من 120 مقعدا هي كل مقاعد الكنيست، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يستعيد نتنياهو زمام السيطرة على الحكومة والسياسة الإسرائيلية، في ظل ما يبدو أنه أغلبية مريحة؟ أم أنه بتوجهاته اليمينية المتشددة، وباحتضانه للأحزاب الدينية (الكاهانية والصهيونية الدينية) وغيرها، قد حشد مجموعة كبيرة من القنابل المهيأة للانفجار داخل إسرائيل، بل داخل الأراضي الفلسطينية ككل وعلى نحو يفتح الأوضاع والتطورات داخل إسرائيل والمنطقة على احتمالات خطرة ومتعددة؟ صحيح أن نتنياهو وصف نفسه، عقب إعلان نتائج انتخابات الكنيست الخامس والعشرين الأخيرة، بأنه «يمتلك الخبرة»، ولكن الصحيح أيضا هو أن الأرض التي أعدها بعناية للفوز في الانتخابات مليئة بألغام قد تحول الأوضاع داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وحتى داخل الخط الأخضر، إلى بؤر ملتهبة وإلى مواقع صدامات يمكن أن تتسع وتتطور بأكثر مما يتوقعه كثيرون، بما في ذلك اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ستكون على الأرجح أسرع مما هو متوقع، وأكثر عنفا مما حدث في انتفاضتي عام 1987 و1993 وذلك لأسباب موضوعية. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى ما يلي: أولا، أنه في الوقت الذي أظهرت فيه الانتخابات مدى التغير في توجهات الناخبين الإسرائيليين، وما يكتسبه اليمين الديني المتشدد من تأييد، فإن من أكثر الملامح خطورة أن الأحزاب الدينية والحريدية تدفع بالأوضاع في فلسطين المحتلة لتقترب أكثر من صراع ديني مخيف، وهم لا يخفون نواياهم ولا عزمهم على المضي في هذا الطريق المدمر، الذي تختلط فيه حسابات الأحزاب وصراعاتها ومطامح السياسة، بالأساطير والادعاءات التي لا تستند إلى أسس موضوعية. ولعل ما يؤكد ذلك أن نتنياهو نفسه عمل بشكل مكثف خلال التحضير للانتخابات الأخيرة من أجل تكتيل أصوات مؤيدي اليمين الديني المتشدد والصهيونية الدينية والحيلولة دون تفتت أحزابها، فقد تدخل بالفعل للحيلولة دون تفكك قطبي حزب «يهودوت هاتوراة» الديني الحريدي، الذي فاز بسبعة مقاعد، كما عمل نتنياهو من أجل أن تخوض حركة « الكاهانية » بزعامة ايتمار بن غفير، وحزب « الصهيونية الدينية» بزعامة «بتسلال سيموتريتش» الانتخابات على قائمة واحدة تجنبا لتشتت الأصوات، خاصة أن التيارين يتبنيان العمل على تطبيق الصهيونية الدينية المتشددة، وقد فازت قائمتهما بـ 14 مقعدا. ومعروف أن « ايتمار بن غفير » يتبنى فكرة تطبيق التقسيم المكاني والزماني بين المسلمين واليهود في المسجد الأقصى المبارك أسوة بما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل، كما أنه يتبنى وبوضوح الدعوة لإعدام عناصر المقاومة الفلسطينية، والسماح للجنود الإسرائيليين باستخدام إطلاق النار بشكل أسهل ووفق تقديراتهم الميدانية دون تحمل أية تبعات ودون التعرض لأية محاكمة، هذا فضلا عن ترحيل السياسيين الفلسطينيين في الكنيست الذين يعارضون السياسة الإسرائيلية إلى خارج إسرائيل. وبالنسبة للحريديم، الذين يعارضون أداء الخدمة العسكرية ويريدون تطبيق قواعد أشد بالنسبة للمرأة وعدم السماح بدخولها الجيش الإسرائيلي والالتزام بشكل أكثر صرامة بقواعد الشريعة اليهودية حسبما يرونها، وبالطبع تزداد قدراتهم على الضغط على الحكومة مع تزايد ثقلهم السياسي الانتخابي، والأمر نفسه بالنسبة للمستوطنين والتيارات المتشددة الأخرى وباختصار شديد فإن التيارات الليبرالية، أو الأكثر قبولا للتفاوض مع الفلسطينيين وللتوصل إلى تسوية في إطار حل الدولتين قد تآكلت قوتها، أو تنزوي تحت تأثير مد المتشددين والأحزاب الدينية في إسرائيل، وينعكس ذلك بشكل ملحوظ على الأرض، سواء في ازدياد همجية القوات الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، أو في ازدياد أعمال العنف وقتل عناصر المقاومة الفلسطينية بدم بارد وهدم منازلهم، فضلا عن اعتقال مزيد من الأطفال الفلسطينيين. وهذه الممارسات الهمجية وغيرها تزيد الاحتقان داخل الأراضي المحتلة، ثانيا، إنه بالرغم من فوز نتنياهو والأحزاب المؤيدة له بأغلبية 64 مقعدا في الكنيست، وهو ما يضمن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن نجاحه في تشكيل الحكومة ليس مضمونا برغم الأغلبية التي يتمتع بها، وبرغم أن مهلة تشكيل الحكومة تصل إلى ستة أسابيع. صحيح أن نتنياهو يتمتع بمهارات تكتيكية مكنته من أن يكون أكثر شخصية تولت منصب رئيس الوزراء في إسرائيل حتى الآن ولكن تشكيل الحكومة القادمة يصطدم كالعادة بعملية توزيع المناصب الوزارية بين الأحزاب ورغبات ممثليها أيضا والحفاظ في الوقت ذاته على درجة تناغم تمكن نتانياهو من إدارة الحكومة، وتوفر للحكومة درجة كافية من القبول والتعاون الدولي معها، وهو ما يعمل نتنياهو على تأمينه بشكل أو بآخر من خلال الدخول في مفاوضات ومساومات مع بعض الشخصيات المرشحة لبعض المناصب الوزارية ومنهم على سبيل المثال « ايتمار بن غفير « و» بتسلال سيموتريتش « الممثلين لقائمة « الصهيونية الدينية « التي فازت بـ 14 مقعدا. وتأتي المشكلة مما يبدو أنه تحفظ من جانب واشنطن حيال شغل هذين الشخصين، وخاصة بن غفير مناصب محددة في الوزارة الجديدة. وفي حين يرغب « بن غفير « في شغل منصب وزير» الأمن الداخلي « ويرغب « سيموتريتش» في شغل منصب وزير « الأمن أي الدفاع «، فإن نتنياهو لا يرغب في ذلك، ليس فقط مراعاة لموقف واشنطن، ولكن أيضا لتجنب أية ردود فعل سلبية عربية أو إقليمية على تولي أي منهما لأي من المنصبين بالغي الأهمية، وقد حدث بالفعل جدل غير مريح بين نتنياهو وبن غفير المتمسك بالمنصب والذي يستشعر قوة موقفه في الضغط على نتنياهو لأن الاستغناء عنه سيعني الاستغناء عن 14 مقعدا مما يعني خسارة الأغلبية، ويفتح الباب أمام حسابات أخرى لا يرغبها نتنياهو بالتأكيد، أما الموقف على جبهة المعارضة فإنه أكثر تشتتا وصعوبة. ومع ذلك لا شيء يمكن استبعاده بشكل تام، وتشكيل الحكومة يشهد عادة الكثير من المساومات وإعادة الحسابات..
ثالثا، إن فوز نتنياهو يعزز ثقته بنفسه، وتمسكه بمواقفه الرافضة لحل الدولتين، والمصممة على الاستمرار في الاستيطان في الضفة الغربية من ناحية وعلى التمسك بمبدأ « الأمن مقابل السلام « بدلا من مبدأ « الأرض مقابل السلام « الذي يطالب به الفلسطينيون من ناحية ثانية، ولذا فإن حشد نتنياهو لهذا العدد من المتشددين الدينيين وغيرهم، وهم قنابل موقوتة بحكم مواقفهم التي تغلق الأفق السياسي بالفعل أمام الفلسطينيين وتنهي أي أمل لهم في إمكانية تسوية على أساس حل الدولتين، من شأنه ألا يترك أمامهم سوى الانخراط في انتفاضة ثالثة، ستأتي أسرع مما هو متوقع، وأكثر دموية أيضا، لأن الأحزاب الدينية والصهيونية الدينية ستعمد إلى التصعيد الحاد الذي سيرد عليه الفلسطينيون بالتأكيد، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهات داخل إسرائيل وداخل الخط الأخضر وداخل الضفة الغربية وقطاع غزة بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، ويبدو أن المناخ العام داخل الأراضي المحتلة يتهيأ لذلك سريعا، وقد أثبت الفلسطينيون قدرتهم على النضال من أجل حقوقهم والتحمل والتضحية من أجل ذلك دوما، فهل سيأخذون بالأسباب في الفترة القادمة؟ وهل ستتحمل إسرائيل النتائج ؟
