الاقتصاد المعرفي والاقتصاد العُماني

08 أغسطس 2022
08 أغسطس 2022

يعرف الاقتصاد المعرفي (Knowledge Economy) بأنه اقتصاد يعتمد على سهولة الوصول للمعلومات ومدى توفرها كمًّا ونوعًا للنمو والازدهار الاقتصادي عوضا عن استخدام وسائل الإنتاج الأخرى، فهو نمط اقتصادي مُتطور قائم على استخدام واسع النطاق للمعلوماتية وشبكات الإنترنت في مُختلف أوجه النشاط الاقتصادي، إذ يحظى هذا النوع من الاقتصاد باهتمام عالمي واسع لدوره في تحسين الممارسات الاقتصادية ويساعد على فتح مجال الابتكار والإبداع في إنتاج السلع وتقديم الخدمات، وتشير الإحصائيات إلى أن الاقتصاد المعرفي يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7% وينمو بمعدل 10% سنويا، وربما ترتفع هذه النسب خلال السنوات القادمة إذا حظي هذا النوع من الاقتصاد بالاهتمام والدعم المطلوب في مختلف الدول.

ويعد اقتصاد المعرفة إحدى الركائز التي ينبغي دراستها لتقوية الاقتصاد العُماني كون أن المعرفة أصبحت مُحرّك الإنتاج والنمو الاقتصادي في كثير من بلدان العالم وهو إحدى الطرق المعززة لخطط التنويع الاقتصادي ليكون مساهما في الناتج المحلي الإجمالي بنسب مرتفعة بدلا من الاعتماد على سلعة النفط التي تشهد تقلبا في أسعارها بين الفترة والأخرى، إذ يتميّز الاقتصاد المعرفي عن غيره من أنواع الاقتصاد الأخرى في اعتماده على رأس المال البشري شريطة توفّر الكادر البشري المؤهل والقادر على إدارة الموارد والأصول بكفاءة عالية، بالإضافة إلى كونه أحد الحلول لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بين فترة وأخرى، إذ أن الاقتصاد المعرفي يساعد على التحليل الاقتصادي لكل العمليات الجارية في الاقتصاد التي تقود إلى الاكتشاف والتطوير للمعارف والتكنولوجيا الجديدة كتحديث نوعية الوظائف المطلوبة في سوق العمل والتشغيل.

ولفهم أوسع حول الاقتصاد المعرفي نشير إلى شركة أبل كمثال، إذ تبلغ قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار وهو رقم أعلى بكثير من القيمة السوقية لعدد من الشركات العاملة في قطاعات الثروة الطبيعية كالنفط والغاز بسبب امتلاك شركة أبل للثروة المعرفية التي تمثل القيمة الحقيقية للمنتج، مما يؤكد أن الثروة المعرفية من اختراعات وابتكارات أغلى من الثروات الطبيعية وغيرها.

ما يميّز الاقتصاد المعرفي بأنه يهتم بقياس مهارات الموظفين بالإضافة إلى تحليل الوضع الاقتصادي من الناحية المادية أو الناحية المالية، فالتحول من اقتصاد رأس المال -مصطلح اقتصادي يقصد به الأموال والمواد والأدوات اللازمة لإنشاء نشاط اقتصادي أو نشاط تجاري- الذي يهتم بتكلفة القوى العاملة ومدى توفر الموارد إلى الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على رأس المال الفكري للاستهلاك والإنتاج، يتطلب موارد بشرية ذات مهارات عالية خاصة في مشروعات المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة والمؤسسات التكنولوجية مثل خدمات الأعمال والأموال شريطة رفع القيود غير الضرورية التي تعيق ازدهار هذا النوع من الاقتصاد وضمان نجاحه.

وبما أن هناك فرصا كبيرة لتعزيز الاقتصاد المعرفي في سلطنة عُمان لبناء مجتمع اقتصادي معرفي متسق يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة من مسار نهضة عُمان المتجددة مدعوما بهيكلة الجهاز الإداري للدولة عمومًا وقطاع التعليم العالي خصوصا منذ أكثر من عامين بما يتواءم مع «رؤية عُمان 2040» تمثّل في إنشاء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، أصبح من الضروري الاهتمام برفع مساهمة الاقتصاد المعرفي في الناتج المحلي الإجمالي العُماني في ظل وجود الأدوات الممكنة والكوادر البشرية المؤهلة عبر تحويل المعلومات والبيانات باستخدام مختلف التقنيات إلى سلع وخدمات، بالإضافة إلى ابتكار وسائل حديثة مدعومة بالتحول الرقمي المتسارع لتسويق المنتجات داخليًا وخارجيًا مما سيرفع مساهمة الاقتصاد المعرفي في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان.

أيضا من المهم الإشارة إلى أن الاقتصاد المعرفي ينمو ويتطور بالتقدم التقني والتكنولوجي للدول واهتمامها بالبحث العلمي والابتكار، ومدى توفّر البنى الأساسية المعزّزة للتحول الرقمي والوظائف المرتبطة بها، ورغبة المؤسسات الحكومية والخاصة مواكبة التطور التقني عبر الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الابتكار الإبداعي وزيادة الأنشطة المعرفية مثل أنشطة البحث العلمي، والتطوير التقني للعاملين في تلك المؤسسات.

إن الوصول إلى اقتصاد معرفي مستدام ووجود مؤشرات واضحة وشفافة لقياس تطبيقاته وممارساته يستدعي العمل على وجود منظومة متكاملة وفاعلة لإدارة المعرفة في المجتمعات، بالإضافة إلى الاهتمام بالمعرفة ومصادرها عبر تكامل الجهود وتوحيدها للارتقاء بجودة العمل المبني على المعرفة وقياس مؤشرات الاقتصاد المعرفي لمعرفة مستوى الأداء والتقدم في العمل المعزز لهذا النوع من الاقتصاد، وبما أن فكرة الاقتصاد المعرفي تحظى باهتمام واسع من مختلف فئات المجتمع العُماني، نأمل بأن يكون معتقدًا راسخًا يتحول إلى سلوك واقعي وصولًا إلى ممارسة مستمرة للاستفادة من الاقتصاد المعرفي في تعزيز التنويع الاقتصادي ولتوسيع المعرفة بين أفراد المجتمع وحثه على توظيفها في حياته اليومية بطريقة صحيحة.

خلاصة ما ذكر أعلاه، نستطيع القول بأن الاقتصاد المعرفي هو المحرّك القادم لاقتصادات دول العالم وأن هناك علاقة طردية بين تنمية الموارد البشرية وتعزيز الاقتصاد المعرفي فكلما كانت الموارد البشرية مؤهلة وممكنة ساعد ذلك في ارتفاع مساهمة الاقتصاد المعرفي في الناتج المحلي الإجمالي للدول عبر توظيف المعرفة جيدا في الأعمال التجارية مما يؤكد أن قطاعات الموارد البشرية والتعليم والبحث العلمي والابتكار عوامل مهمة وفاعلة للتنافسية الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك لا بد أن تدرك المجتمعات أن التحول إلى الاقتصاد المعرفي ستنتج عنه مجتمعات معرفية تسهم في تعزيز كل البنيات الأساسية للمجتمع مما ستساعد على رفع مستوى المعرفة بين مختلف أفراده.

__________

راشد بن عبدالله الشيذاني - باحث اقتصادي عُماني

[email protected]