الاقتصاد المؤسسي و«رؤية عُمان 2040»

27 يونيو 2022
27 يونيو 2022

يعرف الاقتصاد المؤسسي بأنه اقتصاد يهتم بدور المؤسسات في النشاط الاقتصادي والوصول للكفاءة وتكوين سلوك اقتصادي مبتكر عن طريق دراسة وتحليل الأسواق وتفاعلها مع المؤسسات المختلفة لتطوير المجتمعات وتعزيز قدراتها وإمكانياتها الإبداعية، وهو ذو أهمية كبيرة في الأنشطة الإنتاجية المختلفة إذ يجمع بين عدة علوم وهي الاقتصاد والقانون والسياسة وعلم الاجتماع التي تتكامل فيما بينها لتمكين قدرات الكوادر البشرية وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم نحو إيجاد مناخ ابتكاري مدعوم بالمهارات العالية لتعزيز النمو الاقتصادي.

ويعد الاقتصاد المؤسسي مهما في قياس تقدّم البلدان عبر اكتمال إجراءاتها المؤسسية، وبغيابه يساعد على وقف عجلة التنمية وجلب الكثير من المشاكل التي تتطلب تطويرًا وتحفيزًا كبيرًا لمعالجتها.

وبالعودة إلى تاريخ الاقتصاد المؤسسي الذي تأسس على يد عالم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي «ثورستين فيبلين» وحاول الاستبدال بمفهوم الناس بصفتهم صانعي القرارات الاقتصادية فكرة أن الناس يتأثرون باستمرار بتغيير العادات والمؤسسات، فإن المدرسة المؤسسية لم تصبح مدرسة رئيسية للفكر الاقتصادي، إلا أن تأثيرها استمر في أعمال الاقتصاديين المهتمين بشرح المشكلات الاقتصادية ورصدها وتحليلها من منظور يشمل الظواهر الاجتماعية والثقافية.

ويؤكد الاقتصاد المؤسسي أهمية دراسة المؤسسات ووجهات نظر الأسواق على نطاق واسع والتفاعلات المختلفة بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع مما يؤدي بدوره إلى وضع أفضل لأفراد المجتمع وللدولة ككل سواء على المستويين المحلي والدولي، بالإضافة إلى تقديم فهم أفضل وأكثر واقعية لعمل النظام الاقتصادي، إذ يقوم الاقتصاد المؤسسي بفروض أكثر واقعية عبر سلسلة من الإجراءات الفعالة التي بدورها تسهم في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.

إن تفعيل دور الاقتصاد المؤسسي يسهم في توحيد جهود المؤسسات الرسمية ذات البعد الاقتصادي لتعظيم المنافع الاقتصادية منها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر رفع كفاءة أداء المؤسسات المعنية بالجانب الاقتصادي شريطة رفع وتيرة التكامل والتنسيق فيما بينها بعيدا عن ازدواجية المهام والاختصاصات.

ويتكون الاقتصاد المؤسسي من عدة عناصر، لكنه يعتمد كثيرا على العنصر البشري الذي يملك مهارات عالية في مختلف المجالات خاصة المعرفية منها كونه سيستفيد من تلك المهارات في تكوين طاقة إنتاجية من السلع والخدمات، ويمكن القول إن نجاح الاقتصاد المؤسسي يتطلب جهودا متسقة مدعومة بخطط تنفيذية تأخذ في الحسبان التعامل مع المتغيرات التي يشهدها العالم بين فترة وأخرى.

من المهم الإشارة أيضًا إلى أن استراتيجيات وخطط إدارة الموارد المتاحة عبر نظام مؤسسي مبني على أسس وسياسات دقيقة وفعالة قد يكون العلامة الفارقة في تحقيق النمو الاقتصادي ومستوى التطور بين بلدان العالم بغض النظر عن اختلاف الموارد المتوفرة فيها.

عالميا فإن الهند تعد من النماذج الناجحة في الاقتصاد المؤسسي؛ فقد استطاعت تحقيق مستوى متقدم في الاقتصاد المعرفي مدعوما بالقوة التي تمتلكها الهند في الصناعات التكنولوجية مما أوجد بيئة ملائمة لرفع مستوى المنافسة في مجال التعليم مع وجود دافعية للشباب لصقل مهاراتهم تجاه العمل التقني مما أوجد تنافسا متميزا بين المؤسسات أسهم في نمو اقتصادها.

أما محليا فيعد محور الحوكمة والأداء المؤسسي أحد المحاور الرئيسية لـ«رؤية عُمان 2040» وهو مناط برفع كفاءة الأجهزة الحكومية وزيادة درجة التنسيق بينها وتعزيز ثقة المواطن فيها من خلال إطار مؤسسي يعمل على تفعيل القوانين والممارسات التي تحدد الصلات والتفاعلات بين ذوي العلاقة، ويساعد في إيجاد نظام مساءلة فاعل وشفاف، ويحدد أولويات التوزيع الأمثل والعادل للموارد، لذلك أولت الحكومة اهتماما بالغا بضرورة تعزيز الاقتصاد المؤسسي بكافة عناصره الذي يتطلب التخلص من ازدواجية الأدوار التي تقوم بها المؤسسات الحكومية وتعارض بعض اختصاصات الوظائف خاصة تلك التي تعنى بالجانب الاقتصادي لتعظيم المنافع الاقتصادية عبر استمرار هيكلة الجهاز الإداري للدولة منذ عام 2020 وحوكمته مع وجود إطار مؤسسي متكامل ليكون الاقتصاد المؤسسي إطارًا محفزًا لـ«رؤية عُمان 2040»، وهذا في حد ذاته يشير إلى ملامسة الأولويات الوطنية للرؤية.

إن التناغم والتناسق في الأدوار التي تقوم بها الوحدات الحكومية يعزز من كفاءة الأداء المؤسسي ويرفع من مستوى التكامل بينها لتقوية العمل المؤسسي وتحقيق معدلات جيدة في النمو الاقتصادي مما يعكس الدور المنتظر للاقتصاد المؤسسي في «رؤية عُمان 2040» لتحفيز التنمية والنمو الاقتصادي وسيكون هو الإطار الفاعل والضامن للتحولات الاقتصادية، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الاهتمام الذي توليه الرؤية لتطوير وتحسين الأداء المؤسسي كما جاء في محور الحوكمة والأداء المؤسسي أحد المحاور الرئيسية للرؤية؛ إذ يعد استدامة الأداء المؤسسي هو الضامن لخطط التطوير المستقبلية وتصحيحها إن تطلب الأمر.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عُماني