الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة

25 يوليو 2022
25 يوليو 2022

تعرّض العالم لأزمات وصراعات اقتصادية وسياسية خلال السنوات الماضية ساعدت في الإسراع إلى البحث عن مصادر أخرى للطاقة خاصة مع استمرار بعض الصراعات في العالم مثل الصراع الروسي الأوكراني الذي أربك المساعي في إيجاد توازن في أسواق الطاقة خاصة بعد التعافي من جائحة كوفيد19.

وأدى هذا الصراع إلى نقص في إمدادات السلع الغذائية إلى الدول التي تعتمد على روسيا وأوكرانيا في تأمين الغذاء، بالإضافة إلى أن العالم يعاني من أزمات أخرى أبرزها نفاد مصادر الطاقة غير المتجددة؛ إذ تعد الطاقة الهاجس الأكبر للإنسان في القرن الحادي والعشرين التي يسعى إلى البحث عن مصادر أخرى في البيئة لاستدامة موارد الطاقة والمحافظة عليها والاستفادة منها للحصول على أنواع جديدة من الطاقة المتجددة المستدامة التي تلبي احتياجات البشر في الوقت الحالي دون المساس بتطلعات الأجيال القادمة نحو تلك الطاقة.

وظهرت العلاقة القوية بين الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة على إثر البحث عن مصادر أخرى للطاقة؛ إذ لم تكن فكرة الاقتصاد الأخضر تشغل كثيرًا من المهتمين بهذا النوع من الاقتصاد منذ فترة طويلة من الزمن، إلا منذ أن بدأ الاقتناع حديثًا بأن تحقيق التنمية المستدامة لن يتحقق إلا بالشروع في الترويج للاقتصاد الأخضر.

ويعرف الاقتصاد الأخضر أنه اقتصاد يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي إلى حالة من التدهور البيئي، إذ يعد أداة لضبط النمو الاقتصادي يركّز على التقنيات الحديثة والمعرفة والابتكار، ويخفض مستويات الكربون عبر تعزيز إمكانية التكيّف مع المخاطر والضغوط البيئية الذي بدوره يزيد من إمكانية وصول المجتمعات إلى بيئة آمنة ونظيفة.

ويحظى الاقتصاد الأخضر في سلطنة عُمان باهتمام كبير كونه أحد الأركان الأساسية في دعم توجه السلطنة نحو التنويع الاقتصادي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ يشير مشروع عبري للطاقة الشمسية إلى قدرة سلطنة عمان على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ وتبلغ استثمارات المشروع حوالي 155 مليون ريال عُماني بالإضافة إلى مواكبته طموحات الرؤية المستقبلية "عمان 2040" التي تعمل على استثمار الفرص المتاحة وحماية الموارد الطبيعية في السلطنة.

وترى وثيقة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2012م أن الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر هو أحد الأدوات الهامة لتحقيق التنمية ومن الممكن أن يتيح خيارات عديدة لواضعي السياسات في تحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز الإدماج الاجتماعي وتحسين أحوال البشر وإيجاد المزيد من فرص العمل، كما يمكن في الوقت ذاته من الحفاظ على طبيعة كوكب الأرض في أداء وظائفها بشكل سليم.

إن ديمومة الموارد الطبيعية ودورها الكبير في التنمية المستدامة أصبحت الشغل الشاغل للمجتمعات من أجل تحقيق الاستدامة البيئية التي تنشدها المجتمعات، لعل أبرز التجارب على سبيل المثال، وليس الحصر التجربة الألمانية، حيث تعتبر جمهورية ألمانيا الاتحادية من الدول الصناعية المهمة المعتمدة على الطاقة في العالم الأمر الذي أدى إلى نشأة وتعقد المشكلات البيئية فيها، فكانت الطاقة المتجددة أملًا جديدًا لحل أزمة الطاقة والحفاظ على بيئة نظيفة في الوقت ذاته. "ثورة الطاقة" هو الشعار الذي رفعته ألمانيا عام2010م في هذا المجال عبر التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة النظيفة بشكل رئيسي بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين عبر خفض نسبة غازات الاحتباس الحراري عما كانت عليه عام 1990م بنسبة 40% بحلول عام 2020 وزيادة نسبة الانخفاض حتى تصل إلى 80% عام 2050، وقد يبدو ذلك أمرًا صعبًا لأحد أكبر الدول الصناعية بقارة أوروبا؛ لكنها في عام 2011 ارتفعت مصادر الطاقة المتجددة إلى ما يقارب 20% بعد أن كانت 6% فقط عام 2000م، تم ذلك ببناء 22 ألف طاحونة هوائية توربينية بالقرب من شواطئ بحر الشمال لتوليد الكهرباء وكان لسكان ألمانيا دور أيضًا بتركيبهم ألواح شمسية في بيوتهم لتحويل الطاقة الشمسية لكهرباء يمكن الاعتماد عليها.

أما نحن في سلطنة عُمان توجد جهود جادة ومحفزة تقوم بها الحكومة من أجل الاعتماد على مصادر أخرى للطاقة لا تسبب ضررًا للبيئة لعل أبرزها مشروع "مرآة" الذي يعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية على مستوى العالم، لكن لا تزال بحاجة للنهوض بفكر ووعي الإنسان العماني بأهمية الاقتصاد الأخضر وإيمانه بوجود مصادر طاقة بديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها لاستثمار بيئة السلطنة المهيأة للاستثمار الأمثل بمشاريع توجد هذه المصادر البديلة دون إلحاق الضرر بالبيئة لتحقيق تنمية مستدامة تعود علينا بأكبر قدر من الفائدة.

إن وجود تطبيقات الاقتصاد الأخضر سيعزّز من الاستدامة المالية التي تنشدها الحكومة خاصة مع إنشاء المديرية العامة للطاقة المتجددة والهيدروجين بوزارة الطاقة والمعادن، إذ تتميز السلطنة بوجود المقومات الرئيسية لإنتاج الهيدروجين المتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأراضي الشاسعة الممتدة في كافة ربوع الوطن العزيز مدعومة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي ما سيسهم في تنويع مصادر الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز النمو الاقتصادي.

بذلك نستطيع أن نقول إن الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة وجهان لعملة واحدة كلاهما يسعى لتحقيق التوازن البيئي والتنمية الاقتصادية، كذلك لابد أن نضع الاقتصاد الأخضر كخيار استراتيجي لبلوغ أهداف التنمية المستدامة.