الاستقرار الداخلي وأثره في نجاح السياسة الخارجية العمانية

23 نوفمبر 2021
23 نوفمبر 2021

د. علي بن سعيد الريامي

استقرار الوضع الداخلي لأي بلد يؤثر بطبيعة الحال في سياسته الخارجية، وعُمان ليست استثناء من هذه القاعدة، فكلما كانت نسبة الاستقرار الداخلي عالية، زاد ذلك من فرص وجود علاقات خارجية مستقلة ومتّزنة ومستقرة، وفي الوقت ذاته يضعف من فرص التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، خاصة في ظل سياسات واتجاهات العولمة، والمواثيق والمعاهدات الدولية، وتأثير المنظّمات غير الحكومية المهتمّة بقضايا حقوق الإنسان والحريات التي عادة ما تكون مدخلاً لفرض أجندات خارجية على الداخل.

كان الهدف الاستراتيجي الأول للسلطان الراحل قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه- منذ بداية تسلمه مقاليد الحكم في البلاد في 23 يوليو 1970؛ المضي قدماً في بناء دولة موحّدة ينعم فيها المواطن والمقيم بالأمن والاستقرار والعيش الكريم، فالاستقرار الداخلي يأتي على سلم الأولويات، وبالتزامن مع تلك الخطوة كان الحرص كبيراً لإخراج عمان من عزلتها، حتى تصبح عضواً في المؤسسات الأممية والإقليمية والعربية، وهذا يقود لبناء علاقات خارجية مع مختلف دول العالم الصديقة والشقيقة على أسس من المبادئ الراسخة تقوم ركائزها على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وعلاقات حسن جوار، ويد ممدودة دائماً بالسلام.

تلك السياسة بقيت صامدة طوال فترة حكمه، ويسير على نهجها جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله-، وهذه السياسة منصوص عليها في الباب الثاني من النظام الأساسي للدولة ضمن المبادئ السياسية في المادة رقم (13):"توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بهل بصورة عامة، وبما يؤدي إلى إرساء السلام والأمن بين الدول والشعوب".

الجدير بالذكر، أن السياسة التي اختطتها القيادة السياسية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي إنما هي نابعة من إرث حضاري تتناقله الأجيال، وتدرك القيادة السياسية ذلك من منطلق أن القيم والاتجاهات في الفضاء الثقافي داخل المجتمع تؤثر على اتجاهات السياسة الخارجية من خلال هوية الفاعلين بالنظر إلى طبيعة البنى الفكرية التي ترتكز عليها الدولة في سياساتها.

وفي هذا الإطار، يمكن القول نظرياً إن سلطنة عمان في سياستها الخارجية أقرب إلى تبني فكر المدرسة الليبرالية التي ترى أن الفصل الجامد بين المجال الداخلي والفضاء الخارجي لم يعد قائماً، فالسياسة الخارجية كما يراها هذا التيار امتداد مباشر لمعطيات السياسة الداخلية وانعكاس لها.

الاستقرار الداخلي ضمانة للتعامل بواقعية مع الغير، من منطلق القول المتداول: "ما لا أقبله في بيتي الداخلي لا أرتضيه للغير"، ومن يقرأ التاريخ السياسي العماني بوعي يصل إلى نتيجة مفادها أن النأي عن الدخول في النزاعات والصراعات هي السمة الأبرز في السياسة العمانية في أغلب فتراتها التاريخية، وهي سجية وسمْت عماني أصيل، رسّخه السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه - ويترسّم خطاه السلطان هيثم –حفظه الله-، وهو ما قد أشار إليه في خطابه الأول في11 يناير 2020 بالقول:" وعلى الصعيد الخارجي فإننا سوف نترسّم خطى السلطان الراحل، مؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات".

إن عُمان بحكم موقعها الجيوستراتيجي كانت وما زالت معرّضة لتأثير العديد من التقلبات السياسية والاقتصادية. لذا كان لزاما على القيادة السياسية بمختلف مستوياتها ومواقعها التحلي بالاتزان والحكمة في التعاطي مع التغيرات للحد من تأثيراتها السلبية حاضراً ومستقبلاً، ولا يتوقع لهذه السياسة أن تتغير إلا بمقدار ما يحقق المصلحة الوطنية، وفي خطاب السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ـ في العيد الوطني الخمسين ما يؤكد على ذلك المبدأ: "وسنحافظ على مصالحنا الوطنية باعتبارها أهم ثوابت المرحلة القادمة التي حددت مساراتها وأهدافها رؤية عمان "2040.

ومن نافلة القول: إن القيادة السياسية تراهن على أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وهذا الرهان ثبت فاعليته وجدواه تاريخياً في التصدي لكل ما من شأنه الإخلال بالأمن العام، والسلم الاجتماعي كونه صمام الأمان للاستقرار واستدامة الازدهار.

* رئيس قسم التاريخ ـ جامعة السلطان قابوس