الاتجاه العام أم الرأي العام؟

12 ديسمبر 2022
12 ديسمبر 2022

استكمالًا لمقالات سابقة تحدّثنا فيها عن سيكولوجية الرأي العام وحقيقته في وسائل التواصل الاجتماعي والفهم غير الدقيق بشأنه وكيفية تشكّله وإثبات وجوده، والأدوار التي يضطلع بها الرأي العام في رسم السياسات ومعالجة المشكلات والتحديات بالإضافة إلى إمكانية قياسه ودراسته للحصول على نتائج دقيقة وصحيحة لاتخاذ القرارات المناسبة التي تدعم أهداف التنمية المستدامة، إذ يعرّف فلويد ألبورت الرأي العام في كتابه المعنون نحو علم الرأي العام على «أنه موقف العديد من الأفراد الذين فيه يعبّرون عن أنفسهم بالموافقة أو الرفض لحالة أو شخص أو اقتراح مهم». نواصل في هذا المقال الحديث عن الرأي العام عبر توضيح الفرق بينه وبين الاتجاه العام الذي يعد استعدادًا نفسيًا لاستجابة سلوكية ناتجة عن حالة افتراضية لدى معظم أفراد الجماعة لتبني وجهة نظر أو ردة فعل تجاه موقف معين لم يتحدد أو يتشكّل، فهو مؤثر توجيهي بغرض إثارة الاستجابة بشأن المواقف والأحداث إضافة إلى أن الاتجاه العام ليس منطلقا فكريًا أو دافعًا سلوكيًا للأفراد بل توجيه سلوكي ناتج عن توجهات لأشخاص بغرض استمالتهم وتحريك مشاعرهم وتغيير منطلقاتهم خدمة للمصالح ولحشد أكبر عدد منهم بغرض التأثير عليهم والحد من إبراز أصواتهم وآرائهم للآخرين، إذ أنه من الممكن أن نستنتج بأن الاتجاه العام هو مجرد ميل يعكس خلفية ثقافية ورصيدا قيميا غالبا ما يستخدمه الفرد في تقديره وتقييمه للمواقف والأحداث المحيطة ولا يمكن الاعتداد به كرأي عام قابل للقياس كونه مختلفا تماما عن الرأي العام وكيفية وأركان تشكله الأساسية إلا أنه ربما يكون مصدرًا أساسيًا للرأي العام وقائما عليه فقط ومرتبطا به، فالرأي العام ليس فرضا على الجماهير، بل هو تعبير إرادي ورد فعل واستجابة لمثيرات معينة في المجال السلوكي للجماعة، ويؤكد ذلك Trotski إذ يقول «إن البعض يتهمنا بخلق الرأي عند الجماهير، وهذا الاتهام غير صحيح وكل ما هنالك أننا نحاول صياغته وهذا يعني أن الرأي العام يظهر بصورة تلقائية فما إن تظهر مشكلة أو قضية تمس مصالح الجماهير واهتماماتهم سرعان ما يتبلور لهذه الجماهير رأي نطلق عليه الرأي العام».

إن الاختلاف الجوهري بين الاتجاه العام والرأي العام أنه من الممكن التأكد من صحة الرأي العام أو الخطأ فيه، أي التطابق بين صاحب الرأي وحقيقة حدوث الأمر، أما الاتجاه العام فلا تتوافر الفرص فيه للتحقق من صحته بعد التأكد من وجوده إضافة إلى ذلك أن الصيغة الانفعالية المرافقة للسلوك المعبر عن الاتجاه العام هي أكثر ظهورا من الصيغة الانفعالية في الرأي العام، إذ يعد الاتجاه العام تهيؤًا ضمنيا لا يلاحظ مباشرة بل تدل عليه أنماط السلوك بينها الآراء تتضمّنها اعتقادات وقيم وعواطف، ومن الأمثلة على الاتجاه العام ما أثير عن واقع السياحة الداخلية في سلطنة عُمان خلال إجازة العيد الوطني الـ52 المجيد عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فلاحظنا أن كثيرا من الآراء وردود الأفعال منبثقة إثر انتقاد مجموعة من الفاعلين -حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تحظى بمتابعة كبيرة من مختلف متابعي ومرتادي الوسائل الإلكترونية- لبعض المرافق السياحية نتيجة ملاحظات آنية استنتجها دون التأكد من صحتها، فنستطيع أن نستنتج أن ما تابعناه في وسائل التواصل الاجتماعي يعد صراخا مدعوما بآراء سطحية غير معلومة الهدف والغاية فتارة تنتقد المرافق السياحة تتضمن رسائل مبطّنة لتبرير دوافع قضاء الإجازة خارج البلد وخلوها من المرتادين وتارة تتداول صورا تظهر خلو المحال والأسواق من الأشخاص وتارة أخرى ترصد شكاوى من الازدحام في بعض المواقع السياحية والأثرية.

حقيقة ومن متابعة شخصية لوسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية، أرى من الضروري أن نبحث عن حلول فاعلة تسهم في إبعاد كافة الأصوات التي تحاول أن تعكّر مزاجنا باستمرار، فنحن من نحدد توجهاتنا ومنطلقاتنا ونحن من نحدد أين نقضي إجازاتنا وليس من اختصاص من ليس لهم علاقة بتوجهاتنا وخططنا فهي إجازة للجميع ومن حق أي فرد في المجتمع أن يقضيها كيف ما يريد، لا نريد أن نكون جزءًا من أصوات غيرنا، أرجوكم لا تصادروا آراءنا وأفكارنا وتوجهاتنا عبر إيهامنا بأن آراءكم تمثّلنا وتمثّل الرأي العام، هناك موضوعات أكبر وأهم ينبغي التركيز عليها وليس ما يقوله الناس عبر رصد آراء مسطّحة، فعن أي رأي عام تتحدثون؟ أظن من الجيد أن نفرّق بين الرأي العام والاتجاه العام وربما يكون ميولًا عامًا ليس له علاقة بالاتجاه العام أو الرأي العام ولذلك أصبح من الضروري تفعيل قسم دراسات الرأي العام بمركز التواصل الحكومي خلال المرحلة القادمة لإجراء دراسات وبحوث تستشرف وتستطلع الرأي العام العُماني في مختلف الموضوعات والقضايا المجتمعية التي تهم وتخص أفراد المجتمع عبر الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية في ذات الشأن ومُعززة بالإحصائيات والأرقام بهدف وضع الحلول الاستباقية وتهيئة المجتمع عند اتخاذ القرارات ودعمها إضافة إلى البحث عن البدائل المناسبة والمتناسقة مع الظروف المختلفة.