الإضافة النوعية للنظام الأساسي للدولة 2021م

08 يناير 2024
08 يناير 2024

11 يناير 2020م.. تولى مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - مقاليد الحكم بسلطنة عمان، بعد جلالة السلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله - الذي دام حكمه نصف قرن، أسس خلاله دولة حديثة بعمان. وبتاريخ: 11 يناير 2021م صدرت النسخة الثانية من النظام الأساسي للدولة، أي بعد عام واحد من اعتلاء جلالته العرش، ما يعني أنه استئناف جديد للدولة، سِمَته النهضة المتجددة. وهذا ضروري لتنطلق هذه المرحلة من أعلى تشريع بالبلاد، فالنظام الأساسي للدولة.. حاكم على كافة الرؤى والاستراتيجيات والخطط والقوانين في سلطنة عمان.

يصدر النظام الأساسي للدولة بمنحة من السلطان، إحدى ثلاث طرق تصدر بها الدساتير: الاستفتاء الدستوري، أو الهيئة التأسيسية، أو المنحة. وقد صدر أول مرة بمرسوم سلطاني (101/ 96) بتاريخ: 6/ 11/ 1996م، منتصف حكم السلطان قابوس، بعد أن استقر الاجتماع العماني، وتوحدت الرؤية في الدولة الحديثة، وحددت توجهها السياسي؛ داخليا وخارجيا، وأكملت بُنيتها الأساسية؛ من المؤسسات والقوانين والجهاز الإداري، والجهاز التشريعي؛ بمجلسيه: الدولة والشورى، واستكمل القضاء استقلاله. ونتيجة الحراك العربي عام 2011م؛ أجرى السلطان قابوس تعديلاً في نظام الأساسي للدولة بمرسوم سلطاني رقم (99/ 2011) في: 19/ 10/ 2011م، انصبّ معظم التعديلات على تنظيمات مجلس عمان بشقيه: الدولة والشورى.

بعد أربع سنوات من حكم جلالة السلطان هيثم؛ يجد المتابع للشأن العماني سعي الدولة حثيثاً للعمل بمقتضى النظام الأساسي للدولة الصادر في عهده؛ من لدن جلالته حتى العاملين في عموم مرافق الدولة، وهذا يضع مسؤولية التجدد في عمان؛ بناءً ومراقبةً، أمام الجميع؛ حكومةً وشعباً. المقال.. يكشف عن الإضافة النوعية التي شرّعها النظام الأساسي للدولة الصادر عام 2021م «النظام21»، من خلال المقارنة بالنظام الأساسي للدولة الصادر عام 1996م «النظام96»، لفتح المجال لدراسة التطور التشريعي والبُنيوي في العهدين، بمقاربة تقوم على الأسس العليا للدولة وليس الإجراءات التفصيلية، أي على ما ينص عليه النظام الأساسي، لا ما تنفذه الدولة عبر أجهزتها المختلفة، وإن كان هذا أيضاً مهماً في سياق تقييم تجارب الدول، ومدى التزامها بدساتيرها، ونجاحها في ذلك.

أول ما يطالعنا في المقارنة بين النظامين الأساسيين؛ نصا المرسومين الصادرَين بهما، ففيهما ورد التسبيب بإصدارهما. حيث ركز «النظام96» على ثلاث قضايا: المبادئ التي وجهت الدولة في الحقبة الماضية، والتصميم على مواصلة بناء المستقبل، وتعزيز مكانة عمان الدولية ودورها في إرساء السلام والأمن والعدالة والتعاون بين الدول والشعوب. وهي قضايا وردت في تسبيب صدور «النظام21»، إلا أنه أضاف أربع قضايا أخرى: مشاركة أبناء الوطن وتمكينهم من صنع مستقبلهم، وصون الوطن والحفاظ على وحدته ونسيجه الاجتماعي وحماية مقوماته الحضارية، وتعزيز الحقوق والواجبات والحريات العامة، ودعم مؤسسات الدولة وترسيخ مبادئ الشورى. ورغم أنها بالأساس من مقتضيات المبادئ العليا للدولة؛ لكن ذكرها في المرسوم السلطاني يجعلها مرتكزاً في تفسير النظام الأساسي، ويؤكد على العمل بها.

«النظام96».. حدد بأن نظام الحكم في عمان وراثي، في الذكور من أبناء السيد تركي بن سعيد بن سلطان (ت:1888م)، وبيّن النظام صفة السلطان الذي ينتقل إليه الحكم في عمان بعد شغور المنصب، بأن (يكون مسلماً رشيداً عاقلاً، وابناً شرعياً لأبوين عمانيَين مسلمَين)، وهو ما أكد عليه «النظام21». إلا أن النظام السابق أحال تسمية الحاكم إلى مجلس العائلة الحاكمة، وإن لم يتفقوا خلال ثلاثة أيام يثبّت مجلس الدفاع من أشار إليه السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة، وهذه مادة واضحة، لكن سرية الرسالة وعدم فتحها إلا بعد شغور المنصب جعل الأمر مقلقاً للبلاد لحظة انتقال الحكم. وهو ما تلافاه «النظام21»، حيث حدد بدقة من يتولى الحكم بمختلف درجات القرابة من السلطان، بدايةً من الابن الأكبر للسلطان حتى درجة أبناء أعمامه.

وهذه المادة رغم أهميتها ووضوحها أثارت نقاشاً عند صدور النظام، تَلخّصَ بأن عمان لأول مرة تعمل بنظام ولاية العهد، وهذا ليس له أساس من التجربة التاريخية العمانية، وأنها تتعارض مع تقاليد الإمامة الإباضية، التي كان لها حضور واسع في تاريخ الحكم العماني، والتي قدرّها حكام آل سعيد؛ لأجل ذلك، ولكون منطلق دولتهم هو نظام الإمامة باختيار جدهم أحمد بن سعيد (ت:1783م) المؤسس الأول لدولة آلبوسعيد إماماً لعمان. وهما اعتراضان غير حقيقيين، فالحكم في عمان.. لم يقتصر على نظام الإمامة وحده، بل كان يتناوب الحكم مع نظام سلطنة عمان، وهو نظام وراثي؛ من لوازمه ولاية العهد، سواء وجد لها قانون ينظمها أو لم يوجد، ووجد لها مؤسسة معينة أو لم توجد، فالتنظيمات المؤسسية والقانونية هي ابنة عصرنا، أما الفكرة والعمل بها فقديمة؛ لدى العمانيين وغيرهم. وكذلك بالنسبة للإمامة الإباضية، فقد عرفت الوصاية «ولاية العهد»، في عمان كوصية الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (ت:1059هـ) لابن عمه سيف بن سلطان بن مالك (ت:1090هـ)، بل تعتبر الدولة اليعربية آخذة بهذا النهج، وإن كانت هناك هيئة من الفقهاء تنصِّب الإمام، وعلى الأمة أن تتبعهم. وفي خارج عمان كما حصل في الدولة الرستمية بالشمال الإفريقي، وهي مثال احتذاه اليعاربة. وقد فندتُ ذينك الاعتراضين في مقال «ولاية العهد.. والتقاليد الإباضية» نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 18/ 1/ 2021م.

وفي المبادئ الاقتصادية.. ينطلق «النظام21» من منطلقات «النظام96»، إلا أنه أضاف تشريعاً مهماً يتعلق بالمجتمع، فقد نص في المادة (14) على (توفير فرص العمل [للمواطنين]، والقضاء على الفقر)، ملزِماً الدولة بذلك حتى تستقر نفوس المواطنين، ويتجاوز المجتمع ما قد يحصل من احتقان فيه لعدم توفر فرص العمل للباحثين عنه. وينص «النظام96» في مادته (11) على أن (الضرائب والتكاليف العامة أساسها العدل وتنمية الاقتصاد الوطني). أما في «النظام21» لن تصبح الضرائب لأجل (تنمية الاقتصاد الوطني)، وإنما (أساسها العدالة الاجتماعية)، كما نصت عليه المادة (14)، وهذا تحوّل كلي في مفهوم صرف الضريبة لصالح المجتمع، يتناسب مع العدالة الاجتماعية التي تنشدها الشعوب.

وفي المبادئ الاجتماعية.. أولى «النظام96» عنايته بالأسرة، فاعتبرها (أساس المجتمع، وينظم القانون وسائل حمايتها، والحفاظ على كيانها الشرعي، وتقوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم)، كما ورد في المادة (12) منه. بيد أن «النظام21» أولاها عناية أكبر، وركز على مسؤولية الدولة في بنائها وفق (الدين والأخلاق والوطنية)، وأوجب عليها العمل على (تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها)، وعلى (تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة)، بنص المادة (15) منه. واعتبرت (العمل حق وشرف)، فمن «حق» أي مواطن أن يحصل على عمل تستقيم به حياته، وهو كذلك «شرف» يعبّر من خلاله عن انتمائه للوطن. كما التفتت هذه المادة إلى الوقف، والوقف في المجتمعات الإنسانية من أهم ركائز وجودها، فأكدت على الدولة أن تشجع الوقف وتضمن استقلاله، وهو ما لم يرد في «النظام96».

وفي المبادئ الثقافية.. يلفت «النظام21» النظر بتوسعة مساحة الاستقلال والحرية فيها، فقد تكفلت الدولة باستقلال الجامعات، وأن يكون القَبول فيها بالمساواة على أساس الكفاءة والجدارة. وتكفل الدولة كذلك حرية البحث العلمي وحرية الإبداع الفكري ورعاية المدعين.

وفي الحقوق والواجبات العامة.. ربطت المادة (18) من «النظام21»، بين الحياة والكرامة، فلا حياة بدون كرامة: (الحياة والكرامة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة باحترامهما وحمايتهما وفقاً للقانون)، وهذه المادة إضافة على «النظام96».

هذه أهم القضايا التي تميّز بها النظام الأساسي للدولة الذي أصدره جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزّه الله - لتواكب تحولات المرحلة، ولتوسّع دائرة الاهتمام بالمواطن ومشاركته في إدارة دولته.