الأكاديمية السلطانية للإدارة ودراسات بيئة القيادات

09 مارس 2024
09 مارس 2024

أعلنت الأكاديمية السلطانية للإدارة الأسبوع المنصرم خطة برامجها ومبادراتها للعام 2024، وهي استكمال للخط الذي بدأته في تعزيز بيئة القيادات الحكومية، وقيادات قطاع الأعمال، أو في تطوير بيئة القيادات والممارسات في الإدارة المحلية، وبعض المبادرات المرتبطة بتعزيز منظومة الجاهزية للمستقبل في عدد من القطاعات المحددة. في الواقع فإن الأكاديمية كبيئة عمة تُقدم نموذجًا رائدًا للمفاهيم المستجدة في تصميم بيئات العمل، سواء من ناحية تمحورها على مفاهيم المرونة، وتطويع التقنية، وتجهيز المرافق وفق أحدث ممارسات تحسين تجارب المستخدمين. وكمؤسسة مهنية فهي تقدم كذلك إطارًا جديدًا يحترم القيم المؤسسية، ويدمجها في كل تفاصيل المهام والمسؤوليات، وكمؤسسة أكاديمية فهي تؤسس لأطر علمية تنفيذية تستوعب الاحتياجات الوطنية، وتستدمج التوجهات العالمية، وتصوغ برامجًا تستوعب السياق المحلي برؤاه الوطنية وخططه القطاعية، واستراتيجياته الخمسية متوسطة المدى. ونعتقد أن أهم الممكنات التي تساعد الأكاديمية على تقديم ذلك هو رصدها المنهجي والمُحدث للاتجاهات العالمية، ولاتجاهات التنافسية الدولية ومحكاتها، بالإضافة إلى عملها مع بيوت خبرة عالمية متمكنة في هذا إعداد وخبرات البيئات القيادية.

ولعل ما يلفت في إعلان البرامج المزمعة لهذا العام هو استحداثُ برنامجٍ يعنى ببناء القدرات التخطيطية والاقتصادية بالمحافظات – وهو أمر دعونا لضرورته في مقالات سابقة معنية بالتحول للامركزية – ونعتقد أن مثل هذا البرنامج من شأنه أن يواكب انتقال المحافظات إلى التمكن من تخطيط العمليات الاستثمارية، وفهم النماذج الاقتصادية التي تتميز بها المحافظات، والعمل على تحويل اقتصادياتها المحلية إلى اقتصاديات جاذبة للاستثمار سواء – عبر المحافظات – أو الاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى تمكين خطط التنمية المحلية من التناغم مع الخطط والاستراتيجيات القائمة وأبرزها الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية. وكذلك استحداث برنامج يعنى بأعضاء المجالس البلدية (المنتخبين)، وذلك استكمالًا للبرامج الموجهة لقيادات الإدارة المحلية بما في ذلك المحافظين والولاة. واستحدثت الأكاديمية كذلك برنامجًا يعنى بالموظفين الجدد في القطاع الحكومي، ونأمل من هذا البرنامج تحديدًا أن يشتغل على تكوين نموذج ينقل عبر المؤسسات؛ بمعنى أن تقوم الأكاديمية بتطبيقه عبر نسخ ودفعات محدودة؛ ثم تعمل بعد ذلك على نقله إلى كافة مؤسسات القطاع الحكومي وتطويره عبر رؤى واختصاصات تلك المؤسسات؛ ليكون برنامجًا وطنيًا موحدًا ومعتمدًا لتدريب الداخلين الجدد إلى بيئات العمل الحكومي. ويمكن موازاة مع ذلك أيضًا تأهيل قطاع من المدربين يمثلون المؤسسات الحكومية، ويستطيعون لاحقًا قيادة هذا البرنامج عبر مؤسساتهم وتطبيقها على أية دفعات جديدة من الموظفين، وبما يخلق للبرنامج الاستدامة والأثر المطلوب منه.

يمكن القول كذلك أن عديد البرامج التي أعلنت عنها الأكاديمية تركز على (الإدارات/ القيادات الوسطى)، وهو أمر محمود لأن ما تثبته الكثير من الدراسات حيال القيادة والإدارة يشير إلى الإدارات/ القيادات الوسطى هي العصب الأهم في نجاح قيادة التغيير وتطبيق رؤية المؤسسات من عدمه، والسر أن هذه القيادات هي أشبه بمنصات حشد التأييد والدعم. تقول ويندي هيرش المختصة في علم التغيير والقيادة: "يمكننا أن نرى أن المديرين المتوسطين يقودون التغيير من خلال ثلاثة أنواع من الإجراءات. إنهم يفسرون ويشاركون ويشرحون وينسقون وينفذون. علاوة على ذلك، فإن تلك الإجراءات الأكثر فعالية تعمل على موازنة المطالب المتضاربة التي تنشأ في كل مجال من هذه المجالات". ومع الجهد الذي تقوم به الأكاديمية؛ فإننا نضع هنا بعض المقترحات التي نرى أن من شأنها أن تضيف إلى بيئة القيادات في عُمان من خلال أعمال الأكاديمية وبرامجها:

- أولًا: نعتقد أنه من الضرورة التركيز أيضًا على دراسات الأنماط القيادية؛ فرغم تخصيص دورية الإداري الصادرة عن الأكاديمية لأبحاث الإدارة والقيادة؛ إلا أننا نعتقد أن وجود دراسات استراتيجية على المستوى الوطني والقطاعي تتبع الأنماط القيادية وتحولاتها، وتركز على أدوار تراتبية الإدارة في تحقيق أهداف المؤسسات ومؤشراتها، وتدرس العوامل النفسية والاجتماعية والمؤسسية المؤثرة في تشكيل أنماط القيادة، وبيئات دعم القيادات، كل هذه محاور مهمة تندرج تحت دراسة أنماط القيادة وهي ضرورية لخدمة المقاصد الوطنية، فمع العمل الراهن لمتابعة تنفيذ الرؤية الوطنية (عُمان 2040) من المهم أن نفهم طبيعة القيادات وخاصة في الإدارات الوسطى التي يتطلبها تنفيذ الرؤية في القطاعات المختلفة، وما المؤثرات لإيجادها وتشكيلها، وكيف تتأثر تؤثر بالإدارات العليا وبالتنفيذيين، ويمكن أن تقدم هذه الدراسات إطارًا تقييمًا داعمًا لمراجعة تحقق الرؤية عبر دوريات التقييم ومراحله.

- ثانيًا: رغم إعلان الأكاديمية عن برنامج (نسمو) والهادف لخق مجتمع من القيادات النسائية العُمانية في القطاع الخاص والحكومي والمدني؛ إلا أننا نعتقد أن وجود برنامج موجه لقيادات المجتمع المدني بأشكاله الثلاثة هو مطلبٌ قديمٌ متجدد. فالأنماط والحاجيات الوطنية التي تسترعي تفعيل هذا القطاع بجمعياته ومؤسساته، والدور المرجو منه في إيجاد برامج استراتيجية لتفعيل العمل المدني، والمساهمة في التنمية المجتمعية، وتعزيز مكانة المرأة العُمانية يتطلب إيجاد قيادات فاعلة، تتمرس على أحدث منهجيات إدارة المؤسسات المعنية بالعمل المدني، وتستطيع أن تطبق مبادئ ما يُعرف بالقطاع الثالث، والابتكار المجتمعي، وبناء المرونة المجتمعية، والتي أصبحت مفاهيم رئيسية لعمل مؤسسات المجتمع المدني عالميًا.

إن من شأن خلق صف وطني من المدربين – وهو ما تعمل عليه الأكاديمية – وتوسيع نوعية البرامج التي من الممكن أن يدربوا عليها، ويتأهلوا على معارفها، تحويل الأكاديمية إلى بيت خبرة ليس وطنيًا فحسب، وإنما إقليمي. وهو ما دعوت إليه في حضوري اللقاء الإعلامي للأكاديمية، من خلال التفكير في تكوين بيت خبراء عُماني، في مجال دراسات واستشارات وبرامج القيادة، وتسويق هؤلاء الخبراء عبر الحدود. إضافة إلى وضع آليات واضحة للطرق التي يستطيع من خلالها المتدربون والخاضعون لبرامج الأكاديمية نقل معارفهم ومتحصل علومهم إلى مؤسساتهم، وإلى الإدارات العليا والتنفيذية من حولهم؛ وذلك لضمان وضوح وتشكل نمط مدرسة القيادة العُمانية المراد تشكيلها وترسيخها.