الأعاصير ومنصات التواصل وأجمل انعكاسات البشرية

05 أكتوبر 2021
05 أكتوبر 2021

بدر بن عبدالله الهنائي*

مع كل نقاش يتطرق إلى الجدلية حول ما إذا كانت منصات التواصل هي انعكاس لواقع المجتمع أم لا، تتبادر إلى الذهن عبارة استخدمتها إحدى مشاهير الفن في أستراليا عندما قررت إغلاق صفحتها على تويتر إثر موجة كراهية تعرضت إليها قائلة بأن «الإنترنت هو أقبح انعكاسات البشرية على الإطلاق». وبغض النظر عما إذا اعتقدنا بأن منصات التواصل هي الانعكاس لواقع المجتمع أو بأنها هي التي تصنع الواقع في كثير من الأحيان، فإن ما لا يمكن الاختلاف عليه تجسيد تلك المنصات للحمة الوطنية والنسيج المجتمعي ووضوح الرؤية قبل وأثناء وبعد عبور الحالة المدارية شاهين أراضي السلطنة، وهو مشهد تكرر من قبل مع حالات مدارية ساقها القدر عبر المحيط الهندي إلى السلطنة.

وبالحديث عن الحالات المدارية التي شهدتها السلطنة فقد وثقت منصة تويتر تاريخا خاصا بتلك الحالات بدءا من الإعصار فيت بداية يونيو 2010 - إذ لم يكن تويتر ذائع الصيت عالميا في فترة إعصار جونو - عندما كان عدد مستخدمي تويتر من السلطنة لا يتجاوزون بضع مئات يشكل غير العمانيين جزءا كبيرا منهم، وقد يعد ذلك - إضافة إلى تأخر تويتر في دعم اللغة العربية بشكل كامل - سببا في أن معظم المشاركات والنقاشات عبر تلك المنصة كانت باللغة الإنجليزية. ومع وضع ذلك في الاعتبار فقد أسهمت الفترة التي شهدت حدوث الإعصار فيت في الكشف عن بعض الفجوات الاتصالية فيما يتعلق بتنويع الوسائل والأدوات ولغة الخطاب بما ينتج عنه عدم كفاءة وصول الرسائل الإعلامية والتوعوية لبعض الشرائح في المجتمع وخصوصا أولئك الناطقين بغير العربية. فبينما اعتاد العمانيون التحلق حول شاشات التلفاز أو بجانب المذياع لمتابعة الربط المباشر واللقاءات المتنوعة مع المسؤولين والتغطيات الحية من مختلف المناطق التي قد تتأثر بالحالات المدارية، كان ثلث المجتمع - الناطقون بغير العربية آنذاك - يتوق للحصول على الجرعات الكافية من المعلومات بما يتناسب مع سرعة تطور الأحداث وارتباطها بخسائر بشرية ومالية محتملة.

جلسةُ تربّعٍ على الأرض أمام التلفاز مع حاسب آلي محمول أثناء ساعات البث المباشر ونشرات الأخبار كانت كافية بالنسبة لبعض الفاعلين على تويتر آنذاك لنقل الأخبار والمعلومات الهامة إلى اللغة الإنجليزية ونشرها على تويتر، والتي كان يتلقفها مستخدمو تويتر من مختلف الجنسيات ليترجموها بدورهم إلى لغاتهم الأم ويشاركوها محيطهم وسفارات دولهم وأنديتهم الاجتماعية ويتناقلها صحفيو وسائل الإعلام الناطقة بغير العربية من أجل توسيع نطاق نشرها وتستعين بها بعض شركات الاتصالات لنشر التوعية عبر الرسائل النصية القصيرة وتغذي بها بعض المنتديات الحوارية الشهيرة في تلك الفترة جهودها التوعوية للوصول إلى الأيدي العاملة خصوصا من ذوي الياقات الزرقاء. لقد كشفت تلك التجربة - في وقت مبكر من بدء انتشار تويتر في السلطنة - ملامح الإمكانات التي يمكن أن تقدمها منصات التواصل الاجتماعي من أجل بث رسائل توعوية مركزة وحساسة للوقت يمكن أن تثريها اللغات المتنوعة والمحتوى الثري والتواصل ثنائي الاتجاه، وهو ما يمكن أن يعتبر أحد أبرز التغيرات الملحوظة لاحقا.

في العام 2014 كانت السلطنة على موعد مع حالتي مداريتين؛ العاصفة المدارية نانوك في يونيو، والإعصار نيلوفر في أكتوبر. غير أن وجود هاتين الحالتين المداريتين على تويتر اقترن بكلمتي «عمان مستعدة» وهو الاسم الذي ارتأى القائمون على اللجنة الوطنية للدفاع المدني (سابقا) والمركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة أنه الأنسب ليجسد الخبرات المتراكمة التي بنتها السلطنة من تجاربها السابقة، بالإضافة إلى أنه يعكس الترابط الوثيق بين قطاعات اللجنة وجاهزيتها للتعامل مع حالات من هذا النوع. وقد خصص المقدم فيصل الحجري - الرائد آنذاك - وزملاءه في المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة من وقتهم ما يمكّنهم من بث التوعية والتعريف بالجهود والتطورات بالتزامن مع كل من الحالتين المداريتين - حتى وإن تطلب الأمر مجرد استخدام جهاز آيفون للتغريد على تويتر حسبما تبين نتائج البحث في تويتر - بما يعزز من شعور المجتمع بالثقة تجاه جهود المؤسسات الرسمية وقدرتها على التعامل مع الحالات المدارية، وهو ما تكرر في الحالات المدارية اللاحقة؛ أشوبا وشابالا وميج في العام 2015.

ومع المستوى المتقدم لتطور استخدامات منصات التواصل الاجتماعي والرصيد المتراكم من التجارب والخبرات في إدارة الحالات الطارئة وما تتطلبه من مواكبة في جوانب الدعم - خصوصا عبر منصات التواصل - فقد شكل الإعصار ميكونو في صيف 2015 رصيدا إضافيا في حصيلة التجربة العمانية في كيفية نشاط الجهات الرسمية عبر منصات التواصل أثناء الحالات المدارية - وهو ما لا يخفى على أحد - وما رافقه من تفاعل مجتمعي وعاطفة يمكن قياسها عبر أدوات رصد وتحليل الرأي العام. وكما اختزلت تجربة ميكونو أبهى صورة لترابط وتكامل المؤسسات الرسمية، فقد جسدت كذلك اللحمة الوطنية والتماسك المجتمعي والإحساس بالمسؤولية لدى مختلف شرائح المجتمع. إن من أبرز ما يعلق في الذاكرة كيف يمكن أن تختلط الممارسة الإعلامية بالمشاعر البشرية بأن يتمسك الفريق القائم على منصة «عمان مستعدة» بنفي خبر وفاة الطفلة أملا في أن تتشبث بخيط الحياة أثناء انتظار التقرير الطبي من المستشفى، ثم يعود ليؤكد خبر الوفاة مع الشعور بالضعف أمام القدر. وقد تجسد تلك الحادثة ما سعى الزملاء في المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة لترسيخه عبر جميع القطاعات؛ وهو أن الحفاظ على النفس البشرية هو أقصى غايات العمل، وأن كافة الأضرار التي يمكن أن تسببها يمكن معالجتها ما عدا خسارة النفس البشرية.

امتدت التجربة الثرية لاحقا مع لبان وهيكا في ذات العام، ثم كيار في العام 2019، ليتوجها ما جسده العمانيون من أسمى القيم أثناء الإعصار شاهين وتجليات أظهرت أجمل انعكاسات البشرية عبر وسائل التواصل؛ فمن جهود التوعية والتشديد على أهمية استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية إلى نشر أفضل ممارسات الاستعداد لمواجهة تأثيرات الإعصار والتضرع إلى الله عز وجل بالتخفيف من تلك التأثيرات وإبداء التعاطف والمؤازرة لقاطني المناطق المتضررة وشحذ الهمم للتعامل مع الأضرار الناجمة عن الإعصار، وفوق ذلك كله دحض أي محتوى إعلامي كريه ترفضه عمان تربة وتربية، ولو كان مصدره قناة إعلامية شهيرة.