أولويات الحكومة بعد ارتفاع أسعار النفط

07 يونيو 2022
07 يونيو 2022

لقد مر الاقتصاد العالمي بمرحلة عصيبة جدا خلال العامين الماضيين، فمنذ بدء جائحة كورونا في ديسمبر عام ٢٠١٩ والتي ألقت بجل ثقلها على مفاصل الاقتصاد العالمي المأزوم أصلا، لم تكد تنحسر تلك الجائحة بما خلفته من تداعيات وخيمة سيتطلب معالجتها سنوات قادمة أخرى كما يقر بذلك الاقتصاديون، حتى نشب الصراع الروسي-الأوكراني، الذي أربك مساعي الإصلاحات الاقتصادية الحثيثة للجائحة.

بارتياح تام نتابع استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية ووصولها لمستويات قياسية نتيجة لعوامل نظن أنها لن تدوم طويلا بسبب مساعي العالم إلى استخدام الطاقة البديلة خلال الأعوام القادمة وبعض التغييرات الجيوسياسية التي قد يشهدها العالم قريبا.

عُمان حالها كحال الدول الأخرى تأثرت اقتصاديا وماليا من تلك الأحداث والأزمات الاقتصادية لكنها حافظت على مستويات الإنفاق الحكومي منذ أزمة انخفاض أسعار النفط في 2014م بهدف الحفاظ على الرفاه الاجتماعي للمواطنين والتريث بعدم اتخاذ قرارات مالية تؤثر على حياة المواطن ظنا من الجميع أن انخفاض أسعار النفط لن يدوم طويلا، إلا أن الانخفاض استمر لسنوات عديدة مع استمرار الحكومة تنفيذ خططها السنوية كاستيعاب أعداد من الباحثين عن عمل واستمرار مستويات دعم الحكومة لأسعار المحروقات والخدمات الأخرى كالكهرباء والمياه الذي كلّف الميزانية العامة للدولة في تلك السنوات مبالغ باهظة؛ حيث وصل الإنفاق الحكومي في عام 2015 إلى أكثر من 15 مليار ريال عُماني بسبب تعديل رواتب موظفي الخدمة المدنية التي ارتفعت بمعدل الضعف عما كانت عليه والاستمرار في الإنفاق على جملة من المشاريع التنموية بالرغم من انخفاض إيرادات النفط لأكثر من 70%.

بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تضرر منها الاقتصاد العماني كثيرا على مدار الأعوام الماضية، إلا أن الحكومة لم تتوقف عن التوظيف ومعالجة القضايا الأخرى مثل ترقية مجموعة من موظفي الدولة المستحقين ومواصلة الدعم الحكومي لعدد من الخدمات الأساسية وهذا يثبت أن الحكومة تسعى بكل ما أوتيت من استطاعة إلى أن تعالج كل ما يقف عائقا أمام تمتع المواطن بحياة اجتماعية هانئة.

نتفهم ما ينشده الرأي العام من مطالبات واستفسارات وتساؤلات بشأن خطة الحكومة في التعامل مع الوفورات المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط ونشاركهم الهواجس والأمنيات بأن تنعكس تلك الوفورات إيجابا على حياة المواطن اليومية، ولكن لنكن صرحاء أن هناك أولويات على الحكومة أن تعالجها لوضع حد للإنفاق المالي سنويا على خدمة الدين العام للدولة الذي يقف عائقا كبيرا أمام خطط الحكومة في الاستمرار بتنمية البلد، والإنفاق على المشاريع الإنمائية والاستثمارية التي بدورها تعالج القضايا المجتمعية من خلال توفير أكبر قدر من فرص العمل؛ إذ إن الأرقام تشير إلى أن أكثر من مليار ومائتي مليون ريال عُماني ستذهب هذا العام لخدمة الدين، وهذا الرقم يفوق ميزانية بعض الوحدات الحكومية، إضافة إلى المبالغ الباهظة التي ستنفقها الدولة على دعم أسعار المحروقات وتثبيت تسعيرة الكهرباء.

حقيقة لا أفهم السخط الذي يعتلي وسائل التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى التخفيف عن كاهل المواطن من خلال تخفيض نسبة تكلفة الكهرباء ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاهتمام برواد الأعمال ودعم أصحاب الدخول المنخفضة عن طريق الإعفاءات على القروض الإسكانية لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية والسعي نحو التخفيف على المواطن ماديا نجد الأصوات التي تقزم من تلك الجهود وتقلل من أهميتها، فهل نحن مدركون لما تقوم به الحكومة من أجلنا؟!.

أقولها بصراحة تامة: إذا أردنا أن نتخلص من معضلة الدين العام للدولة وأن نسيطر على بعض الممارسات التي فاقمت تردي الوضع المالي خلال السنوات الماضية، علينا أن نستمر بكل شغف ومسؤولية في جهودنا لاستدامة الوضع المالي وأن نواصل عزمنا في توجيه مواردنا المالية التوجيه الأمثل بعيدا عن المصروفات الجارية غير الضرورية، فخطة التوازن المالي شارفت على الانتهاء ومتفائل جدا بنتائجها الإيجابية لا سيما وأنها كبحت ارتفاع نسبة الدين العام الذي كان بدون الخطة سيصل لمستويات كارثية.

ختاما لا يسعني إلا أن أسجل كلمة اعتزاز وتقدير لكافة الجهود المبذولة في سبيل الارتقاء بهذا البلد وإعلاء شأنه ولو كانت تلك الجهود بالكلمة الطيبة وبالتفاعل الإيجابي في وسائل التواصل الاجتماعي مع المساعي الحكومية لرقي حياة المواطن العُماني.

راشد الشيذاني باحث اقتصادي عماني