أساسيات التخطيط للتواصل والإعلام

12 يوليو 2022
12 يوليو 2022

قد يكتنف بعض ممارسات التواصل والإعلام بالنسبة لغير المشتغلين فيها شيء من عدم الوضوح حول جوانب مختلفة فيها، إلا أن أهم ما ينبغي لتلك الفئة معرفته أساسيات التخطيط لتلك الأنشطة والممارسات كونها القاعدة التي يتم البناء عليها من أجل تحقيق الأهداف المرجوة. إن من أكثر العناصر أهمية في سياق التخطيط للتواصل والإعلام وأبسطها على الإطلاق هو معرفة الهدف الأساسي من القيام بأنشطة إعلامية محددة، ويمكن صياغة تلك الأهداف عبر المعرفة الواضحة بالغاية الأساسية المراد تحقيقها بتلك الأنشطة. فعلى سبيل المثال قد ترغب المؤسسة في تعريف بعض شرائح الجمهور بمعلومة جديدة لمجرد التعريف، أو التعريف بتلك المعلومة كجزء من عمل ممنهج ومستمر في بناء صورة ذهنية معينة حول تلك المؤسسة لدى مجموعة من الأطراف ذات العلاقة، أو تصحيح تصور معين شائع تجاه المؤسسة، أو ربما تحفيز سلوك معين لدى بعض شرائح الجمهور بما يرتبط مع طبيعة عمل تلك المؤسسة أو يخدم أهدافها، وغيرها من الأهداف الكبرى.

مع تحديد الهدف الأساسي من أنشطة التواصل والإعلام الذي قد يستدعي التوافق عليه مع قيادة المؤسسة أو مع إحدى التقسيمات الإدارية ذات العلاقة بالموضوع المراد إقامة تلك الأنشطة حوله، فإنه يترتب على الفريق المعني بالتواصل والإعلام تحديد مجموعة من الأهداف التواصلية التي بتحقيقها يضمن تحقيق الهدف الأساسي المذكور أعلاه، والتي قد تتنوع لتشمل جوانب تتعلق بالمحتوى المنشور أو نطاق الانتشار أو مستوى التفاعل أو ردود الفعل المرجوة من الجمهور المستهدف وغيرها من الأهداف. وتنبع أهمية تحديد تلك الأهداف في كونها المرجع الأساسي الذي يتم على ضوئه معرفة أنواع الأنشطة المراد إقامتها والرسائل الإعلامية التي يفضل استخدامها وكذلك الأطر الزمنية وكثافة النشاط وقنوات التواصل بل وحتى ما إذا كانت تلك الأهداف تستدعي وجود موازنات مالية معينة وخصوصًا في حال كانت هنالك أنشطة مدفوعة مثل شراء المساحات الإعلانية وصناعة المحتوى وترويجه أو مصاريف جوانب الدعم مثل إقامة اللقاءات الإعلامية أو التعريفية وغيرها.

إن من الضروري عندما تعكف الفرق المعنية بالتواصل والإعلام أن تحدد بوضوح الفئات المستهدفة من تلك الأنشطة، التي يمكن تسميتها الجمهور المستهدف أو شرائح الجمهور. ويمكن ضمان سهولة تحديد تلك الفئات عبر وجود خارطة أو مخطط بياني أو جدول بسيط يضم الأطراف ذات العلاقة بالنسبة للمؤسسة عموما Stakeholder Mapping يتم الرجوع إليه عند كل عملية تخطيط لأنشطة التواصل والإعلام من أجل الاتفاق على الأطراف المستهدفة من تلك الأنشطة تحديدًا. وتذهب بعض الممارسات إلى أبعد من ذلك بتصنيف تلك الفئات على محاور مختلفة أبرزها مستوى التأثير في المؤسسة ذاتها، ومستوى التأثر بقرارات المؤسسة، إضافة إلى قيام بعض ممارسي التواصل والإعلام بصياغة شخصيات مرجعية Persona يتم من خلالها توصيف كل فئة من فئات الجمهور المستهدف، كما لو أنها كانت شخصًا، ويتم ذلك بإعطاء اسم لتلك الشخصية وتحديد عمر أو فئة عمرية لها ومسمى وظيفي وبعض الجوانب الحياتية مثل مكان السكن وأسلوب الحياة إضافة إلى تحديد أبرز وسائل التواصل والإعلام التي يستخدمها ذلك الشخص -ممثلا لتلك الفئة من الجمهور المستهدف- من أجل توظيفها لاحقًا لضمان وصول الأنشطة إليه.

وفي سياق التخطيط لأنشطة التواصل والإعلام فإنه ينبغي على الفريق المعني بذلك تحديد ما يمكن تسميته (الرسائل والوسائل) -وهي تسمية يؤمل من الجناس الناقص فيها ضمان سهولة حفظ العنصرين واستذكارهما- حيث تتمثل الرسائل في بعض العبارات المفتاحية المراد استخدامها للتعبير عن أهم ما تود المؤسسة إيصاله إلى المتلقي، وهي عادة ما تكون محدودة العدد ومركزة في الوضوح. ويمكن على سبيل المثال أن تكون تلك الرسائل من قبيل أن «المؤسسة رائدة في المجال الفلاني» أو أن «المؤسسة تسعى باستمرار لتحقيق كذا» وغيرها من العبارات المفتاحية.

أما بالنسبة للوسائل فهي قنوات ومنصات التواصل والإعلام التي سيتم استخدامها من أجل إيصال تلك الرسائل، وهي كما سلف ذكره يجب أن تكون مرتبطة بطبيعة الفئات المستهدفة من الجمهور التي ينبغي أن يكون قد تم تحديدها مسبقًا، وذلك عبر معرفة أي وسائل التواصل والإعلام تستخدمها كل فئة من فئات الجمهور المستهدف من تلك الأنشطة. ومع أن العديد من المؤسسات تفضل استهداف عامة المجتمع عموما -على المستوى المحلي- فإنه من المهم في سبيل ذلك ضمان تنوع وسائل التواصل والإعلام المستخدمة من أجل ضمان تغطية مختلف فئات المجتمع.

إن ممارسات التواصل والإعلام في مجملها حساسة للوقت، بمعنى أنها قد تتفاوت النتائج التي تحققها باختلاف الأوقات التي يتم تنفيذها فيها. ويعود السبب في ذلك إلى أن تلك الممارسات عادة ما تخاطب الجمهور الذي يكون في حالات ذهنية مختلفة باختلاف الأوقات والظروف المحيطة أو ما يصطلح على تسميته بـ«المزاج العام»؛ لذا فإن من المهم أن يرتبط التخطيط لأنشطة التواصل والإعلام بذلك الاعتبار عبر الإطار الزمني المخصص لتنفيذ الخطة. كما تبرز أهمية البعد الزمني لتنفيذ الخطة في البناء على السياق الموجود بشكل عام، والذي يمكن وصفه بأنه البيئة المناسبة لتمرير الرسائل المخططة.

ولأن الحديث يتمحور حول التخطيط والتنفيذ، فإن من المهم أن تكون هنالك آليات محددة مسبقًا للتقييم والتحكم، ذلك أن تنفيذ أنشطة التواصل والإعلام عادة ما يرتبط بمتغيرات كثيرة يكون جزء منها خارجًا عن سيطرة الفريق المعني بالتواصل والإعلام أو المؤسسة ككل. ويمكن تشبيه ذلك بالإبحار على متن سفينة يوجد على متنها طاقم متكامل يعرف وجهته والمسار المحدد للوصول إليها، ورغم وضوح كل عناصر التخطيط والتنفيذ لا يفوت ذلك الطاقم مراقبة المتغيرات باستمرار مع وجود البدائل والأدوات التي تضمن التعامل مع تلك المتغيرات من أجل وصول السفينة وطاقمها بسلام إلى الوجهة النهائية.

بدر بن عبدالله الهنائي عضو مجلس Forbes لخبراء التواصل