أحداث «حوارة» لن تنتهي سريعا!!

06 مارس 2023
06 مارس 2023

منذ أن تم تشكيل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو قبل نحو ثمانية أسابيع، دخلت إسرائيل وبشكل سريع إلى حالة أقرب إلى الفوضى السياسية والأمنية على المستوى الداخلي وبين فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي بوجه عام، وفي الضفة الغربية المحتلة وأراضي 48 (داخل الخط الأخضر) بوجه خاص، وخلال الأسابيع القليلة الماضية تكررت الاقتحامات الهمجية الإسرائيلية، والاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، وانتقال المجازر الإسرائيلية ضد المخيمات الفلسطينية من جنين إلى نابلس والخليل، وإلى قرى عديدة منها حوارة وغيرها على سبيل المثال، في استهانة وتحد سافر لكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني.

وفي ظل طبيعة ومعطيات الواقع الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي من ناحية، والموقف الإسرائيلي السياسي الداخلي وطبيعة تركيبة التحالف اليميني المتطرف من المستوطنين والقيادات الدينية المتطرفة برئاسة نتانياهو وتوجهات أبرز قياداته وقيادات الكنيست من ناحية ثانية، فإن أحداث الأسابيع الأخيرة ليست طارئة، وخطورتها أنها تترجم سياسة ورؤية التحالف الحاكم بتطرفه وتعصبه وهمجية قياداته بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي ذاته، بكل ما يرتبه ذلك من نتائج ليس فقط على أوضاع إسرائيل الداخلية وعلى العلاقات بين اليهود والفلسطينيين وآفاق الحل السياسي للقضية الفلسطينية ولكن أيضا على الأوضاع والاستقرار في المنطقة ككل. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا، أنه في الوقت الذي توجد فيه حالة من التناغم السياسي في رؤية كل من بنيامين نتانياهو وبين قادة ومسؤولي أحزاب الائتلاف الحاكم، ليس فقط بفعل تكوين الائتلاف والمشاركة في تشكيل الحكومة الحالية، ولكن أيضا في الاتفاق فيما بينهم على رفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية ورفض المبادرة العربية للسلام وحل الدولتين والاتفاق على الرؤية التوراتية للصراع، فإن هناك مصالح عملية تفرض حالة مما يمكن تسميتها السيطرة المتبادلة -أو الدعم المتبادل- بين رئيس الوزراء الإسرائيلي وبين أحزاب الائتلاف في مقدمتها أن نتانياهو يتصور أن هذا الائتلاف بمواقفه وسياساته وقناعاته المتطرفة يشكل المدى الذي يطمح نتانياهو في الوصول إليه لترجمة أفكاره بالنسبة لمستقبل إسرائيل والقضية الفلسطينية إلى خطوات عملية تخدم إسرائيل وتضعه في الوقت ذاته بين قادة إسرائيل التاريخيين، وبالنسبة لأحزاب الائتلاف فإنهم يرون أن نتانياهو أعطاهم الفرصة التاريخية لصياغة السياسة الإسرائيلية وتحديد خطوات الحل مع الفلسطينيين والعرب وفق رؤاهم التوراتية، بغض النظر عن تطرفها واستحالة تطبيقها والتكلفة المترتبة عليها في الحاضر والمستقبل. وفي ظل ما تطرحه مرحلة التدهور العربي والفلسطيني الراهنة، والدعم الغربي للطروحات الإسرائيلية، فان ما يراه المتطرفون الإسرائيليون من خطوات على طريق التطبيع العربي مع إسرائيل والتدهور المتزايد والمتواصل في الموقف العربي يعطيهم نوعا من الأمل في إمكانية تحقيق ما يريدون برغم أنه يمثل الجانب المضاد للتاريخ وللتطور الطبيعي في هذه المنطقة ومستقبلها خاصة إذا توفرت لها الظروف القادرة على وقف مرحلة التدهور الحالية أو تقصيرها بقدر الإمكان.

ومن هذا المنطلق نشأت علاقة الدعم القوي والمتبادل بين نتانياهو وبين ائتلافه المتطرف، خاصة مع إدراكهم جميعا لحقيقة أن هذه هي على الأرجح الفرصة الأخيرة لكليهما، أي لنتانياهو والأحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة في الائتلاف الحاكم لتولي السلطة، وذلك لاعتبارات عديدة تتصل بنتانياهو كقائد إسرائيلي استنفذ أو كاد، كل فرصه ورصيده السياسي، بغض النظر عن أنه لن يتردد في خوض الانتخابات مرة أخرى إذا اضطر إلى ذلك. وبالنسبة للأحزاب الدينية وأحزاب المستوطنين فإن هذه الأحزاب تحتاج باستمرار إلى من يدفعها أو يأخذ بيدها بحكم أنها أحزاب صغيرة من ناحية، هذا فضلا عن أن المناخ السائد في إسرائيل وإن كان غلب عليه التوجه اليميني بحكم سيطرة الليكود والأحزاب الدينية بشكل أو بآخر على مدى أكثر من عشرين عاما، إلا أنه ليس هناك ما يضمن استمرارها، خاصة إذا تمكنت أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلي من الاستفادة من دروس فشلها وانقساماتها في السنوات الأخيرة.

ولعل ما يفسر هذه النقطة أن نتانياهو يدرك ويوافق تماما على القيام بدور الغطاء للأحزاب الدينية وأحزاب المستوطنين المتطرفة لتنفيذ جانب من رؤاها المتطرفة والعنصرية ضد الفلسطينيين، معتمدا في ذلك على وضعه السياسي بحكم أنه قضى أطول مدة في رئاسة الحكومة الإسرائيلية -منذ عام 1990- وبحكم علاقاته مع قادة سياسيين كثر في المنطقة والعالم، وتم ويتم هذا مع واشنطن وأطراف إقليمية وعربية عديدة.

وإذا كان ذلك يداعب خيالات الأحزاب الدينية وأحزاب المستوطنين العنصرية والهمجية بحكم أنها ترى في ذلك تنفيذا لرؤاها التوراتية، في فرصة لن تتكرر على هذا النحو مرة أخرى، فإن نتانياهو الطموح يتلقى الثمن مقابل ذلك، ليس فقط في تأييد مبادرته لإصلاح القضاء الإسرائيلي حسب زعمه، سواء بتقليص صلاحيات ومهمات المحكمة العليا في إسرائيل وإدخال عملية تعيين قضاتها ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية «أي تحت سيطرة رئيس الوزراء » إلى جانب ضمان عدم محاكمته كرئيس للوزراء، حيث يقف الآن على مقربة من محاكمته. ومما له دلالة بالغة أن مشروعات قرارات قدمها الائتلاف الحاكم إلى الكنيست، وتمت قراءة بعضها القراءة الأولى وعلى الأرجح سيتم إقرارها بما في ذلك مشروع قانون إعدام الأسري وترحيل الفلسطينيين إلى خارج الأراضي الفلسطينية.

إنها في النهاية صفقة بين نتانياهو وبين الأحزاب المتطرفة ليست بالتأكيد في صالح إسرائيل ولا في صالح الحل السلمي للقضية الفلسطينية ولا الاستقرار في المنطقة.

ثانيا، أن أحداث قرية حوارة الفلسطينية، التي وقعت فجر الاثنين 27 فبراير الماضي تكتسب أهميتها ليس فقط من أنها تمثل حلقة في سلسلة أعمال العنف والهمجية الإسرائيلية المتنقلة والمتواصلة منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن أيضا من أن تلك الأحداث جسدت وبشكل عملي تطبيق ما كشف عنه قادة الائتلاف الحاكم من أفكار وخطط عنصرية وإرهابية ضد الفلسطينيين، والأكثر من ذلك تطبيق وممارسة تلك الهمجية في حماية الشرطة والجيش الإسرائيلي وهو ما يعني موافقة رسمية من جانب الحكومة ورئيسها نتانياهو وحماية لهم بالطبع.

ومع الوضع في الاعتبار أن اجتياح 200 إلى 300 مستوطن إسرائيلي لقرية حوارة الأسبوع الماضي تم عقب قيام مسلحين فلسطينيين بإطلاق النار على مستوطنين إسرائيليين، إلا أن ذلك لا يمكن فصله عن حالات الصدام المتزايدة والمستمرة بين رجال المقاومة الفلسطينية وبين القوات الإسرائيلية والمستوطنين، والتي تزايدت بشكل ملحوظ بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية ومواقفها ومماراتها العدائية والعنصرية ضد الفلسطينيين. على أي حال فإن ما ينبغي التوقف أمامه أن أحداث حوارة وحجم الدمار والحرق الذي تعرضت له -حرق أكثر من 30 منزلا وتدمير أكثر من 100 مركبة وإصابة نحو 350 شخصا- وما أعقب ذلك من اعتداءات همجية في نابلس وقريتي زعترة وبورين يؤكد بوضوح تبنّي الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين لتكتيكات ترهيب الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم ومحاولة إجبارهم على ترك بيوتهم بكل السبل الممكنة والمدعومة رسميا من الشرطة والجيش الإسرائيلي. وإذا كانت تلك التكتيكات الإرهابية هي نفسها التي استخدمتها منظمات الهاجاناة وزفاي لئومي والبالماخ الإرهابية الإسرائيلية في أواخر الأربعينيات ضد القرى الفلسطينية، فإن فشل تلك التكتيكات الآن مؤكد، ليس فقط لأن تلك الممارسات تدفع نحو التصعيد وإثارة رد فعل فلسطيني مسلح يزداد وضوحا وقوة، ولكن أيضا لأن العالم الآن أصبح أقدر على رؤية ما يجري وعلى إدانته الإرهاب الإسرائيلي ولو على استحياء وهو ما حدث ويحدث بشكل أكبر. جدير بالذكر أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سمو تريتش التي دعا فيها إلى «محو حوارة» ورفضه الاعتذار عنها من ناحية وقرار حكومة نتانياهو تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية ومناقشة الكنيست لمشروعات قرارات إعدام الأسري الفلسطينيين من ناحية ثانية تفتح المجال واسعا أمام تصعيد العنف في الأراضي الفلسطينية وتفاعل الانتفاضة التي لا تزال في بدايتها ومن ثم فأحداث حوارة لن تنتهي سريعا، مما يزيد من حالة الفوضى داخل إسرائيل.

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري