آليات التفكير في مشروع قانون العمل الجديد

29 مايو 2023
29 مايو 2023

قبل الحديث عن قانون العمل وتطلعات العاملين العمانيين في القطاع الخاص حوله سواء كان القانون الحالي أو القانون المرتقب صدوره خلال الفترة القادمة، دعونا نفكّر جميعا بهدوء حول ما يرجوه أطراف الإنتاج الثلاثة (العامل، وصاحب العمل، والحكومة)، ولنتساءل.. هل مواد القانون الحالي للعمل متوافقة مع كافة الأطراف ومنظومة العمل والتشغيل في سلطنة عُمان؟ لنكن صرحاء، نعم المواد تتناسب مع الظروف الاقتصادية وطبيعة بيئة العمل حينها وأسهمت في النهوض بقطاع العمل والتشغيل في سلطنة عُمان، ولكن نظرا للمتغيرات الاقتصادية خلال العقد السابق وتمثّلت في تعرض الاقتصاد العالمي لسلسلة أزمات اقتصادية متتالية عصفت باقتصادات دول العالم أجبرتها نحو إيجاد فلسفة جديدة لقطاع الأعمال عبر الاستفادة من تلك الأزمات في الدفع نحو ابتكار نماذج وآليات تضمن استمرار الأعمال واستدامتها شريطة عدم تأثر أطراف الإنتاج الثلاثة، وهنا نضع أمام العاملين العُمانيين سؤالا جوهريا يتحتم علينا جميعا أن نعزز من آليات التفكير حوله.. ماذا يريد العامل العُماني وصاحب العمل إضافة إلى الحكومة من مشروع قانون العمل الجديد؟

بالنسبة للعامل فإن مطالباته بكل تأكيد لن تخرج من هذه المفردات: معالجة ملف إنهاء خدمات العُمانيين من القطاع الخاص وبالتالي الاستقرار الوظيفي، وزيادة مبلغ الحد الأدنى للأجور أو إلغاؤه، وضمان استمرار العلاوة الدورية أسوة بالعاملين في القطاع العام، وتمكين العاملين من حيث التدريب والتأهيل، وضمان استمرار الأجور والرواتب حتى وقت تعرض الاقتصاد العماني -لا قدر الله- لأزمة اقتصادية أو تداعيات اقتصادية مثل جائحة كوفيد-19 التي أحدثت شللا في معظم القطاعات الاقتصادية، وهي في الحقيقة تطلعات مشروعة وفي إطار تحقيق الرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع، أما بالنسبة لصاحب العمل فإني أتصور أن الموضوعات التي تسهم في زيادة إنتاجية العامل وبالتالي تنعكس على ربحية الشركة من أهم الجوانب التي قد يهتم بها، بالإضافة إلى تنظيم جوانب الفصل التعسفي غير الواضحة له الآن في القانون الحالي للعمل التي لم تواكب المتغيرات الاقتصادية، إضافة إلى عدم إثقال كاهل المؤسسة بمبالغ ضخمة نتيجة لأحكام قضائية تجازي المؤسسة لأخطاء ارتكبتها عند الأزمات الاقتصادية التي ربما تطرأ نتيجة بعض التطورات والمستجدات على المستوى العالمي، وربما أقرب مثال لذلك ما تعرض له العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) أواخر 2019م.

أما بالنسبة للحكومة فأرى أنه من المهم أن تضمن وجود سوق عمل يتمكن من مواجهة تقلبات الاقتصاد عبر وجود تشريعات تنظمه ولا تقيّده، وبالتالي يتمكن القطاع الخاص من توليد فرص عمل تتناسب مع المؤهلات والمهارات التي تمتلكها الكوادر العُمانية وبالتالي يجري توليد فرص عمل متنوعة التخصصات، أيضا من المهم أن ينظم القانون كل جوانب العلاقة بين العامل وصاحب العمل لتقليل عدد وحجم النزاعات التي ربما تنشأ بينهما؛ إضافة إلى قيام القطاع الخاص بتمكين العامل العماني مهاريا وإداريا عن طريق استحداث خطط لتوطين الوظائف والتدريب والتأهيل الكفء بحيث يتماشى مع مستويات سوق العمل.

حقيقة كل ما نرجوه من قانون العمل المرتقب صدوره خلال الفترة القادمة هو أن يراعي التوازن في تحقيق مصالح أطراف الإنتاج الثلاثة بحيث يتخذ مبدأ لا ضرر ولا ضرار ولا ينبغي أن يغلب عليه طابع الميلان نحو طرف على حساب طرف آخر، فلا يمكن أن يتضمّن معالجات أحادية في صالح العامل ويتناسى حق صاحب العمل وإن حاولنا أن نبرر بعض السلوكيات غير المسؤولة من قبل العامل.

إن ما نلمسه من حراك مستمر على جميع المستويات التي تشمل الحكومة ومجلسي الدولة والشورى، وما تضمّنته من اجتماعات متواصلة مع الأطراف المختلفة التي تشمل العمال وأصحاب العمل لإعطاء التوازن والشمولية في نص مشروع القانون الجديد للعمل، هناك بعض الملاحظات التي بلا شك سيعالجها القانون واتفق معها كثير من المراقبين والمهتمين بقطاع العمل والتشغيل مثل أهمية تمديد فترة إجازة الأمومة واستحداث بعض الإجازات الأخرى التي تواكب متطلبات الحياة الاجتماعية اليومية للعامل وضمان الاستقرار الوظيفي للعامل ومراقبة الشركات لتمكين العاملين العمانيين لضمان حصولهم على الترقية المستحقة والتدريب المطلوب، إضافة إلى ضمان التزام المنشأة بصرف الأجور الشهرية في الوقت المحدد؛ فأصبح من الجيد أن يتضمّن القانون جزاءات لمخالفي القانون من العامل وأصحاب العمل لتحقيق الغاية الأسمى التي يسعى القانون لإيجادها وهي العلاقة الناجحة والمستدامة التي تعود بالنفع على جميع أطراف الإنتاج الثلاثة.

أخيرا.. من المرتقب صدور قانون العمل خلال الفترة القريبة القادمة، وأدعو الجميع إلى التريث في تفسير نصوص مواد القانون وعدم إطلاق الأحكام المسبقة والثقة فيما مرّ به من دورة تشريعية محكمة تضمن اشتماله على مرئيات ووجهات نظر جميع الأطراف المعنية بالقانون.