يوميات سورية ٣٤

04 ديسمبر 2021
04 ديسمبر 2021

ـ 1 ـ

قال لمرافقه: اليوم عندنا حفلة. حضّر كل شيء... جهز ال ب.م السوداء. كن هنا الساعة الثامنة.

ها هي الثامنة. ينزل على درج الفيلا... كأمير. مبرقاً كعريس. مسرّحاً ما تبقى من الشعر. رافعاً الخصلات الخفيفة من اليمين إلى الأعلى. ملصقاً إياها على قمة صلعته المبكرة... وراءه يمشي المرافق حاملاً سامسونايت سوداء فيها المصاري وعدة السيجار.

قبل أن تنطلق السيارة سأل المرافق: هل جلبت الروسية (الكلاشينكوف... يقصد).

ـ كم مخزن معك؟ (أمشاط الرصاص... يقصد)

ـ والرمانات؟ (القنابل اليدوية... يقصد)

ـ والبكرة؟ (مسدس الماغنوم... يقصد)

ـ والسميث؟ (الرشاش الصغير...يقصد)

أجاب المرافق: كله جاهز ـ معلم.

قال آمراً: انطلق.

ها هي الثامنة وخمس دقائق... انطلقت السيارة ذاهبة إلى... عرس.

ـ 2 ـ

تعليقاً على حكم قضائي جائر:

أرنب التقطت «ثمرة» فاختلسها الثعلب وأكلها. جاءا يختصمان إلى الضب. قالت الأرنب: يا أبا العدل. قال: سميعاً دعوت. قالت الأرنب: أتيناك لنحتكم إليك. قال: عادلاً حكمتما. قالت: أخرج إلينا. قال: في بيته يؤتى الحكم.

قالت: وجدت ثمرة قال: حلوة فكليها، قالت: اختلسها الثعلب. قال: لنفسه أراد الخير. قالت: فلطمتُه، قال: بحقك أخذت. قالت: فلطمني، قال: قد قضيت.

..................

في القصور العدلية ثمة ما هو أفدح من وكر الضب. هناك فقط مكان تلاوة الحكم. أما المحاكمة فهي تحت أقواس المكاتب الخاصة والبيوت وأروقة المحامين.

......

نص مواصفات تراثية للقاضي:

لا يقبل هدية إلا ممن كانت له عادة أن يهدي إليه قبل توليه القضاء. لا يبيع ولا يشتري. لا يقضي وهو غضبان أو جائع أو عطشان، حزين أو فرحان. لا يقضي وهو مريض أو نعسان، في الحر الشديد أو الزمهرير. كان يردد قول الرسول (ص):

«القضاة جسور للناس يمرون على ظهورهم يوم القيامة».

ـ 3 ـ

أفاق من النوم، كما تفيق القطاة في شروق جميل. سأل من إلى جواره من الرفاق: هل فاض نبع الماء؟ قيل: كلا... فنام.

بعد أسبوع أفاق كما تفيق السلحفاة. سأل من إلى جواره: هل نضجت حقول الذرة؟ قيل: لا... فنام.

أفاق بعد شهر، كما تفيق الكوبرا، سائلاً من إلى جواره: هل نهضت العصافير من أعشاشها؟ فقيل: لا... فنام.

بعد ألف سنة أفاق النائم من نومه كديناصور ممدد على أطراف الكرة الأرضية... سائلاً عن مصير الجميع، فقيل له: ماتوا...

أفاق على هذه الجملة:

«الناس نيام إذا ماتوا... انتبهوا».

ـ 4 ـ

من شدة العتم، وتكراره... تضطر العين البشرية إلى أن تفتح عدستها طوال الوقت... ها نحن، بسبب تناوب العتم والكهرباء تتغير ملامحنا، فنغدو، بعد عشر سنوات من التقنين، أشخاصا جاحظين.

من طول العتم وقلة الأمل بكهرباء القرن العشرين، تضيق صدورنا، ونصبح من سكان النوافذ لاستنشاق هواء العتم، دون ابتسامة لغسقٍ، أو شفقٍ، فينمو في صدر الإنسان «كائن العتم الحزين».

من شدة العتم... نتقن لغة الظلام. نتحسس مكان جلوس الانتظار.

ـ 5 ـ

من دفتر قديم: ليس هناك مكان على هذه الأرض لائق لأن نركز عليه راية الاستسلام.