يوميات سورية 73

03 سبتمبر 2022
03 سبتمبر 2022

ـ 1 ـ

اللون الأحمر الصارخ للأوراق أنقذه.

فتى في العشرينيات يلصق على جدران المدينة منشورات، أثارت فضول المارة، وارتياب الأمن فأقبلوا يقرأون:

"إن خدعتك الحياة فلا تحزن، ولا تغضب. في اليوم الشجي اهدأ. يوم الفرح، ثِق، لا بد آت. القلب يحيا في المستقبل. فالحاضر كئيب. كل شيء عابر. كل شيء سيمضي، وما سيمضي سيصبح أجمل".

بوشكين

وبعد شارعين منشور آخر:

"النهر مرة أخرى، يا حبيبتي، وجسر آخر فوق النهر. وجسر آخر له عينان كبيرتان كعينيّ، يا حبيبتي... كعينيّ، عندما أتطلع إليك.

ألبيرتي

ثم في شارع ثالث، وعلى قاعدة تدشين مشروع ما... منشور آخر:

"فقط لأنها قالت: في أية لحظة سوف أجيء أنا انتظرتها حتى قمر الفجر. ففي الشهر الطويل سوف تظهر".

الراهب سوزيني

في حي آخر:

في الهواء المغسول بالزيزفون، بعض الوميض يأتي ليسقط على هذه المقاطع اللفظية لعصافير تغني فوق الأوراق.

ثم تعود العصافير الآن إلى الأغصان العالية. إنها المادة الأقرب إلى الملائكة. وأنا هل أجرؤ على لمسها لجعلها قصيدة.

شاعر

وفي ورقة "نيتشه" هذا المنشور: لا تبقَ في حقل منبسط. لا تصعد عالياً كذلك. أجمل رؤية للعالم تكون من علو متوسط.

........................

هذه المنشورات ذات الورق الأحمر مذيلة بتوقيع على النحو التالي:

إلى علا... من حبيبك الرجل السيئ

وهذه ال "علا" هي "ليلى" "ما" في هذا البيت:

"كل يغني على ليلاه متخذاً ليلى من الناس أو من الحجر".

ـ 2 ـ

تفحصت وجهه

كأنني أعرفه،

ذات عصر مضى.

لم تكن اللحية الشائبة

ما يحجب ملامحه القديمة

ولا العيون الزجاجية الشاردة

ولا الشحوب الذي يشبه خبزا يابسا

ولا جفاف شفتيه كأنه خالق العطش البشري

ولا ابتسامته التي كأحجار زخرفية في حائط مهجور.

ثمة شيء أعرفه، ولا أعرف ما هو.

اقتربت من منطقة الذهول البريء في صمته

مددت يدي وسلمت عليه وأحسست بدفء يديه...

هذا صديق لم أره منذ بدأت هذه الحرب.

ـ 3 ـ

لا يوجد ما يمكن الاستمتاع به وحيداً إلا إذا كان حصة من الوحشة الرنانة. إلا إذا كان ضيقاً المكان الذي لا يتسع لشقاء اثنين. وهكذا لا بد إذن من تلك اللحظة أو الشيء الذي يدعو إلى أن تنادي، هامسا، أو بأعلى صوت: "أيهذا الذي أحبه أين أنت؟!"

ـ 4 ـ

قررت أمس

أن أترك بابي مفتوحا

دائما

فنومي ثقيل

وسورية التي أحببتها... قادمة.

ـ 5 ـ

الشيخوخة

ألا تركل هذه الطابات

كأنما لتهز بها شباك الكرة الأرضية.

وأنا أدوزن آلتي الموسيقية

مستعينا بصوت كناري في الخيال.

فجأة سكت الكناري:

انقطع الوتر.

الشيخوخة: أن

تؤجل

إصلاح

الوتر.

ـ 6 ـ

ليس الخوف أو القلق أو الحزن

أو الوباء وفقدان الأمل أو الخيبة

وجوع الحياة أو التقدم في السن

...........

ليس كل ذلك...

ما يجعلنا نهرم...

بل الانحناء،

على شكل وهيئة

بلد مكسور.