يوميات سورية 64
ـ 1 ـ
هذه المهمة التي كلفتني بها... انتهت.
أنا، الآن، أحب أن يستريح القلب من "صعود الجبال بين الحفر".
أريد تبديل ثياب الحرب، وألبس مهنة أخرى.
أريد التفرغ لمتراس الموسيقى وما فاتني من أغنيات...
أريد أن تكسل مرارتي وتنام.
أريد أن أكون كسولًا كطفل يعبث بحمامته وأرنب يكتشف السر في طول الأذنين.
أريد أن أشرب الوقت بكفيّ الملوثتين بروث الحياة.
أريد ألا يكسر الحزن البسيط عظامي.
حسنًا...
سوف أكلفك بأسهل أنواع المهمات، مهمة لا تنتهي، وأنت تبدع البدايات، تلك التي سوف تحبها، شرط أن تدفنها، تلك التي لا يعرفها إلا من جرّبها، ولا يحبها إلا من أتقنها... مهنة لا تسألني كيف تبدعها وتتقنها وتنجزها وتبقى أسيرًا لها...
مهنة اسمها حياكة شعر "الهاويات".
ـ 2 ـ
"يا حسن عبدالله... جمّد ثوانيك"
هذه أول شهقة كلام انتثرت على الورق، عندما تأكدت أن الخبر صحيح... وأن الشاعر حسن عبدالله قد مات تمامًا.
فتشت عما يمثل حزين الجليل القديم في كتاب حسن عبدالله "الدردارة" فوقع اختيار الصفحة على اللوز وإلى جواره هذا الكلام:
"طلع الصباح على طريق المدرسة
طلع الصباح على الدجاجة والكتاب
طلع الصباح على القمر
وعلى غصون اللوز
وانتشر البقر
في باحة التين
ثور أسود نطح الكرى
فاستيقظ التلميذ.
ثور أبيض نطح الثرى"
.....................
لا يتركك حسن عبدالله تمضي في حال سبيلك، وهو يقول لك جملة حزينة تلحق بها جملة أكثر حزنا من سابقتها. ثم تجد نفسك كما في هذا المقطع في الطريق إلى حسن.
"دائما كان الطريق يمر عبر التين
من جهة الحمار
وينتهي في بيتنا".
حسن عبدالله... أنت لا تكتب عنه، لا تقتبس منه، لا تحاول شرح مقامه في ظلال التين المعسل، إنه عابر، ولكن رسوخ العابر هو ما تراه في هذه الأسطر:
"قد لا أكون هناك في تموز ذاك العام
ولكن،
أيها الماء الذي وثب الزمان، وجاء محرورًا إليّ...
سلّم عليّ
سلّم عليّ
وعليهما... يا أيها الماء السلام
عليهما الدردارة الصفراء
وابنتها الخيام"
-3-
من دفتر الأيام: "نحن نعيش في عالم غريب، حيث يمشي الفقراء أميالا للحصول على الطعام، ويمشي الأغنياء أميالا ليهضموا الطعام".
نيلسون مانديلا
