يوميات سورية 62
ـ 1 ـ
صباح الخير أيها الحجر، وكان بودي أن أقول: صباح الخير أيها الطائر الذي يجلس على حجر، ويقول جملة واحدة افتراضية رجائية: لا تحزن أيها الإنسان.
ثم، وفي الطرف الآخر من غابة الإنسان، يخرج أرنب من الأجمة، ويمد "أذنيه ليعرف ماذا وراء الأكمة ونوع ذئابها وزنابقها. وأنواع النجاة الجميلة فيها.
صباح الخير أيها السوري الذي أفاق اليوم على أغنية الأسف، وهي تحاول صعود شجرة اللوز المبتدئ، تفتحًا وزهرًا، وتريد، مثل كل عام، ومثل كل زميلات مهرجان الثمار... أن تمد يدها، لتقطف عنقود كرز، وتشبهه بما تراه... فتوة كون أخضر، يحلم.
صباح الخير أيها الطفل السوري الذي يقيس الزمان بطول ما تبقى من الساندويشة في طريق العودة إلى البيت مؤملًا أن تفي السحابة بوعدها، فتخترع الأمل.
صباح الخير طويلة، ممتلئة، منداة وفيها رائحة الأم... الأم التي توفر التذمر وتخفيه إلى أن تنال جائزة الصبر ومكافأة الرضى.
ـ 2 ـ
ما تعلّمه الجواد من البراري هو الجري في أفق مفتوح، والصهيل توقًا إلى أنثى، والتعلّم في مدرسة سيرك الإنسان كيف يؤدي التحية لمدرّبه... يتعلم الجواد تخزين المودّات عبر أجيال من الجيران، وحفظ أصوات الحنين عبر المسافات، ويتعلّم العودة إلى منزل الحب والابتعاد عن بيئة الكراهيات.
"الجواد يتعلّم كل شيء ما عدا الخذلان".
هذا ما علّمني إياه الجد الأخير من سلالات الصهيل.
ـ 3 ـ
في الكتابة... نتعلّم نحن الكتّاب فن الانسحاب من النص الذي استعصى على ريشة القلم الأسود والأزرق والأخضر والأحمر، وتنهيدة الحسرات في أغنية الوداع الأخير في نشيد الليل.
في الكتابة... نتعلم "أن النثر يطير بعيدًا، أما الشعر... فيطير عاليًا".
في الكتابة يقول لك المعلّم: "لا تخف من الموت بل من الحياة الناقصة".
"في الكتابة يتقن الشاعر وصف الوداع كأنه ذاهب إلى موعد حب".
في الكتابة، يجب أن نبحث عمّا كتبه أجدادنا في أوقات النزق المشهود به في قصة عابثة:
قال أحدهم لبيكاسو: "يبدو أنك لا تحسن من الرسم سوى هذه الخطوط والألوان المتداخلة. فأخذ بيكاسو ريشته ورسم حبة قمح على الأرضية. وكانت حقيقية إلى درجة أن أحد الديكة تقدم محاولًا التقاطها. وعندما انبهر الرجل قال: لماذا إذن تصرّ على هذه الرسوم الغريبة وأنت تحسن الرسم بهذه الطريقة الرائعة؟ فأجابه بيكاسو في هدوء: في الحقيقة أنا لا أرسم الدجاج.
ـ 4 ـ
من دفتر قديم:
أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر.
أنا أطلب أن تجعلني أتبلل.
غاليانو
