يوميات سورية 59

28 مايو 2022
28 مايو 2022

ـ 1 ـ

طائر قديم، أبيض، يشبه البجع، في عنقه جعبة تتسع للترين من الماء، يسقي بها صغاره.

عندما يحدث حريق في الغابة، ويتصاعد الدخان، يصبح هذا الطائر إطفائياً. يرش الماء الذي يحمله لصغاره على الحريق. في رحلات جماعية.

هذا الطائر الأبيض الذكي الجميل، أبيد برصاص الصيادين رغم أن لحمه لا يؤكل، ووجبته الغذائية الأولى حفنة ماء.

ـ 2 ـ

هذه الأيام... شاحنة مليئة بالأشجار المقطوعة. وأشجار دلّ عنقها على منشار قطعها. والطيور هجرت وهاجرت. ونحن نبحث عن الأغصان التي بدأت تنمو. نعلّق على بعضها قمصاننا وأغانينا.

إذا رأيت قميصين على شرفة مدمرة، وفي غابة محترقة، واحد أبيض، وبه بضعة خطوط زرقاء، والآخر أزرق وبه بضعة خطوط بيضاء... فاعلم أننا كنا هنا معاً، ثم تركنا وراءنا المدينة نائمة، وقمصاننا ترفرف، كالسنونو، على أفاريز الخراب.

ـ 3 ـ

وجدت هذا الرثاء الحفيف إلى جوار ابتسامة الرحيل الأبدي أمس لم يكن يشبه أحداً سوى صوته، وهو في الوادي، وهو يحتطب وجبة لصقيعه، أو يتأبط كل يوم تفاحة لم يذبل عليها نمش الرحيل على شكل أغنية جديدة.

بيدي لمست قلبه وأنا أقول له: وداعاً للأخوّة الأخيرة في هذا الكون، ورتّل عابر جنازة برايات بيضاء، كحليب ساخن، عند صباح بارد... ما يشبه كلمات سرّية للابتهالات. ولم يعرف سوى هذه الكلمات:

"دعيني الآن، يا حبيبتي، أتدرّب على قبري".

ـ 4 ـ

أيها الأعزاء...

في بلادنا الجميلة كارثة كبرى، تصنع ما لا يمكن وصفه من أنواع الآلام القصوى.

بلادنا تحتاج، من بين ما تحتاجه، إلى معجزة تعويذة الحياة، وهي موجودة في قلوب السوريين، القدماء... على الأقل.

تحتاج بلادنا الجميلة والحزينة، إلى مصالحة عظمى، ومن بين أطراف هذه المصالحة: الشعراء، لكن ليس شعراء الفنادق، والخنادق. قد يكونون شعراء الزنابق ـ إن شئتم.

أما أنا... فسأحاول أن أكون صنفاً رابعاً. وسأقرأ عليكم بعضاً من تجربة الشخص الرابع:

"صانع الأحلام، بعد أن رأى ما الذي حلّ بالحالمين، عاقب نفسه بكابوس"

في الطفولة... أسندت رأسي على ذراع ما.

في المنفى... أسندته على وسائد الغرباء.

في الغربة... على حنين.

في الوطن... على غربة.

في الحب... على نهد.

في الحرب... على حجر.

اليوم...

أبحث عن مجازٍ شعري،

أسند عليه... روحي.

ـ 5 ـ

من دفتر قديم:

"من لا يفهم صمتك، فهو على الأرجح لن يفهم كلامك".