يوميات سورية 58
ـ 1 ـ
"أرجو من شيرين أبو عاقلة أن تقبلني في عداد من حزنوا عليها".
كانت هذه الجملة الطويلة تعبر عن نزق طلوع الروح في لسعة رصاصة استهدفت ثلاثًا من المهن الخطرة: فلسطينية، وصحفية، ومن مدينة القدس! هل سأضيف من عندي "السلام لروحها"، وما حول هذه الأمنية من التباس الحزين؟
وشيرين وحدّت أذرع وحناجر ودموع فلسطين، بوصفها فكرة منذ أن كانت أرضًا، و... مقدسة.
قلت لشريكي في مشاهدة الجنازة: سينتصر التابوت.
التابوت كان امتحانًا للحياة. ففي لحظة كاد أن يسقط على الأرض، ارتفع وارتفع على أياد كأنها امتدت من السماء لتسند المعنى من ارتفاع الشهيدة إلى السماء.
وفي اللحظة التي انتجت الكراهية (جنود إسرائيل) وأنتج الحب (شعب فلسطين) جاء من يقول لكبير الجند ""انصرفوا.. خسرتم المعركة".
نعم لقد خسرتم المعركة اليوم وغدًا وإلى الأبد، منذ استحالة سقوط التابوت.
ـ 2 ـ
قرأت: بعد ستين عامًا على استقلال الجزائر تكشف السلطات عن عشرات الآبار المليئة بالجثث المتحللة، وتحتوي على أعداد تتراوح بين 10 جثث وأربعمائة.
ثم قرأت: طلب صحفي فرنسي من جندي فرنسي أن يجد له جزائريًا قتيلاً يصوره، فما كان من العسكري الفرنسي إلا أن أطلق الرصاص على مدني يعبر المكان وأرداه قتيلاً، فيما الصحفي الفرنسي يصور العملية لقاء دينار واحد.
ـ 3 ـ
شدة الأسف، وفقدان القيمة، ونقص الحب، وزوال المهنة، وانقراض الأصدقاء، ورعب الليل، وانعدام الأمل، وعتمة الأزقـة..
كل ذلك لم يوقف جولة التفقد الليلية التي يقوم بها حارس الصمت في مدينة تنام مضمخة بأزهار حدائقها، وتوقظنا أملاً أملاً لكي نبدأ النهار.
ـ 4 ـ
سنستعين على ملل محمود درويش بأمل محمود درويش:
"هنا.. عند منحدرات التلال
أمام الغروب وفوّهة الوقت
قرب بساتين مقطوعة الظل..
نفعل ما يفعل السجناء
وما يفعل العاطلون عن العمل
نربّي الأمل..
هنا عند مرتفعات الدخان
على درج البيت
لا وقت للوقت
نفعل ما يفعل الصاعدون إلى الله
ننسى الألم..
الألم... هو ألا تعلّق سيدة البيت حبل الغسيل صباحًا
وأن تكتفي بنظافة هذا العلم.
ـ 5 ـ
الأنثى التي تفتح لك قلبها.. تتوقع منك أن تستوطن قلبها بحب وهدوء، أو أن تغلقه بلطف واحترام.
ـ 6 ـ
من دفتر قديم:
"رهبان مصر كانوا يحفرون قبورهم بأيديهم ليذرفوا فيها الدموع..
أما أنا فسأملأها بأعقاب السجائر". سيوران
